تعرف الدوغمائية بانها حالة من الجمود الفكري يتعصب فيها الشخص لأفكارهِ الخاصة لدرجة رفضهِ الاطلاع على الأفكار المخالفة وإن ظهرت لهُ الدلائل التي تثبت لهُ أن أفكارهِ خاطئة سيحاربها بكل ما أوتي من قوة .
وتعتبر حالة شديدة من التعصب للأفكار والمبادئ والقناعات لدرجة معاداة كل ما يختلف عنها وهذه الحالة تعيشها طبقة كبيرة وشريحة واسعة من ابناء الشعب العراقي للاسف الشديد حيث يطغي التعصب الفكري على اغلب مجالس الحديث او المسامرة سواء كان ذلك في الشارع او البيت او العمل او حتى في مواقع التواصل الاجتماعي !!
ربما يذهب البعض ان سبب التشدد والتعصب هو لطبيعة تكوين المجتمع العراقي الديوغرافية او التاريخية مثلا حيث للتاريخ والاحداث دور مهم في التاثير على نفسية الافراد والمجتمعات فاغلب الاحيان تنعكس سلبا على حياة المواطنين فتظهر اثارها على الحديث واسلوب النقاش وتتحول الى ركيزة للتعصب ورفض الاخر والتسقيط به وعدم الاستماع لاي راي مخالف حتى وان كان منطقي وصحيح .
ما نشهده في وقتنا الحاضر من رفض الاخر والتشهير به والتسقيط والطعن واسلوب الشتم والتعدي الصارخ على كل القيم الاسلامية السمحاء والاجتماعية الاصيلة انما هو نتاج حركات ضالة مظلة ومدعومة من دول ارهابية لا تريد بالمجتمعات ومنها المجتمع العراقي الخير والصلاح فاثرت تلك الحركات والجماعات الجوكرية البعثية والمدعومة من السفارة الامريكية ودول الخليج على الراي العام العراقي وخاصة الشباب الذي راح لا يطيق او يتقبل اخيه في الانسانية والوطن وربما حتى في ذات العرق والجنس البشري ولقد لمسنا التطبيق الحرفي والفعلي والعملي لذلك ابان ماتسمى بثورة تشرين وما جرى بعدها من تبعات فاصبح المجتمع العراقي لا يتقبل اي فكر او راي مغاير بل وتجاوز ذلك حد التعدي بالالفاظ على كل الرموز الدينية والاجتماعية والسياسية والعشائرية وللطعن بها ولم يسلم من ذلك اي شخص او مجموعة وبحجج بائسة وغير منطقية .
ان من الضروري على افراد المجتمع الذي يسعى الى الصلاح والاستقامة اشاعة روح تقبل الاخر فكرا وقولا وفعلا وعدم التمسك بمفهوم او راي واحد فقط واعطاء جانب وفسحة للاستماع والاخذ بكلام الاخرين لعل فيه مصلحة وسداد وبطبيعة الانسان ليس معصوم عن الزلل او الخطأ وكما جاء عن امير المؤمنين علي بن ابي طالب ( ع) ( من شاور الرجال شاركهم عقولهم ) فأين المشورة والراي ومشاركة العقول والنصح والنصيحة وقول الصواب لماذا غابت كل القيم والمفاهيم الانسانية الطيبة والرائعة عن اداب المجتمع العراقي وهل الطعن والتجاوز والسب والشتم والتعصب حل للمشاكل !!؟
ان اشاعة ثقافة تقبل الاخرين ان كانت اراءهم وتوجهاتهم عقلائية ومنطقية وصحيحة هي صفة محمودة ومنطق ايجابي وعامل مساعد للرقي والتفهم والادراك والوصول الى نتائج ايجابية سليمة على عكس رفض الاخر والتزمت والتعصب لرأي او فكرة او شخص فليس هنالك احد نقي نقاء تام او مقدس فوق ما يدركه العقل سوى الامام المعصوم وهذا من البديهيات العقلية والمنطقية فكل بني البشر خطائون وخيرهم التوابون .
ماكان يوما التعصب الفكري والتشدد ومنطق التجاوز والسب والشتم حل او صفة جميلة على العكس فان الانسان المتعصب هو انسان معزول ومكروه عند اغلب المجتمعات وتصل الحال الى نبذه وعزلته حتى لا يسبب الارباك ويؤثر على الراي العام والاخرين فكل المجتمعات لم تكن على صف او نسق واحد من الثقافة او الفكر او العقيدة او الرؤى فجميعهم مختلفون ولمن يتوحدون عند نقطة مهمة وهي الاخلاق وتقبل الاخر اذا كان نزيه وعنصر مسالم وصحيح وانساني وصاحب خلق ودين وغير فوضوي او حقود او خبيث .
الخروج من الجمود الفكري الى فضاء العلم والمعرفة والدين والاخلاق وتقبل الاخرين رأيا وشخصا هو سبيل وطريق جيد وصحيح ويعود حتى على النفس بالطمأنينة وسموها وسمو من يعمل بالمفاهيم الانسانية والاخلاقية وان نكران الذات هي ايظا عامل مكمل للاستماع الى الراي الاخر ومناقشته نقاش موضوعي وايجابي نحو التكامل الفكري والعقدي والانساني والاخلاقي والديني والمجتمعي :
فما مِن كائنٍ إلا لدَيهِ
صفاتٌ حسنُها زاهٍ صَبيحُ