مؤشرات عديدة تدل على ان ثمة تغيير وتبادل في الادوار الروسية الامريكية في المنطقة و يمكن وضع هذا التقارب في إطار خطة روسية تكتيكية تحقق من خلالها الاستفادة المباشرة. لكسب المزيد من الوقت لانطلاق الدب الروسي والاعلان عن قوة ثنائية في العالم لأنهاء ما يسمى بالأحادية القطبية .والاستراتيجية الامريكية لإكمال مفاوضاتها مع ايران وحماية مصالحها والاستمرار بمشروعها العالمي وهو التقسيم وشرق اوسط جديد
ومنذ بدء التدخل العسكرى الروسى ، وقبل أن تمضى عدة أيام، قامت آلة الدعاية الغربية بالتشهير بالدور الروسى، وبررت الولايات المتحدة اعتراضها على اساس أنه «وصفة للكوارث» لأنه يؤدى الى دعم الرئيس السورى الذى يعارضه معظم السوريين، وبالتالى سيؤدى الى تمديد واطالة الصراع فى سوريا، وأن الحل يجب أن يكون عبر عملية انتقال سياسى حقيقى. ومفتاح الشفرة هنا يكمن فى مصطلح الانتقال السياسى الحقيقى، أى إسقاط النظام بإرادة خارجية، وليس نتيجة لانتخابات نزيهة تتم تحت اشراف دولى. لاتريد الولايات المتحدة وحلفاؤها تحولا ديمقراطيا فى سوريا ولكنها تريد اسقاط النظام بإرادتها، كما حدث فى العراق وليبيا بحيث يتحكمون فى تحديد مستقبل سوريا.
ان اعتبار سوريا وما تمثله كآخر وجود لروسيا في الشرق وضع الوزر على الدب الروسي ان يدقق في حساباته كيفية الوقوف بوجه الاجندة الغربية الساعية لإقصاء الروس عن خارطة الشرق الاوسط بقوتهم العسكرية والتكنولوجيا المتطورة وبأموال بعض دول الخليج التي تريد رسم المنطقة وفقا لأفكارها النتنة بتلك العقول وماحملته لنا مدارس طالبان وغيرها ولذلك صاغت روسيا تلك الرؤية الاستراتيجية على الارض …
وضّح مركز الدراسات الاستراتيجية والأمنية ستراتفور” STRATFOR” إن الولايات المتحدة بدورها بدأت في إنشاء أول قاعدة جوية على الأراضي السورية الخاضعة للأكراد في منطقة رميلان الواقعة على بضعة كيلومترات عن الحدود مع العراق وتركيا…
وتدرك روسيا هذا المخطط. فروسيا لاتتدخل فقط لحماية الحليف السورى، ولكن أيضا لحماية مصالحها حيث إن قسما لايستهان به من إرهابي داعش أتوا من بلاد شمالي القوقاز كما أن انتصارهم سيؤدى الى تحولهم الى روسيا نفسها..
اخذت روسيا بالتحرك الفعلي في سوريا وعززت التواجد بقوة فعّالة لأنشاء قواعد عسكرية دائمة بالقرب من القاعد الامريكية والتي لا يبعدان عن بعضهما 50كم وبدء اكثر من 200 خبير روسي بالعمل على فحص المنطقة فيما يخص نشر قواتهم وتحصينها وتعزيز مدرج الاقلاع والهبوط في المطار العسكري السوري “القامشلي” الخاضع للسيطرة و أن هذه المنطقة تقع على بعد بضعة كيلومترات عن الحدود مع تركيا الدولة العضو في حلف الناتو والذي يعتبر أن هذه المنطقة خاضعة لنفوذه…
في الايام الاخيرة وصل جون كيري الى السعودية الهدف من زيارته هو طمأنة حلفائه الخليجيين وتبديد القلق، وربما الهلع الذي يراودهم من جراء رفع الحصار المفروض على ايران تطبيقا للاتفاق النووي، واحتمال ان يميل “القلب” الامريكي الى الحليف الايراني الجديد،يقابله بايدن ، فهو في تجديد المحاولات والضغوط الامريكية لاقناع القيادة التركية بالدخول في حرب برية يجري الاعداد لها، للقضاء على “الدولة الاسلامية” في كل من العراق وسورية وليبيا، وهذا ما يفسر تصريحاته التي قال فيها انه “مستعد لحل عسكري ضد هذه “الدولة” اذا اخفقت الحكومة السورية والمعارضة في التوصل الى حل سياسي، والتأكيد بأن الحل العسكري سيكون محصورا في تصفية “داعش”، وليس لكل سورية.
تركيا الان في اعادة النظر في سياستها الخارجية وفق الرؤية الامريكية للمنطقة حيث ظهرت تباينات بين الموقف التركي والامريكي تجاه الازمة السورية خلال المرحلة الماضية حيث طالبت انقرة بأقامة منطقة عازلة في شمال سوريا واستياءها من الدعم الامريكي المتواصل للاكراد .
إلا أن عدم نجاح تركيا في تحقيق أهدافها في سوريا دفعها من جديد إلى إجراء تغييرات في سياستها باتجاه احتواء الخلافات مع واشنطن، وهو ما بدا جليًا في موافقة تركيا على استخدام التحالف الدولي لقاعدة “انجرليك” في العمليات العسكرية التي يشنها ضد تنظيم “داعش”، إلى جانب اتجاهها وعززت الشراكة مع حلف الناتو وتطوير العلاقات مع الاتحاد الاوربي من خلال منع تدفق اللاجئين الى الدول الاوربية دون تأشيرة
فإن اهتمام تركيا بإعادة تطوير علاقاتها مع الدول الغربية يبدو “مرحليًا” بهدف احتواء التداعيات السلبية التي فرضتها السياسة التي تبنتها في الفترة الأخيرة تجاه الأزمات الإقليمية
المتعددة في المنطقة…
والاختلاف والتقارب الروسي الامريكي جعلت منها تعيد النظر بسياستها وفق المشروع الامريكي
وما قاله سفير روسيا لدى الأمم المتحدة، فيتالي تشوركين، لــــ «سي.بي.اس» تكشف عن جزء من الاستراتيجية الروسية. قال: «أعتقد ان هناك أمراً نتشاطره مع الولايات المتحدة، مع الحكومة الأميركية: انهم لا يريدون لحكومة الأسد ان تسقط. لا يريدون لها ان تسقط. يريدون محاربة «داعش» بصورة لا تؤذي الحكومة السورية». وتابع تشوركين: «انهم لا يريدون للحكومة السورية ان تستغل حملتهم على «داعش». لكنهم لا يريدون إلحاق الأذى بالحكومة السورية بأفعالهم. فالمسألة معقدة جداً».