لعبة الدواوين من أسلحة الدمار الشامل , ومن أساليب الحرب النفسية الساعية إلى الفرقة والتنازعات البينية في المجتمع الواحد المتماسك , فالكينونات لابد لها أن تتصارع , وهذا طبع بشري أزلي , فلكي تقضي على أي مجتمع إصنع فيه كينونات وسميها كما تشاء.

الدواوين العشائرية والفئوية التي إنتشرت في المجتمع من أخطر الأساليب اللازمة لتمزيقه , وتدمير وجوده المعتصم براية واحدة , فلكل كينونة رايتها , ولكل منها ما تدعيه وتراه لصالحها , ولكل منها مصالحه ولابد للمصالح أن تتقاطع ذات يوم , وتندلع الصراعات الماحقة بينها.

لماذا لا يكون الوطن هو الديوان الجامع لأطياف المجتمع مثلما هو الحال في دول الدنيا المعاصرة؟

لماذا هذا التشظي والتفاعل الأناني العدواني الساعي للنيل من طاقات المجتمع , وتفتيت كيانه المتسابك الذي جرت عليه الأجايل لقرون عديدة؟

إن العيب في بعض أبناء المجتمع الذين صارت العديد من المسميات عندهم فوق الوطن , ولا يعنيهم سوى ما تدره عليهم تجارة الدواوين , إذ لا يعقل أن لا تكون لأصحابها مخصصات وإمتيازات وأرصدة للنثريات وغيرها , فلا يمكن لمن هب ودب أن يتحمل الصرف الباذخ من دون معونات أو تخصيصات من الدولة لأصحابها , وهذا يعني أن لعبة الدواوين تجارة مربحة وآلية للنفوذ والهيمنة والإستعباد , والتمكن من أبناء المجتمع والتحكم بآرائهم وخياراتهم , فكل مجموعة تتبع صاحب ديوانها , فالخيار يكون وفقا لإرادته , وكل به مرهون ويعتمد عليه في العديد من شؤون حياته.

“كلها شيوخ والعِب مشروخ” , ” وكام الداس يا عباس” , “ومن هالمال حملوا اجمال”!!

“الدنيا وين ومجتمعاتنا وين”!!

الويل لنا من بعضنا , من جهلنا وظلمنا وجورنا , وكلنا في محنةٍ تمحقنا , وندّعي بأننا لوحدنا , أحفاد أبطال أمجادنا , نتعكز على عظامنا , والعصامي عدونا , ولا بد من هجمة مسعورة تحرقنا , لأننا لا نأبه لضيمنا , وعسرنا عنوانا , وجهلنا إمامنا , وعندنا ما عندنا , خداعات وأضاليل تمتهننا , ونحن المغفلون المنومون بعجزنا وذلنا , العالم يجري ولا نغادر مرقدنا , فتدثري يا أمتي بعجزنا , ولا تتألمي من خصمنا , فإنه يرحمنا!!

أ يعصمنا التمزق والسُعار

ويرحمنا التأسد والشرار

بلادٌ عن مواطنها تناءت

فأوجعها التناحر والخوار

لماذا أمتي سقطت لقاعٍ

وأقعدها التهاون والحصار