18 ديسمبر، 2024 6:59 م

الدوال الاستثنائية في مرجعيات الذات المراوية

الدوال الاستثنائية في مرجعيات الذات المراوية

قراءة في مجموعة ( صعودا الى صبر أيوب )لعبد الرزاق الربيعي
و نحن نقرأ قصائد مجموعة ( صعودا الى صبر أيوب )

للشاعر و الكاتب المسرحي عبد الرزاق الربيعي ، لعل من

الأجدى لنا ونحن نقرأ قصائد المجموعة أن نمنح شعورنا

قدرة توفيقية خاصة في تحديد قيمة ما يمكن أن نشخصه

كي يكون موضوعا لرؤية / و رؤيا نسعى الى فهمها فهما

تقويميا مقابل ــ ضمن خصوصية الألمام بالتصور الرؤيوي

الذي يقاسم إجرائية دائرة فعل علائقي استثنائي في مسرحة

محكومية اداة مرجعيات الذات الشعرية الكامنة في سياقية

معطيات الاستدلال المقروئي كنوع راح يشمل من خلاله

المحمول النصي أقصى كيفيات دلالات التصور الابلاغي

و التوصيفي في معرفة حالات الشد الموضوعي في مساحة

فضاء انشطارات خاصية القصيدة :

لملمت بقايا بحر لجي

يترسب

في ذاكرة السفن الغرقى

في أعماقي .

أن معطى النظر الى استنطاق دوال المقطعية الشعرية

الواردة في النص ك ( لملمت / بقايا / بحر / لجي ) لعلها

تقودنا نحو انتقالات تعاقبية خاصة لأستنباط قيمة المتآتي

من وجه هذا المعطى الذي يشكل بذاته كمسار استدراجي

منصب في مهام الخط الواصل بين منظومة أفعال ( الذات/

المرجعية / التداني الزمني ) وصولا الى حالة أبعادها

المؤشراتية الكامنة برصيد تصوري محاكاتي لتشكلات

( الارتباط / الصوت / القصد ) و تبعا لهذا المعروض

تتضح أمامنا أمكانية وجود حالة مؤشرية ما من شأنها

جعل دال وفعل (لملمت) اعتقادا بمعقولية ولوج تأثيرات

الإحالة القصوى من مبررات التقديرية الأختيارية النابعة

من لدن الأنا و مستوياتها الإبعادية .. و التي تتشكل في

قصدية جملة ( بقايا بحر لجي ) إذ يمكننا من خلالها تصور

و تحديد المعنى الأولي في مقدرات الذات و مرجعياتها

المكثفة و ذلك من خلال منحنا لضرورة الأتجاه الشفري

في رمز القصيدة الى حالة تهيؤ دامجة ما بين ( التداني

الزمني ) و بين ( الخط الواصل ) و بالتالي جعل صيغة

الاستقراء ( بحر لجي ) تنحو منحى البديل الصالح للتفاعل

مع خصوصية الزمان الانفرادي ) يتسرب / في ذاكرة السفن

الغرقى / في أعماقي ) فتكون المسألة بهذا الشأن كالتالي :

( الذات = الأنا الإحالية = ضمير المتكلم = ذاكرة السفن

الغرقى + في أعماقي = لملمت بقايا بحر لجي ) من هنا

نعاين كيفية حضور الفاعل الشعري في تكوين عملية

تلاقي الجمل الكشفية في مجلى سيولة الدال المكتشف

( بقايا / بحر / لجي ) بعملية تفكيك سلطة ( الذاكرة ــ

السفن ــ الغرقى ــ أعماقي ) فتكون الفعالية هنا مصدرية

من شأنها تجميع جملة الدال الفعلي و الصوري و المركزي

( لملمت ) تواصلا مع حلم المتعلق ب ( الذات / الأنا ) إذ

تتحول المقصدية الضمائرية هنا الى شكل بؤرة الفعل

الشعري المتمثلة ب ( حملت عصا زهر أشواقي ) وصولا

الى الإستعادية الفضائية في عملية مضاعفة دلالية الزمانية

المغيبة في سواد الكتابة : ( لوحت لطفلي النائم / في الغيبة)

لربما لا يوحي الفعل ( لوحت ) هنا بأن هناك لاحقة جدية

من رؤية المشهد ( لطفلي النائم ) بل أنها البديل التفاعلي

مع خصوصية مدلول العتبة الأولى ( وصية ) أو أنها من

جانب آخر تشكل السببية المبطنة في طرف علاقة ( في

الذاكرة / في أعماقي ) أو هي صورية الدال الموصوفي

المنفي في ( بقايا بحر ) فالصفة الخارجية المتمثلة في جملة

( لوحت لطفلي النائم / في الغيبة ) قد تكشف لنا ثمة

استدعائية خاصة عن الشعر الحاصل في معنى القصيدة .

لأن ( الغيبة : ابتعاد ) وجدواها ينطوي عليه إقفال المشهد

إقفالا حميما . غير أننا و نحن نطالع بالتتابع ما جاءت به

الجملة اللاحقة من النص ( : ـــ أجل صرختك الأولى /

سنوات أخرى / وأطلقها / خارج أزمنة البلوى / فلعل يكون

/ لها ــ حينئذ ــ جدوى ) من هنا لعل القارىء لهذه المقاطع

من دلالة النص ، لربما يهجس ثمة دوال تحتشد لذاتها

باللجوء الى دوافع إزاحة فضاء آخر أمام انفتاحية بصر

الراوي الشعري و طاقات كفاءة المقصود القرائي إذ أنها

جاءتنا شعرية محملة بثريا الفعل التداخلي من أجل بلوغ و

خلق حالة أنتاج النظر المركزية في عنونة حدود الأمكان

الزمني و الفعل القصدي المفتوح سيميائيا على أحتمال

قادم أبدا .. في هذه القصيدة تحديدا ( وصية ) يسعى الشاعر

نحو بلوغ بياض التأويل إذ تكتنز فيها حالات الدوال إكتنازا

خصبا و تتشكل على شبكة من البصر القرائي و الذهن

القرائي استدعاء لبنية المعادل الزماني بكل جدواه التأملي

العميق .

( الذات المراوية في مرجعية التشكيل الآخر )

في غرف الماء الذابل

أهدر لثغته

و محا قدميه الطين الأخضر

و البلهارزيا

هرمت شبابته .

لقد رأى ( نيتشه ) أن ما يميز الحيوان عن الانسان هو كون

الحيوان يعيش حاضرا دائما . أن الحيوان يعيش بلا ذاكرة

و بلا ماض . ولذلك فهو بلا تاريخ يعيش مكتفيا بأفق لا

امتداد له .. وهو يوجد في حالة سعادة نسبية : بول د ي مان

العمى و البصيرة / مقالات في بلاغة النقد المعاصر :

ترجمة سعيد الغانمي . أن عاملية الابتعاد عن روح الحياة

الانسانية الحية ــ الحرة ــ بمعناها الجوهري الحساس

المتصل بحرارة دفقات اليقظة الحلمية الجميلة في دخائل

غرفة الذات الشعرية التي راحت تصف لنا فرادة اسلوبية

التحقق البشري في قصيدة ( ورقة من دفاتر الحرب ) إذ

أن الشاعر راح يرسم لذاته من خلال الأشياء من حوله

لغة تتعدى مضاعفات الحالم / التأملي وهو يجسد دواله

الشعرية داخل شرنقة تعبيرية لا حدود لها إذ نجدها قادمة

من أفق إقفالات فضاءات ( الذات المراوية ) وهي تتوجس

في مرايا ( غرف الماء الذابل ) الى ( أهدر لثغته ) الى

( محا قدميه الطين الأخضر ) وصولا الى ذروة معادلة

الموت ( و البلهارزيا / هرمت شبابته) من خلال هذه الدوال

نتبع أيقونة ( الذات المراوية ) التي من شأنها توكيد و توثيق

لحظات المعاودة الحسية المعاشة ولكن من طرف دلالة حدود

الإحالة المعمولة و المكتسبة في فعل وقائع الذهن التوالدي و

الأتفاقي مع حالة الأشياء الممارسة بماهية محيطها المتداخل

أيقاعا . أن من أكثر ملابسات الوصول الى نقطة جوهرية

القول الشعري تكمن ليست في جانبية الملحوظة التصورية

و أنما تكمن في ملحوظة تتابعية و ترابط انطباعاتها

التجريبية في الأتون الشعري . وهذا الأمر بدوره وجدناه في

منطقة مقياسات المحتوى الرؤيوي في قصيدة ( ورقة من

دفاتر الحرب ) إذ أنها ببساطة معادلة ثرية دون غيرها من

قصائد المجموعة لأنها أخذت لنفسها صيانة مفردات المقروء

النصي من خلال جزيئات غير ملحوظة في شعرية الذات

المراوية / مرجعية التشكيل الآخر . أننا لو جربنا قراءة هذه

القصيدة وهي في حدود ساحة القتال الواسعة لما وجدنا فيها

أية قيمة حضورية ما في عروش دلالة النص . ولكن الشاعر

شاء جعلها صورة ذواتية تتوسلها ( غرف الماء الذابل /

محا قدميه الطين الأخضر / والبلهارزيا هرمت شبابته /

تحت رطوبة جدران الموضع / حين أدار لقريته ظهر شبابه/

لكن القلب / يتمتم في الليل ــ سماوة ــ ) لاشك أن إيقاع و

ديكور صور هذه القصيدة أخذت تشكل بذاتها إعلانا

بأستئناف الحركة المدلولية على نحو أشد استجابة لفكرة

القصيدة و صراعها البانورامي بالأشياء و العودة بها الى

مساحة تشكيل الآخر ضمن نقطة صفر احتراق الكتابة

( سماوة / فيجيء النخل / ظلال النخل / الماء / شباب

القرية / بائعة اللبن السمراء ) هذه الدوال نجدها تظهر

بموازاة الذات المراوية حيث صورة الآخر تبرز ولكن

بمنظور الصورة المركبة لصورة الأنا / الذات المتجسدة

في مرحلة صورة الأشياء في مرآة اندماج الأنا / الآخر =

الأنا الآخر = دالان متغيران . وليسا معطيين ثابتين .ولكن

ما أهمية الذات المراوية بالمقابل من صورة الآخر المشبه؟

الجواب : لأنها تستطيع أن تنوب بصورة ما معمولة و

مكتسبة من زمن جانبية دلالة ( الأنا / الذات ) إذ أنها اشارة

من شأنها تحديد شكل الآخر بمعطيات الآنا المصورة في

مرآة وجودها الآخر و الذي هو بالنتيجة يشكل الكينونة

المتواجدة في المرآة الأنا المراوية . غير أن الذات المراوية

هي أكبر من حضورية الأنا المندمجة في مرآة الآخر . هذا

الآخر الشبيه ليس سوى صورته المراوية في مرحلة

( أنا / الذات ) و في اللحظة المضاعفة بجدواها الاندماجي

و الاندفاعي في خفايا محورية القصيدة .

فمن يخبر ( عبد الباري )

أن أحلام البكر اهترأت

أن سنابله ستموت على جمر الأسفلت

و أن طيور الورد أختبلت

والبلهارزيا كبرت

كبرت ..

و تأخذ الذات المراوية في سياق أنا / الآخر شكلا تواصليا

مكملا في مقولة إطلالة تشكيلية أبداعية نادرة عبر مجموعة

تطلعات صورية تحتشد فيها اللغة لتخلص لفاعلية صوت و

دلالة النص مرحلة شعرية يمكن وصفها بأنها الذات المراوية

في قصيدة القراءة المفتوحة على أسرار الكشف و التقويم و

الاحتمال .

و ( عبد الباري ) في موضعه يهرم

تأخذ سبابته شكل مؤخرة العقرب

و المرأة تنأى

تنأى ..

أن المبدع عبد الرزاق الربيعي في نهاية قصيدته يتجه بضم

سياقات احتمالاته الشعرية الى منطقة مفاصل دلالة مجاهيل

البؤرة الشعرية التي راحت تتحصن فوق سطح مرايا ذاته

المراوية فتسعى ( أناه ) الى الكشف عن فضاءات ذلك

الخطاب الميلودرامي الذي يقصي تماما بالجانب التصريحي

المادي بالحدود و الآفاق و المساحات الأكثر ديمومة

و صيانة في فضاء مفردات خطورة البوح القصدي الدال .

( تعليق القراءة )

في رسم علامات الأستفهام

على ظهري

في الحبر السري

في ناقلة النار الأزلية

في رائحة الماء العمياء

وفي رنات

الأصفاد

أبحث .. أبحث..

عن رائحة بلادي .

من هنا تبدو تضافرية الأوصاف ذات السياق الصراعي /

التراجيدي المتطور بأبعاده الحسية ( علامات الاستفهام/

على ظهري / في الحبر السري / ناقلة النار الأزلية /

رائحة الماء العمياء / وفي رنات الأصفاد / أبحث .. أبحث/

عن بلادي ) و هي ترتبط على نحو حدوثي استثنائي عميق

بقاع الدوال الاندماجية الكامنة بين الذات الشاعرة و بين

الذات المراوية الأنا / الآخر وقصديتها المرجعية البؤروية

: ( صعودا الى صبر أيوب / ورقة من دفاتر الحرب /

ثمة موت / وجه في مرآة / طائر ابراهيم الذبيح /

رماد هبل / مبدأ الطوفان ) ومن هذه القصائد المتواجدة في

قلب مجموعة الشاعر يتم وصولنا القرائي الى لحظة

الأكتمال المثالي في رؤية عبد الرزاق الربيعي لمشروع

نصوصه المتلاحمة بين حدوثية الاستثناء و أفق مخطوطة

مرجعيات الذات المراوية أيجابا على كفاءتها وحيوية

انجازها انموذجي المؤثرعلى رقعة خارطة القصيدة الابداعية الكبيرة .