18 ديسمبر، 2024 11:41 م

الدواعش الجدد… عبيد الزعامات

الدواعش الجدد… عبيد الزعامات

في منتصف القرن التاسع عشر سجلت الولايات المتحدة الامريكية العديد من الحركات للتخلص من العبودية وتحرير العبيد من مالكيهم، واحدة منها كانت تقودها الناشطة هاريت تابمان الملقبة بموسى تيمنًا بنبي الله موسى (ع) وقصته بتحرير بني اسرائيل من ظلم فرعون، والتي عرفت بانقاذ العديد من العبيد بطرق عجزت السلطات في حينها عن كشفها لتصبح بعد انتهاء عهد العبودية و”الرقيق” رمزا للتحرر وتحقيق المساواة، لتكون أول امرأة توضع صورتها على عملة الدولار، لكنها اختصرت جميع تلك السنوات وما حققته بمقولة كانت ترددها دائما، “لقد حررت ألف عبد، وكان بإمكاني تحرير ألف عبد آخرين لو أنهم عرفوا فقط أنهم عبيد”.

تلك الحكمة التي أطلقتها المرأة ذات البشرة السوداء التي تحولت من “عبدة” تباع وتشترى إلى قائدة غيرت مسار العديد من القوانين داخل نظام تشكل على قاعدة المالك والمملوك، تجعلنا أمام حقيقة نواجهها في بلادنا من خلال “اصرار” العديد من “خلق الله” على جعل أنفسهم عبيدا يتحكم بقرارتهم وتوجهاتهم اصحاب الرمزية الدينية او الاجتماعية، حتى وصلت في بعض القضايا إلى التقليد الأعمى ورفض جميع محاولات إقناعهم بان العبودية تسلبهم حقوقهم في اتخاذ القرارات التي تتناسب مع منطق العقل والفكر، وتجعلهم مقيدين بافكار صاحب السلطة الذي يحركهم بحسب مصالحه الشخصية واهدافه حتى يتحولوا إلى اداة للقمع او أسلحة يستخدمها سيدهم لمواجهة جميع من يعارضه بالأفكار او يسعى لخلق تيار يدعو للخروج من فكرة تعطيل العقول.

ولعل الفكر المتطرف احد ابرز إنجازات العبودية ورفض “العبد” المملوك الاقتناع بالتحرر، وأنه سيد نفسه باتخاذ القرارات بما يتناسب والابتعاد عن التسلط على رقاب الناس كاداة بيد زعيمه يستخدمها لتحقيق غاياته، كما فعلها تنظيم القاعدة وبعده تنظيم داعش الذي أوهم الكثيرين بان زعيمه “خليفة الله في أرضه” وان قراراته غير قابلة للنقاش لكونه اعلم بمصلحة الأمة من ابنائها، وعلى الجميع “السمع والطاعة” حتى اصبح التكفير ابسط عقوبة لمن يخالف افكار هذه التنظيمات التي كانت تبرر افعالها “بالحفاظ على القيم والأخلاق والثوابت الدينية” لمنع ما تصفه بالانحلال والفسوق لتضع نفسها بمثابة الوصي على “عباد الله” متجاهلة بان “الظلم” هو من يهدد المجتمعات ويعرضها للتفكك اكثر من السماح بممارسة الحريات العامة وخاصة في البلدان ذات النسيج المختلط.

لكن تلك التنظيمات كانت تستغل “العبيد” والدعوة لتطبيق العادات والتقاليد لتثبيت سلطتها ومحاربة معارضيها وليس للحفاظ على بنية المجتمع، وهي ذاتها تعيد نفسها لمواجهة الاحتجاجات الشعبية التي خرجت قبل اكثر من أربعة اشهر للمطالبة بالحقوق، لكن بصيغة عنوانها “دواعش الشيعة” الذين يرفضون جميع من يخالفهم بالرأي والفكر حتى وصل الأمر إلى “التكفير والقتل”، لإسكات الأصوات التي ترفض تطبيق منهج “العبيد” او تعلن انتقادها للسلوكيات التي تقيد الحريات، على طريقة (داعش والقاعدة)، وما حصل في ساحة التحرير خلال الايام الماضية من هجمات بالسكاكين استهدفت العديد من المحتجين “المعترضين” على توصيات زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر الذي يحاول من خلالها تنصيب نفسه “وليا للأمر”، دليل لا يقبل الشك باننا نعيش في مرحلة “دواعش الشيعة” او النسخة المعدلة التنظيمات المتطرفة.

الخلاصة.. ان جميع الجهات التي حاولت فرض شرعيتها وارادتها بالقوة خلال السنوات الماضية باستخدام “العبيد” الذين ينفذون الأوامر من دون الرجوع لسلطة العقل، انتهت بالفشل ولم تحصد سوى صفحات سوداء في سجل التاريخ الذي سيسجل ثبات المحتجين في ساحات التظاهر على الرغم من جميع محاولات تصوريهم بانهم داعون “للانحلال ونسف عادات وتقاليد المجتمع” لانهم رفضوا الخضوع لسياسة العبيد واختاروا طريق الحرية في البحث عن وطن أضاعه عبيد المال والسلطة.. أخيرا.. السؤال الذي لابد منه… متى يدرك الرافضون للتحرر بانهم عبيد؟