شعرت بالدهشة والانبهار والمتعة بصحبة الكاتب والرائي والحكّاء حامد فاضل وأنا أجوب الصحراء واطلع على أسرارها وأتطلع الى افقها اللامتناهي ورمالها المسفوحة كالمرايا .. فهي يمّ لا قرار له مكتنز بالحكايات والأسفار والمعارك وقصص الحب وقبلها نقاء القلوب وصفاء العقول .
انها مفاوز السماوة المفعمة بالأسرار التي اندثرت بأديمها وذهب مع سكانها الأولين والمخبئة في صدور المرتحلين الذين يجوبون البيداء بسهولها وقاراتها وظهراتها وأحجارها وعيونها الغائرة بين المجهول والتي يتلهف الى مائها الظامئون من الساكنين فيها .
الكتابة عن الصحراء يعني الهروب من الضجيج والركود، الى السكون والهدوء والبعاد عن المدن , وكل مافيها من تلوث أصاب الناس , تلك الملوثات التي سقمت القلوب والعقول بفايروسات المدينة التي صنعها الأفراد لتلتقي مع مصالحهم وتطلعاتهم الضيقة ليختفي جمال القيم وسمو الأخلاق وراء وجوه ملونة ترتدي في كل حين برقعاً يلتقي مع ما يبتغون .
الصحراء كتاب لا يقرأه من يجهل لغة الصحراء،ولا يدريه من لا يدري كيف تقلب أصابع الريح أوراق الرمل , لايبصره من لايبصر ما خطه يراع الله على جميع الصحراء , لا يعرفه من لا يعرف كنه ما سفحت دواة الدهر من كلمات على قرطاس الصحراء , ان للصحراء اطراسا من الرمل , المطر, السيل , العشب , الكمأ , الحصى, الحجارة , وكتاب الصحراء يكتظ باللامرئي من الكائنات.. هكذا يصفها كتاب ثقافة الأمكنة مرائي الصحراء المسفوحة للأديب الكبير وعاشق الصحراء حامد فاضل , الذي طالما تغزل بفضاءاتها ونقائها وراح يلهث وراء سرابها اللامتناهي عسى ان يمسك بحكاية جديدة من حكايات البدو التي يجهلها أبناء المدن واذا ما سمعوها، تجاهلوها لأنها بعيدة عن واقعهم وسمعهم ولاتلتقي مع تفكيرهم , فهي خليط من الخيال والواقع تتلفع بقسوة الطبيعة , صادقة نقية , تشبه عطايا الله بتلك الأرض التي لا تشبه بعضها من حيث التكوين مع تغير المواسم والأماكن .
ان مرائي الصحراء العشرة في ثقافة الامكنة هي آخر المستحمات في حمام زبيدة / دلو في بئر بصية / نقرة السلمان مرآة مقعرة / لويحظ وادي الخوف والطمع / الرحاب ماء العيون ونار القصور / الوركاء دويلة الملوك والمعابد والآلهة / أبقار بحيرة ساوة / العفايف مملكة الذئاب / الجذعاء عاصمة الضب / ساعة الله مواقيت الصحراء .
ان الأسلوب الرشيق والصور الجميلة والمعلومات الوافرة حيث تقلب صفحات التأريخ المجهولة وأنت تنقب مع حامد فاضل في الرمال والقصور والخيام يلزمك بمتابعة صفحات ثقافة الأمكنة فهو أكثر سعة ولايختلف في جمال صناعة الكلمات عن بصرياثا للقاص محمد خضير، بل ان مرائي الصحراء المسفوحة أكثر شمولية تدعك تتنقل من مكان الى آخر، ويترك مخيال القارئ يعيش مع الحكايات الكثيرة المفعمة بالمعاني والدلالات التي يسردها الحكاؤون مع لفائف التبغ والقهوة ونقاء النسيم في ليالي الصحراء .