من المعلوم أن الديمقراطية تمثل نظاماً وطريقة في الحكم وضعت للتخلص من الأنظمة السلطوية التي تحتكر الحكم بيد شخص واحد أو مجموعة محددة من الأشخاص يتولون الحكم إما بالوراثة أو بالإنقلابات العسكرية، فوضع النظام الديمقراطي حلاً لتلك الأشكال من الحكم التي غالباً ما تكون جائرة ومتفردة ومستبدة وفاسدة، إذ إن مفهوم الديمقراطية يعني حكم الشعب، إذ يعود مفهوم الديمقراطية إلى الأصل اللاتيني demos أي الشعب، و kratos أي حكم، وبالتالي سطع نجم الديمقراطية في البلدان الغربية وإنتشر بإعتباره نظاماً عالمياً للحكم، وتطور إلى أن أصبح مبدأ ينادي به كل من يعتلي منصة السياسية، ولكن مع شديد الأسف البعض منهم يلهج بإسم الديمقراطية بإسفاف في خطبه الرنانة، لكنه لا يدرك المعنى الحقيقي لها، ففي العراق مثلا نادى الطاغية صدام مراراً وتكراراً بالديمقراطية وبأنه سائر على مبدأ الديمقراطية والدليل على ذلك أن الشعب إنتخبه مئة في المئة وبشكل أدق 99,99%، ولكن هل طبق الديمقراطية .. !!! ، لم يطبق شعرة من الديمقراطية، لذا أصبحت مجرد عبارة فارغة يتداولها الساسة خاصة في البلدان العربية، وبعد سقوط النظام الصدامي عام 2003 تفاءلنا خيراً بالنظام الديمقراطي الجديد الذي سيسود البلاد، وأنه أصبح من الممكن أن يذهب المواطن إلى صناديق الإقتراع ويختار من يريد بدون أدنى خوف أو قلق، ومع إعترافي بأن الطريقة التي تسري بها الإنتخابات في البلد هي طريقة ديمقراطية حقيقية، بالرغم من وجود بعض عمليات التزوير التي لا تخلو منها دولة من الدول، إلا أنها – أي العملية السياسية في العراق – أفرزت نوعاً جديداً من أنواع الديمقراطية، حري بالباحثين والمنظرين في هذا المجال أن يفردوا لها باباً وحقلاً في مجال العلوم السياسية، وقد أطلقت عليه إسم (الدم .. قراطية) وذلك؛ لأن التيارات والكتل السياسية في العراق عندما تحاول الحصول على مكاسب وتحقيق مطالب معينة غالباً ما تكون شخصية تلجأ إلى إستخدام وسيلة الدم، وفي أغلب الأحيان يقع على الشعب الأعزل الإختيار ليكون هو الضحية الذي يراق دمه لا لذنب إرتكبه، ولكن من أجل تحقيق ونيل تلك المكاسب الشخصية، وعندما تريد تيارات سياسية معينة إزالة شخص من سدة الحكم، لا تلجأ إلى صناديق الإقتراع .. وإنما تلجأ إلى القيام بعدد من المجارز الدموية، من خلال السيارات المفخخة والإغتيالات(حسب الحاجة) سائرين على المبدأ الميكافيلي – الغاية تبرر الوسيلة – وعندما يريد شخص البقاء في السلطة ويشعر بخطر الإنزلاق من الكرسي والسقوط من أعلى الهرم إلى القاع، يلجأ
أيضاً إلى التهديد والوعيد بسفك الدماء البريئة حسب ما تقتضيه الضرورة في حال تم التحرش به وبمنصبه، لذا فإن الديمقراطية المعمول بها الآن هي ديمقراطية الدم، أو للإختصار الدمـ .. قراطية.
[email protected]