19 ديسمبر، 2024 12:07 ص

الدكتور الشهرستاني والعصر الذهبي في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي

الدكتور الشهرستاني والعصر الذهبي في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي

تعتبر وزارة التعليم العالي والبحث العلمي من الوزارات السيادية والمهمة في التشكيلة الوزارية الحكومية في البلاد، وذلك لإعتماد الحكومة على مخرجاتها العلمية في تخريج شريحة أكاديمية تعمل في إدارة شؤون البلاد في القطاع العام او الخاص، فهي تخرج لنا الطبيب والمهندس والمعلم والمدرس فهي هيكل وعمود البلد الإقتصادي والإجتماعي والعلمي والمالي، وقد يحتاج إليها كل بيت عراقي، وذلك لأهميتها في البلاد لمنحها الشهادات العلمية الأكاديمية التي يحصل عليها الطالب خلال فترة دراسة أربعة او خمسة او ستة سنوات لنيل شهادة البكالوريوس او الماستر او الدكتوراه او البروف، ليكون الطالب الحاصل على تلك الشهادة ممارسا عمليا في قطاعات الدولة.
لقد شهدت وزارة التعليم العالي بعد سقوط النظام 2003 تدنيا ملحوظا في الأداء والمهام فيما يخص ويتعلق في شؤون الطلبة والتعليم العالي في العراق فيما يخص الجامعات والكليات، وذلك بسبب تدهور الأوضاع الأمنية التي شهدها البلاد آنذاك، حيث تعاني الجامعات العراقية الحكومية في عموم البلاد من تدهور البنى التحتية والبعض منها أفتتحت وهي ليس بكامل المتطلبات التي تؤهل لجامعة، فضلا عن نقص الكوادر العلمية كجامعات ذي قار وميسان وواسط التي تستعين بكوادر جامعة البصرة او الكوفة.
ومنذ صدور قانون التعليم الأهلي في سنة 1996 الذي يسمح بفتح كليات أهلية خاصة بمتطلبات علمية وبنى تحتية كاملة وشروط وزارية مع إستقلال مالي، وتعادل الشهادة الممنوحة من الكليات الإهلية مع الشهادة التي تمنحها الجامعات الحكومية، ويحق لخريجي تلك الكليات العمل ضمن القطاع العام والخاص، ويجري عليهم ما يجري على خريج الجامعة الحكومية، وتلك خطوة إيجابية وجيدة لرفع الميزانية المالية للوزارة، وإستقطاب شريحة من الطلبة بدلا من ذهابهم إلى الخارج، مما يجعلهم يتكلفون مبالغ مالية كبيرة وشاقة عليهم فضلا عن غربتهم ببعدهم عن بلدهم، وقد لوحظ زيادة تلك الكليات الأهلية، وخاصة في الحقبة الزمنية للوزير علي الأديب، حيث بدءت تزداد كليات طب الأسنان والصيدلة، واللتان يضمنان لمخرجاتهم التعيين المركزي في القطاع العام الحكومي، حيث أصبحت تلك الكليات بغياب تام وملحوظ عن وزارة التخطيط ووزارة الصحة، الذي من المفترض أن يكون هناك دور لوزارتي التخطيط والصحة لجرد محصلة عدد الأطباء والصيادلة وحاجة البلد لهم مع تقدير الميزانية المالية لتلك الأعداد، وذلك لتفادي الأضرار على الميزانية المالية وعلى شهادة الطب والصيدلة التي بات مهددة بالخطر بتزايد تلك الكليات، التي أفتتحت لمآرب مالية ولغرض رئيسي وهو الإستثمار المالي، حيث كان من المفترض أن تعترف وزارة التعليم العالي بثلاث جامعات أهلية فقط، وهي تضم جميع الكليات والأقسام، وتكون موزعة على عموم مناطق البلاد، حيث يحكر اليوم طب الأسنان والصيدلة في الفرات الأوسط وبغداد خاصة، مما يصعب على طلبة الجنوب وخاصة الفتياة من المجيء والسكن في بغداد مع الوضع الأمني المتدهور فيها، حيث كان من المفترض أن تكون هناك جامعة الجنوب الأهلية والتي يجب أن تضم كليات طب الأسنان والصيدلة والهندسة والعلوم والتمريض والتحليلات المرضية والقانون والأدارة، ويقتصر التقديم على هذه الجامعة لأهل الجنوب فقط، مع تقسيم الكليات لكل مستثمر وجمع تلك الكليات تحت مسمى جامعة واحدة في الجنوب لتقتصر على أهل الجنوب فقط، وكذلك الحال مع الوسط والشمال والفرات الأوسط، أي تكون الجامعة لعدة مستثمرين لكل مستثمر كلية فيما بينهم، وتكون الجامعة خاضعة تماما لوزارة التعليم العالي مع تحديد الحد الأقصى للأجور الدراسية.
فإن بهذه الحالة سوف تفرض الوزارة سيطرتها وهيبتها وكلمتها بالقرارات والتوجيهات والضوابط على هذه الجامعات الثلاث، وذلك لقلة عددهن، وضمان توزيعهن بالتساوي على أجزاء البلاد كالجنوب والوسط والشمال لكل جزء جامعة تختص به للكليات العلمية والإنسانية، وإيضا للتخلص أو التقليل من التزاحم على بغداد والفرات الأوسط من قبل الطلبة الوافدين من الجنوب والشمال والوسط، وكذلك تعيين كوادر علمية للأشراف على تلك الجامعات من الجامعة الحكومية، أي مثلا الجامعة الجنوبية الأهلية تكون توأمة مع جامعة البصرة كأشراف وكادر، وبهذا يكون ضمان لتخرج شريحة أكاديمية يعتمد عليها في العمل المهني في القطاع العام والخاص للرفع من مستوى البلد، كذلك المحافظة على الرصانة العلمية للتعليم في البلاد، وكذلك رفع الحركة الأقتصادية في الجنوب والوسط والشمال فإن الجامعة في الصحراء تجعل من الصحراء خلية متحركة، كدبي التي أصبحت نيويورك الخليج من الإستثمار والبناء في الصحراء بسبب الحركة الإقتصادية.
كانت وزارة التعليم العالي ضعيفة القرارات والتوجيهات في زمن الوزيرين العجيلي والأديب، حيث كانت الموافقات عشوائية تمنح لمن شاء من دون دراسة علمية وتخطيط عمراني، وكانت العواطف تغلب كثيرا ولها دور كبير جدا في القرارات، كنقل الطلبة من الكلية الأهلية ذات القبول الخاص للجامعة الحكومية ذات القبول المركزي، وكذلك الموافقات للكليات الأهلية بفتح باب القبول قبل إستحصالها على الموافقات الأصولية وبأقسام علمية كالصيدلة وطب والأسنان، مما وضع الطلبة في مواقف محرجة قد ضرت بهم ولازالوا يعانون منها ليومنا هذا، وهذه هي عاقبة الموافقات العشوائية والعاطفية الممنوحة من قبل الوزيرين لتلك الكليات في السابق، مع محاربة وإقصاء الأكاديميين والمهنيين بحجج إفترائية تتعلق بالمساءلة والعدالة، مع إستقلال الكليات الأهلية تماما بتحديد الأجور الدراسية التي تتزايد سنة على سنة بإجتهادات من الكلية، مع عدم خضوع وألتزام تلك الكليات لقرارات الوزارة إلا في القرارات التي تصب في مصلحتها متجاهلة القرارات التي تعدها لا تصب في مصلحتها، في حينها لم نرى اي قرار او توجيه من الوزارة للكلية كالمعاقبة او المحاسبة لمخالفتها الضوابط والقرارات الوزارية، كسحب الإعتراف وتوزيع الطلبة على الكليات الأخرى وغلق الكلية، حيث زيادة تلك الكليات يجعل السيطرة تفلت من أيدي الوزارة على تلك الكليات، ولكل كلية قرار ورأي مستقل فيما يخصها، فضلا عن بعض الكليات التي لا تصلح أماكنها كبناية لكلية علمية تضم الصيدلة وطب الأسنان، ولكن الموافقات العشوائية تصنع الأعجب من ذلك،
وكذلك مجيء الوزير الحالي الدكتور عبدالرزاق العيسى الذي طرح قوانين علمية ومهنية ولكنها تبقى حبرا على ورق، فلم يعترف بتلك القوانين من قبل تلك الكليات الدكتاتورية المستبدة، حيث جاء بقرار كبير ومهم وهو عدم السماح للتدريسيين الحكوميين بالتدريس في الجامعات والكليات الأهلية، وفسح المجال لحملة الشهادات العليا بالإستفادة، ولكن هذا القرار قد ضرب به عرض الحائط والجدار ولم يطبق من قبل الكليات الأهلية، فلو كان للوزارة هيبة وجرأة وقوة لفرضت تلك القرارات طوعا أو إكراها على تلك الكليات الدكتاتورية والكلية المخالفة تغلق أو يغلق باب القبول فيها لحين تكتمل تخريج دفعاتها الموجودة فيها، وهذا التهديد أستخدمه القرآن قي جلد الزاني والزانية وأشترط أربعة شهود، وهل يرى أحدا الزاني والزانية وهم يزنون!! إنما لفرض شيء على شيء بالرعب والقوة.
ولكن تعتبر الحقبة والفترة الزمنية في مجيء الدكتور الشهرستاني وتسنمه لوزارة التعليم العالي هي العصر الذهبي لتلك الوزارة في تاريخها ولم ولن تتكرر هذه الفترو وفلتت من الأيدي كالفرصة، حيث كان الدكتور الشهرستاني صارم وشديد في قراراته وتوجيهاته، ولا يستطيع أحدا أن يؤثر عليه ويغير في قراراته، حيث فرض هيبة الوزارة على الكليات الأهلية المستبدة والدكتاتورية التي طالما ترفض قرارات وتوجيهات الوزارة، مما جعل تلك الكليات ترتعب وتخشى مجردا من توقيع الدكتور الشهرستاني، وقد ضرب الدكتور الشهرستاني مصالحهم ومآربهم الطمعية المالية بفرض القبول المركزي في الكليات الأهلية، وبطاقة إستيعابية محددة من قبل الوزارة مع تحديد المعدل لكل قسم وكلية، وبهذا قد ضمن للطالب التقديم على كلية معترف بها، وضمن القبول للطالب لوفق ما يؤهله له معدله، حيث كانت الكليات الأهلية قبل ذلك تقبل عددا كبيرا من الطلبة بدون تحديد طاقة إستيعابية، بمختلف المعدلات للأختصاصات العلمية من دون تحديد معدل أدنى للمعدل، وذلك لوضع الوزارة أمام الأمر الواقع للأعتراف بالطلبة الذين وصلوا مراحل متقدمة ومعدلاتهم تتراوح بين 50-55 % في الصيدلة وطب الأسنان،
ومن الإنجازات التي حققها الدكتور الشهرستاني في وزارة التعليم العالي هي فتح الدراسة الموازية في الجامعات الحكومية، التي تعتبر خطوة كبيرة ضرب بها مصالح الكليات الأهلية، وكذلك عاد على الوزارة بفائدة مالية في زيادة الميزانية المالية لها، وإستقطاب شريحة من الطلبة بدلا من ذهابهم إلى الخارج ونفق مبالغ شاقة عليهم.
ومن تلك القرارات المختلف عليها التي سنها الدكتور الشهرستاني هي ألغاء التحميل والعبور في المجموعة الطبية، حيث إن العبور يسمح بعبور الطالبة لمرحلة أعلى مع تحميل مادة او مادتين من المرحلة الأدنى، وفي حال رسوب الطالب بمواد التحميل يرقن قيده وأن نجح في المرحلة التي أعبر لها، وهذه من الكوارث الكبيرة في التعليم العالي، حيث إن هناك كثير من الطلبة عبروا لمرحلة أعلى وأهتموا بدروس المرحلة الأعلى وأهملوا دروس التحميل، مما رسبوا في دروس التحميل ورقنت قيودهم،
في حين لو إنهم أعادوا سنة دراسية بدروس التحميل بدلا من العبور لمرحلة أعلى، كان نجحوا بها خيرا لهم من العبور للمرحلة الأعلى وتترقن قيودهم نهائيا لرسوبهم بدروس التحميل، حيث إن رسوب الطالب في المرحلة يجعله بتركيز وإهتمام وإنشغال في الدروس التي رسب بها، بينما عبور الطالب يجعله بتركيز وإهتمام وإنشغال بدروس المرحلة التي هو فيها، ويكون متناسيا إن رسوبه بدروس التحميل يرقن قيده وأن نجح بالمرحلة التي عبر لها،
فهذه هي الحكمة التي جاء بها الدكتور الشهرستاني من وراء ألغاء قرار العبور والتحميل لتفادي ضرر ترقين القيد للطلبة، ولكن قد نقص هذه الحكمة هو إقرار قرار ينص على إن الطلبة الذي يرسبون بدرس ودرسين في الكليات الأهلية ويعيدون سنة بتلك الدروس يطالبون بدفع مليون لكل مادة فقط، وليس بقسطا كاملا.
حيث بلغت عدد الطلبات الواردة لوزارة للتعليم للعالي في خصوص هذا الموضوع 175 طلبا، فإن كثير من طلبة المجموعة الطبية وهم في المرحلة السادسة وقد نجحوا منها، ولكنهم رسبوا بدروس التحميل للمرحلة الخامسة ورقنت قيودهم نهائيا، فلو كانوا راسبين في المرحلة الخامسة لنجحوا للمرحلة السادسة من دون تحميل وعبور.
وكذلك من إنجازات العصر الذهبي للدكتور الشهرستاني في وزارة التعليم العالي إصداره وسنه قرارات وتوجيهات خاصة فوق الضوابط والقوانين للطلبة المجاهدين المنخرطين في صفوف الحشد الشعبي، ومنحه إياهم وللمصابين منهم ولذوي الإحتياحات الإنسانية والخاصة تخفيض من الأجور الدراسية في الجامعات والكليات والأهلية، التي تصل نسبة إلى 50% من القسط الدراسي للمجموعات الطبية التي يبلغ قسطها 8000 دولار شهريا، فضلا عن فرض موافقاته على تلك الكليات والأخذ بها من قبلهم بعين الإعتبار، على الخلاف ماكان في عهد الوزيرين السابقين الذين كانوا تتجاهل موافقتهم من قبل تلك الكليات..
فلم يتكرر هذا العصر الذهبي الذي كان متمثلا بالدكتور الشهرستاني، الذي فرط به الكثير من الطلبة، لعدم معرفتهم بالمسؤولية وفيما يصب في مصلحتهم، فإنهم يؤمنون بالطفرات والثغرات مهما كانت، المهم أن لا تخالف هواهم..
كتبت هذا المقال بسرد تفاصيله جميعا بأناملي في سياق وزارة التعليم العالي فقط وبما شاهدته عيني خاصة، ولم تخط أناملي في العموم حول الشخصيات المذكوره أعلا، وإنما فقط فيما يتعلق ويختص في وزارة التعليم العالي ودور الوزراء فيها لكلا منهم على التوالي لكل ولاية وزير.