تنحنح قليلا” مناضل ” قبل أن يدس يده في جيب سترته -البالة – ليخرج منديلا كان قد ورثه عن أبيه أعقبه بـ – طوووووط – لزوم الوجاهة داخل المقهى التراثي فكلما كان أوكتاف هذه – الطوط – أعلى وصولا الى مستوى التينور كلما دلت على علو منزلة صاحبها وحجم المعرفة التي يحملها في رأسه ومدى ثقته بنفسه وباﻷخص إذا كانت ساعة اليد – اوميغا موديل 1979 – يوم توقف بصاحبها الزمن بوجود عدد من الصحف الورقية تحت أبطه ، مسح نظارته بذات المنديل ، شد ربطة عنقه التي ﻻ تتناسب مع لون قميصه ثم جلس ليدلي بدلوه أمامنا متنقلا من معلومة الى أخرى ﻻ رابط بينها استدراكا على ما يتفوه به جلساء الطاولة المستطيلة ﻻ على التعيين ، فبينما كان يتحدث عن تسجيل 400 إصابة بـ” حبة بغداد ” في مجمع سكني في ديالى ، إنتقل فجأة الى كتاب ” نار وغضب” لمؤلفه مايكل وولف، متناولا عاصفة الجدل التي يثيرها الكتاب حاليا والتي لن تهدأ طويلا بشأن سلامة القوى العقلية للرئيس الاميركي دونالد ترامب ، والتشكيك بدقة المعلومات التي يتناولها المؤلف بين صفحات كتابه الذي نفدت طبعته الاولى من اﻷسواق خلال 20 دقيقة ، لينتقل بعد هزة أرضية مفاجئة بقوة 5.5 على مقياس ريختر ضربت بغداد وعددا من المحافظات ، أثارت الهلع بين رواد المقهى للحديث عن الزلازل وأسباب زحف مركزها الى العراق على غير العادة ، ليقفز الى الثناء على إقحام بعض الإعلاميين انفسهم في العملية السياسية التي ينتقدونها وشخوصها صباح مساء ، أبرزهم اﻷحمدان ” البشير – الملا طلال ” وﻻ أستبعد غيرهم أيضا ، لينتهي الكشف عن نيته الترشح لذات اﻷحزاب وهو يمسح العرق المتصبب من صلعته خجلا منا بينما كنا نرمقه بنظرات حارقة خارقة من جراء التناقض بين اﻷقوال واﻷفعال .
قلت ، أخ مناضل ستوووب لطفا ، مؤكد أن لا عيب في دخولك الى العملية السياسية وخوض غمارها لطالما كنت تجد في نفسك القدرة على إصلاح ما افسده المفسدون على ان ﻻ تكون كمن قال فيهم الشاعر :
لا تنه عن خلقٍ وتأتي مثله … عارٌ عليك إذا فعلت عظيم
لقد مر العراق وطيلة الـ 14 عاما الماضية بتجربة قاسية جدا يقال عنها ديمقراطية وهي حتى اللحظة لم تنضج بعد ، و حتى تلكم الديمقراطية الناضجة – حكم الشعب لنفسه – قال عنها ونستون تشرشل ” الديمقراطية أيضا نظام سيء إلا انها أقل الانظمة سوءا ” وقال فيها الفيلسوف البريطاني براتراند راسل ” الديمقراطية هي عملية تمكن الناس من اختيار الرجل الذي ينال اللوم” واضيف “و الثروة والجاه والمنصب أيضا “فما بالك بتجربتنا الفسيفسائية ؟!
الذي أراه – من فدوه أروح لقميصك اﻷحمر ورباطك اﻷخضر – أن العراق يعيش اليوم تجربة أقل مايقال عنها أنها ( دكتا مقراطية ) غير مسبوقة سياسيا ، من أعراضها المرضية الفتاكة أنك تسرق المال العام- ديمقراطيا – ثم تخفي ملف التحقيق – دكتاتوريا- لترشح نفسك – قرنابيطيا – ولتبارك – تيو قراطيا – ولتطرح أفكارا “برغم أنها بطيخية إلا أنها دوغمائية” لا شكية وﻻ دحضية وغير قابلة للنقاش بزعمك ومن حولك ، برغم ملفات الفساد المتراكمة التي تطاردكم لدورة انتخابية جديدة وانت تترأس حزبا تم الاعلان عنه مؤخرا وكتلة وربما تحالفا لم تحل كل الوثائق والاستضافات والاستجوابات والاستدعاءات والشبهات بينك وبينها ، بل ولتتحدث عن النزاهة والشفافية وعن محاربة الطائفية !!
قبل أيام أعلنت المفوضية العليا للانتخابات تسجيلها 204 أحزاب لغاية الـ 26 من كانون اﻷول الماضي ،أولها حركة ارادة ،حزب الغد العراقي ، كتلة دعم الدولة ، حزب الفضيلة ، وآخرها حزب اليقظة ، تيار عراق التغيير الوطني ،جبهة الصالحون ،حزب المهنيين للاعمار ، تجمع صفاء العراق ، فضلا على تسجيلها 19 تحالفا واصفة إياها – أي التحالفات – بأنها دون المستوى المطلوب قياسا بالانتخابات السابقة !
الكارثة أن كل اﻷحزاب سواء تلك المشكلة حديثا أو – المخللة كالطرشي -منذ الغزو الاميركي عام 2003 تتباين بين اليمين واليسار ، بين العلمانية والدينية ، بين الراديكالية والليبرالية ، ولن اتطرق الى مصطلح ( مدني ) الذي تحمله العديد من الاحزاب حاليا كونها مناورة للفترة الانتخابية المقبلة ليس إلا ، والاشكالية هنا أن الاختلافات بين الـ 204 أحزاب والتحالفات في الوسائل والغايات والدعم اللوجستي الداخلي والخارجي أكبر من العد والحصر وبالتالي فلابد من توجيه النقد لكل منها على إنفراد لمنع تمازج الالوان وتداخل الخنادق وهذا ما يتوجب على الكتاب والصحفيين سبر أغواره وفك طلاسمه بأقصى سرعة ممكنة قبل إعادة انتاج التجربة المهينة الماضية فضلا عن إجترار شخصوها وتدويرهم – بنزركيا- ولعل أقرب ما يصلح لوصف العملية ” الدكتا مقراطية ” الحالية قولهم :
لها جسم برغوث و ساقا بعوضة ووجه كوجه القرد بل هو أقبح
إذا عاين الشيطان صورة وجهها تعوذ منها حين يمسي و يصبح
اودعناكم اغاتي