النظم الدكتاتورية داء خطير اصاب اغلب الامم, وتحت هذا النظم كان يولد نشاط ابداعي روائي, وهدفه الكلام بلسان الناس عن الهم والحلم, لكن النظم الدكتاتورية اكثر ما تخافه هو الكلام, لذلك كانت دموية ضد الادباء والكتاب, مع هذا فقد ولد كم كبير من النتاج الابداعي الروائي, والذي ظهر وهو يهتم بعالم الدكتاتورية, هذه الظاهرة التي لازمت الحياة الانسانية عل مر العصور.
ويمكن القول ان اول من كتب عن نظم الحكم الدكتاتوري هو الكاتب الارجنتيني (دومنغو. ف سارمنتو) خلال فترة حكم (خوان منوال دوروزاس), فكان كتابه فكاندو والذي طبع عام 1845 ويشير اهل التخصص له من انه: “كتاب يجمع ما بين المقالة التحليلية والرواية والسرد”, ومن خلال كتابه يطرح الكاتب مشكلة جيله انذاك, وهو التعارض الكبير بين نظام الحكم الدكتاتوري, والذي يظهر على شكل (الزعيم السياسي, الطاغية, المستبد, الغاضب), الذي يقمع الحريات ويحارب الصوت الاخر, ويصفها بالبربرية في ابشع اشكالها, وبين افكار الحضارة القادمة من الغرب.
فمن خلال السرد الروائي تتم ادانه الدكتاتور دوروزاس ومنهجه القمعي الظالم, المنهج الذي تسبب في تشويه الحياة, كما هو حالنا في زمن صدام.
· مرحلة النضوج الروائي
الكتابة لا تموت, لكنها تتكيف مع القيود والوضع السائد, لتعبر عن صوت الناس بالقدر الممكن, لقد نضجت الكتابة عن الدكتاتوريات لتقدم شهادات مباشرة بصوت الناس, ووثائق لم تقدم, او اعترافات باسماء مستعارة عن جرائم ارتكبها الدكتاتور, فعمل الكتاب الروائيون على التوصيف الدقيق لفئة الدكتاتور, حيث برز في الصنعة الروائية بصفة التافه منعدم القيم الانسانية, فيتم رسم صورة الدكتاتور البشع بكل ما يحمل من اجرائم بشاربه العفن, ونياشين الخزي التي يحملها على صدره, ويصور الروائي القسوة الدموية التي يمارسها الدكتاتور, والهوس الاجرامي.
وكيف ينشر الخوف في الشوارع بل في البيوت وداخل الغرف, وكيف يطور طرق التعذيب, وكيف شكل الحياة مع الخوف والقلق من كل شيء, هذه الصور حاضرة في الرسم الروائي للدكتاتور او الحاكم المستبد المتعطش للدماء, وتحيطه حاشية من المقربين والرعاع, كل هذا المناخ يجسده الروائي عبر رسالة فاضحة للظلم وتكون رسالة خالدة للاجيال.
· الرواية في عهد دموية البعث
من الصدفة السيئة ان تكون البداية الحقيقية لعالم الرواية مع صعود عفاليق البعث للحكم, فاغلب المختصين يجعلوا تاريخ الولادة الحقيقي للرواية العراقية في منتصف الستينات على يد غالب طعمة فرمان, فهل هناك سوء حظ اكبر من ان تولد الرواية مع صعود رجالات حزب البعث لمواقع السلطة, لتتحول البلاد لسجن كبير, وكان مصدر الخوف الاكبر للبعثيون هو الكلام الحر.
فقرروا تشريع قانون رقم 206! وهو القانون الذي كان من المستحيل على المرء أنْ يكتب أيّ شيء يتعارض مع الآيديولوجية الحاكمة أو من يمثلها, وحرّموا ايضا أي نقد ضد الرئيس، واعضاء ما يسمى مجلس قيادة الثورة، أو أي هيأة رسمية تابعة لهما, وحرّموا أيضا أي نقد للثورة وآيديولوجياتها والنظام الجمهوري ومؤسساته كافة, أن ذلك القانون أطلق العنان للشرطة لكبح أي شيء من هذا القبيل.
· روايات المنفى والدكتاتورية
بسبب ظروف حروب الثمانينات والتسعينات والحصار الدولي, فكان الهرب من العراق حلا سحريا للكثيرون, ومن الطبيعي أن تتخذ رواية المنفى إتجاها متباينا، ذلك أن سارديها في المجتمعات الحرة، بعيد عن الاجهزة القميعة للدولة, بل حتى ضغط المجتمع وقيوده, فتحرروا من الدولة القميعة والمجتمع, ووجدوا الظروف المناسبة لإحباط التابوات داخل العراق. والشقة بين الإثنين، ما زالت تتسع حتى وقتنا هذا.
ان اهم الأعمال السردية في هذه الحقبة تتمثل بالاتي:
اولا: رواية القلعة الخامسة لفاضل العزاوي 1972.
ثانيا: رواية الوشم لعبد الرحمن مجيد الربيعي 1972.
ثالثا: رواية المخاض لغائب طعمة فرمان 1974.
رابعا: رواية الضحية لغائب طعمة فرمان 1975.
خامسا: رواية الرجع البعيد لفؤاد التكرلي 1980.
· نتاج روائي في ظل الدكتاتورية
في ظل نظام الحكم الدكتاتوري, وطبيعة “صدام” الدموية والتي لا تسمع للاخر, واسهل شيء عندها الاعدام, فتصور شكل ما تم طبعه من روايات, كان يجب ان تتلائم مع الوضع العام والا لن ترى النور, فقد تميزت بنصوص التجأت إلى الرمز والاسطورة, وتاريخ العراق القديم, هربا من الافصاح, للخلاص من اي ملاحقة امنية.
في بنية روائية اضافت اشكالا فنية جديدة الى السرد العربي, لكنها تحاشت الخوض في محنة العراقي في زمنها، فالقمع المباشر والسريع سيكون حاضر لكل من يتجاوز الخطوط الحمر, فكانت نصوص بررت ثقافة الحرب في بنية روائية مجدت قيم القتل والعنف، لكنها تحاشت جوهر المعاناة، فالتبس السرد ووقعت الشخصيات في لجة الغموض؛ نصوص تحاشت بشكل عام الاقتراب من المحرمات الثلاثة.. وهي: السياسة, والجنس, والدين.