كلما اشاهد رئيس الوزراء البريطاني وهو يتصبب عرقا داخل البرلمان بدون ستره ، متوترا يحاول اقناع نواب الشعب بتمرير قانون او تقنين مصاريف او استحصال موافقة تدخل عسكري ، اوتبرير حيازة مال شخصي لم يكشف عنه ، وكيف يقلّبه النواب من حزبه ومن المعارضة على صفيح ساخن من البهذلة . أتخيل رغبة دفينة تتملك هذا الرجل بان يكون في تلك اللحظة ديكتاتورا لايجرؤ أحدٌ على الاعتراض عليه ، ديكتاتورا سعيدا بتصفيق الجميع لمايراه وينطق به ويقرره حتى لوكان مايقوله يتعلق بروث الخرفان وأثره في الحفاظ على كرامة الامّة !.
ليس هنالك شخص لايتمنى ان يكون ديكتاتورا .فالديكتاتورية سحر وحرية وسلطة مطلقة لامتعة بعدها ،من اجمل مكاسبها ان ماتراه يراه الشعب وماتقوله يقوله الوطن ، تخطط وتنفذ وتأمر وتَنهي ،بيدِك المُلْك تقرّب من تشاء وتبعدُ من تشاء ، تحارِب وتُهزَم دون عقاب ، وتُنفق وتَسرق دون حساب ،فما من سياسي حتى في اعرق الديمقراطيات الغربية يعجبه ان يعترض عليه احد ويوقف مشاريعه ويدحض حججه ويحاسبه على أخطائه ويحوّلها من اخطاء الى جنايات ثم سمعة تسقطه وتنهي تاريخه السياسي وحضوره الاجتماعي، بل حتى الذين ذكر التاريخ انهم استقالوا او تنازلوا فانما هم في حقيقتهم هزموا واستسلموا للقانون والديمقراطية وقيم المجتمع وسلطات الدولة الاخرى ولم يكونوا ملائكة ، ينتحرون لانهم اخطاوا.
فالديكتاتورية، هذا النظام الهمجي الموروث من سلطة الوحوش والغابات بتواطؤ مع المشعوذين الذين اشاعوا بان الملوك ابناء الله يحكمون باسمه ومعصيتهم معصية له .جعلت من بشر عاديين لاامتياز لهم لا في تجنب الموت ولا في الصبر على جوع ولا في عدم تخليف الفضلات او المناعة من المرض وتقدم السن جعلت منهم آلهة، وصوّر لهم المنافقون أنهم خالدون وان سلطة الله بايديهم ،وهو ماعُرِف في اوربا العصور الوسطى بمفهوم او نظرية (حق الملوك الإلهى) التي تنص على أن الرب يمنح سلطته للحاكم وان عصيانه ذنب بحق الله ، وليس لأي قوة أرضية أن تنازعه في حقه الإلهي، كما لايحق للمحكومين محاكمة الملك ومقاضاته فهذا من شؤون الله . ليظل الانسان العادي مندهشا من عظمة وفخامة اولئك السفاحين الخراتيت الذين خضعت لفؤوسهم وسياطهم الآفاق وجُزّت على اقدامهم الرقاب ، حتى ثار عليهم المجانين وغيروا التاريخ وكنسوا زبالة النصوص والخرافات التي ألّهت البشر واسبغت عليهم منزلة القداسة ونزّهتهم عن الاخطاء ، من خلال مراحل التنوير وقوة العقل والمنطق والقانون ونظريات الادارة والحكم والحقوق المدنية عبر ثورات خالدة شهدها النصف الثاني من القرن السابع عشر في بريطانيا وفرنسا واميريكا، انهت تماما سلطة الحاكم الاوحد بامر الله.
إرث الشعوب الحرة هذا هو الذي انتج القيود والضوابط والقوانين التي جعلت من الحاكم موظفا كبيرا محاطا بالاختبارات والتحقق المستمر من مهارته وسيرته ومراقبةهفواته .
الديمقراطية وحكم الشعوب لأنفسها وادارة شؤونها، حصادُ دماء الناس وثورات الاحرار بوجه الطغاة، وليس هبة من الحكام وتواضعا منهم ، بعد ان قضت اوربا على المشعوذين الذين سرقوا الثروات باسم الدين وحررت الناس من استعبادهم .واصبح الدين لله والوطن للجميع، ، وجعلت من احفاد الملوك والكهنة ، تحفا فنية للتصوير، ومتاحفَ للذاكرة ، وفعالياتهم العائلية اعلانات لتنشيط السياحة في البلاد .