قبل عصر الإنقلابات الدامية الذي بدأ في أواخر العقد السادس من القرن العشرين , كانت دولة العراق تعيش في نظام ديمقراطي برلماني محكوم بدستور دائم ومعاصر وقوانين واضحة , ونظام حكم متصل به ومعبر عن إرادته.
وبعد فاجعة القضاء على الدستورالدائم , دخلت البلاد في متوالية هندسية إستبدادية طغيانية , ترفع رايات الدكتاتورية والفردية المدمرة للذات الإجتماعية والهوية , بعد أن ميّعت قيمة المواطنة ومعنى الوطن والوطنية.
وقد بدأت نواعير الويلات المأساوية بالدكتاتورية العسكرية , التي إنتهت في الشهر السابع من أواخر العقد السابع من القرن العشرين.
وتلك الدكتاتورية العسكرية وضعت الحجر الأساس لمسيرات الحكم بالدم , فتداعى المجتمع في منحدرات التباغض والتقاتل والإنتقام , وفقا لمسميات وتحزبات وفئويات وآليات فتاكة يتم الإعداد لها بإتقان.
وبعدها إنطلقت الدكتاتورية الحزبية , ونظام الحزب الواحد , التي بلغت ذروتها وإنتهت إلى ما آلت إليه في الشهر الرابع من السنة الثالثة للقرن الحادي والعشرين.
وبدأت مرحلة الدكتاتورية المؤدينة , التي فاقت بسلوكها جميع الدكتاتوريات , فقتلت ودمرت وخربت ما لم تستطع فعله سابقاتها.
فهي التي وظفت الفساد والطائفية والمذهبية والمناطقية ورفعت رايات التحاصص , وحولت المجتمع إلى كينونات متناحرة وأطياف متنافرة , وتبعيات مختلفة وتفاخر بالخيانات والولاءات للقوى الأجنبية , ونكران واضح للوطن والوطنية وحقوق المواطنة.
ومنذ ذلك الوقت وحتى اليوم تتقنع هذه الدكتاتورية بالديمقراطية , وما هي إلا وسيلة نفاقية للسلب والنهب والفتك بالبلاد والعباد , والإجهاز على الدين بإسم الدين .
وفي هذا تتوطن الويلات الجسام , والتداعيات الرهيبة العظام.
وما يبدو للمتأمل الحصيف أن جميع تلك المراحل متشابهة وإن تنوعت مسمياتها , لكن آليات حكمها واحدة ما تغيرت.
فلا جديد في نظام الحكم لأنه لا يمت إلى مصالح الوطن والمواطنين بصلة , وإنما هو لتحقيق مصالح الآخرين مما يؤكد أن البلاد محكومة بهم منذ أول إنقلاب وحتى اليوم.
فهل من نظام حكم رشيد يرأف بالبلاد والعباد ويرسم معالم طريق سعيد؟!!