23 ديسمبر، 2024 8:58 ص

أثارت زيارة وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو إلى كركوك وبدون علم الحكومة العراقية مواقف كثيرة ومتباينة حتى خيل لنا إننا أمام أزمة سياسية جديدة وما أكثر الأزمات الواقعية والمفتعلة التي تعصف بالمشهد السياسي العراقي.
الكتل السياسية أدلت بدلوها من بئر الزيارة واغترفت ما تراه يروي ظمأ عطشها السياسي والذي أمتزج بحرارة آب وحرارة المشهد وحرارة المواقف المؤيدة والرافضة لهذه الزيارة, لكن اللافت للنظر موقف كتلة الأحرار والمتمثل ببيان الأمانة العامة للكتلة, والذي جاء على لسان أمينها العام الدكتور ضياء الاسدي, حيث يلاحظ وضوح الخطاب من خلال تشخيص الخطأ الذي أكتنف هذه الزيارة بالقول (إن زيارة السيد أوغلو الأخيرة إلى محافظة كركوك كانت ستكون محل ترحيب و تقدير  لو أنها اتبعت الأعراف  والتقاليد الدبلوماسية التي تليق برجل دولة مثله) هذه عبارة بليغة جداً وفيها دلالات سياسية عديدة وهي بنفس الوقت رفضاً لهذه الزيارة يتسم بالأدب الجم والكياسة العالية والحصافة السياسية التي تليق بتيار واسع وعريض كالتيار الصدري وليس فيها مجاملة أو محاباة, وركز البيان أيضاً على إن التيار الصدري برغم ملاحظاته الكثيرة على الوضع الحكومي لكنه يرفض الاستخفاف بالنظام السياسي العراقي وهذا موقف وطني كبير يضاف إلى مواقف التيار الصدري الوطنية العديدة ويكشف التوجه الوطني الحقيقي والمشروع السياسي الواضح المعالم لهذا التيار لأنه يؤمن إن الحكومة العراقية ليست حكومة حزب أو طائفة أو قومية, بل الحكومة هي ممثلة لإرادة الشعب وان مواقف التيار لا ترتبط بطبيعة الشخص الحاكم بل بالنهج الذي يسير عليه الحاكم في عملية ادراة الدولة وبهذه الرؤية يعطي التيار الصدري انطباع مثالي في تعامله مع الفرقاء وكيفية التعاطي مع الأزمات السياسية.
 بيان الأمانة العامة لكتلة الأحرار بيان ينم عن رؤية سياسية ثاقبة وتوازن في الخطاب ويشخص الخلل بطريقة بعيدة عن التشنج مما يعكس صورة حضارية عن النهج السياسي للتيار الصدري ويعطي رسالة واضحة مفادها إن خلاف التيار الصدري مع الحكومة ليس خلافاً شخصياً بل خلافاً مهنياً في كيفية إدارة الملفات وهذا لا يعني الصمت عن أي اعتداء يتعرض له العراق ويمس سيادته وكرامة شعبه, ولم يغفل البيان ماتمر به المنطقة من أحداث قد تلقي بظلالها على البلدين وأن أي تصعيد سياسي بينهما سيزيد من سخونة الأحداث لكن التنسيق وتقارب وجهات النظر سيجعل من العراق وتركيا اداة تهدئة وعوامل مساعدة في امتصاص وتقليل حدة الصراع والعنف في المنطقة, حتى وان اختلفت وجهات نظر الطرفين تجاه الأحداث التي تجري في سوريا وغيرها من بلدان المنطقة إلا إن المنطق والواقع السياسي يحتم عليهما أيجاد مشتركات تجعل منهما أكثر قدرةً على نزع فتيل الأزمة وإيجاد حلول سلمية تكفل عدم سقوط ضحايا أبرياء من الشعب السوري, واعتقد إن الكثيرين كانوا يتوقعون إن يكون موقف التيار موقف المتفرج باعتبار ان هناك مشاكل بين الحزب الحاكم والتيار الصدري لكن هؤلاء يجهلون المعدن الحقيقي لهذا التيار الذي دائماً ما يتجاوز المواقف الشخصية عندما يتعلق الأمر بسيادة العراق لأنه ينطلق من منطلقات وثوابت شرعية ووطنية غير قابلة للمساومة والرضوخ وهو التيار الذي قدم التضحيات الكبيرة من أجل سيادة واستقلال العراق وخروج آخر جندي أمريكي من ارض العراق ارض القباب والشهداء والبطولة والتأريخ.