المقاتل في معارك الشرف إنسان من طراز خاص. والحروب مهما أشتدت وطال أمدها، لا يمكن أن تدار بحنكة وشجاعة إلا بالنخبة، من تبرز فيهم الفروسية جلية، وبأبهى صورها. إن شخصية المقاتل لا يمكن أن توزن إلا بميزانها، إذ لا توازى بغيرها، لتوضع في مكانها المناسب الصحيح وتعامل بما تستحق من التقييم والاعتبار، فالشخصية المحاربة أو المقاتلة ميدانياً لها ما يميزها. ويمكن القول وبالتأكيد أن ليس كل من حمل السلاح مقاتل، وليس كل مقاتل قادر على المواجهة الشجاعة، وليس كل من له قدرة على المواجهة، قادر على الصمود والتحدي، كما ليس الكل يمكنهم الصمود حتى النهاية. إن اختيار الشخصية العسكرية المحاربة المؤهلة ميدانياً يعتمد على توافر عناصر تتمثل بمجموعة خصال أو صفات وخصائص تمثل مؤشرات نموذجية، ومن أهمها وقبل كل شيء الإيمان، أي الإيمان بالله، بقضية، أو عقيدة، أو معتقد… فالإيمان مكون أساسي في شخصية أي إنسان بغض النظر عما يؤمن به، يوجه سلوكه في خط ومنهج معين، ويشكل له درعاً حصيناً لا يمكن اختراقه، ويتمثل في منظومة قيمية توجهه ليدافع ويذود عن وطنه ومقدساته، وعن كل ما يؤمن ويعتقد بأقصى إمكاناته، ويضحي لأجله بحياته بلا خوف أو تردد، ويضمن بلا شك أخلاصه وولاءه لما يقاتل لأجله. كلما ترسخ إيمان المقاتل بما يقاتل لأجله، كان أشد بأساً، وأكثر صبراً، وأقوى شكيمة. والمقاتل الذي يحمل الروح الإنسانية كجانب وجداني مهم، متمثلة في “الضمير الحي” القوة الداخلية التي تمكنه من التمييز بين الخير والشر، بين الصواب والخطأ، بين ما يستحق، وما لا يستحق.. تلك القوة تجعله الأقسى في سوح المعارك والحروب، لأنه واعٍ بأهمية حربه، مغرم بما يقاتل لأجله، إنه الإنسان الأكثر “رومانسية”
هناك عدد من المعايير التي تؤخذ بنظر الاعتبار عند انتقاء الأفراد المؤهلين كمحاربين ميدانياً، فلربما ممن ينخرطون في المؤسسة العسكرية ليست لديهم خبرة سابقة فيما يتعلق بالحياة العسكرية، واجباتها، وضوابطها، ومتطلباتها بالرغم من حبهم لها. إن كثير من هذه المعايير ليست جديدة، بل تم اعتمادها بمستويات معينة، وبأساليب محددة منذ عصور ما قبل التاريخ من قبل دول وحضارات قديمة اتصفت بقوتها، وقدرتها على ضبط وتحصين حدودها والسيطرة على ما حولها، ومثال تلك الدول المتتابعة لبلاد ما بين النهرين، والساسانية، والبيزنطية، وغيرها.. وكانت اسبارطة من أكثر الدول التي اهتمت بموضوع الإنتقاء للمحارب القوي منذ نعومة اظفاره باختباره وليدا، إذ اعتمدت الفحص أو الاختبار الابتدائي للبنية الجسدية للوليد، وقدرته على تحمل الألم.. ليصنف ضمن فئة الأقوياء الذين يتم إعدادهم ليكونوا الجيش القوي للبلاد، وشمل ذلك كلا الجنسين، مما جعلها دولة تتصف بالقوة والشراسة إبان عصرها. أما فيما يتعلق بالحضارة الإسلامية فقد جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة كما عن مصادرها الحقة بيان لأهمية بناء الجيوش على أسس سليمة، وضرورة أن يكون جنودها محصنين بالإيمان بالله أولا، وأهمية الدفاع عن الأوطان بغض النظر عن اختلاف الأجناس وتعدد الأديان فيها، وعن الأرض والعرض والمال، وإمداد الجيوش بما تتطلبه من العدد والعدة، لتشكل قوة ترهب الأعداء، فتأمن البلاد، ويسلم العباد من أطماعهم وشرهم.
واليوم بعد التطور العلمي والتقني الذي شهده العالم منذ أواخر القرن الثامن عشر، الى يومنا هذا، وتحديداً فإلى جانب التطور التقني في مجال التسليح، كان للتطور الخطير في العلوم النفسية، والاجتماعية والتي رفدت المهتمين بعد دراسات عديدة شاملة، وباعتماد وسائل وأساليب قياس جديدة ساعدت إلى حدٍ كبير في تحديد وتشخيص مستويات للصفات والخصائص الشخصية المهمة المناسبة لكل تخصص ومهنة، ولوضع كل في مكانه الصحيح تجنباً للوقوع في الأخطاء العديدة التي كانت سبباً في تأخر البشرية في جميع الأصعدة ولفترات طويلة من تاريخها. لقد أدى ابتكار مقاييس الشخصية، والاختبارات العقلية في تحديد مستويات الذكاء، والقدرات العقلية المختلفة، والمهارات العقلية والبدنية، والكشف عن وجود أنواع من الأمراض النفسية والعقلية وتشخيصها، والتوصل لطرق وأساليب مختلفة لعلاجها. لقد تمكن علماء النفس المتخصصين من التوصل إلى معرفة وفهم للكثير من أسباب السلوك، وتفسيره، وإمكانية التنبؤ والتحكم به، ومن بعد تم توظيف كل ذلك في الاختيار السليم للمهن، والقيام بالأدوار المختلفة المناسبة للأفراد كل بحسب إمكاناته وقدراته العقلية، ومستوى سلامته النفسية والبدنية.. عملاً بمبدأ (وضع الشخص المناسب في المكان المناسب) فما يمكن لفرد القيام به، قد لا يمكن لآخر. ولأهمية هذه المبدأ وواقعيته في تحقيق الأهداف، تم اعتماده في البلدان المتطورة والمتقدمة علميا في شتى الميادين والمجالات. ومن بين أهم تلك التطبيقات تحديداً كان في انتقاء الأفراد الأصلح والأقوى، وتحديد أهليتهم وملاءمتهم للصنوف والمراتب والقيادات العسكرية، وقدراتهم على الصبر، والتحدي، والصمود… وتجدر الإشارة إلى أن هذا الاهتمام قد تركز أكثر بعد أن خاض العالم حروباً قاسية، وأبرزها الحربين العالميتين الأولى والثانية، فقد لوحظت وسجلت العديد من حالات الإضطراب النفسي التي شملت الخوف، والتردد أثناء المعارك التي لم تلاحظ أثناء التدريب، كذلك الإضطرابات الناجمة عن التعرض للصدمات النفسية خلال المعارك، وحتى لما بعدها بسبب مشاهد القتل، والترويع، والمعاناة من فقد الأصحاب من رفاق السلاح، والإنسحاب، والخيانة، والهزيمة… كذلك بسبب التعرض لأنواع من الأسلحة المحرمة، والتأثر بالإشاعات والأخبار الكاذبة التي كان الخصم يتعمد بثها لزعزعة إيمانهم، والروح المعنوية القتالية عندهم.. وغيرها.. وقد تبين أن التدريبات التي تلقاها بعض الجنود، وحتى من القادة العسكريين لم تصنع منهم محاربين أكفاء خلال المعارك، وكانت من المفارقات، أن من بين من أظهروا شجاعة واستبسال أثناء التدريب، كانوا قد جبنوا وتراجعوا واقعاً في أثناء المعارك الميدانية، ومنهم من أصيبوا بالصدمات، وعانوا اضطرابات نفسية، وحالات الاكتئاب.. وعلى اثر ذلك كثرت المصحات العقلية، ومراكز العلاج والإرشاد النفسي لمعالجة تلك الحالات. لقد كان التجنيد الإجباري في تلك الحقبة والذي يتزامن مع نشوب الحروب غير كاف لإعداد الجنود إعداداً يؤهلهم للقتال، ولم يجعل منهم مقاتلين بمعنى الكلمة، وأن كثير من الشخصيات التي تم تقليدها قيادة الجيوش، كان بالإستناد إلى أسمائهم الرنانة كونهم ينتمون لطبقة معينة من المجتمع كانت قد احتكرت المناصب والمراكز القيادية، العسكرية بشكل خاص لفترات طويلة من الزمان. لذا، انتهى الأمر بضرورة الأخذ بما نصح به علماء النفس وأكدوا عليه لانتقاء الأفراد ممن تتوافر فيهم المؤهلات الفعلية، تفادياً للوقوع بنفس الأخطاء السابقة التي كانت سبباً مهماً في انكسار الجيوش، وانتهائها بالهزيمة.
ونرى بدورنا أن من المهم الإستفادة مما تحقق من تطور في هذا المجال، والعمل الجاد على تأهيل وتطوير قواتنا المسلحة بجميع مسمياتها، والتي تكمن في مقاتلينا وهم من تصدوا لأعتى، وأشرس، وأشر عدو شهدته البشرية عبر تاريخها بقوة إيمانهم، وصلابة عقيدتهم، وثباتهم، مما جعلهم النموذج الأمثل للجيش النظامي بامتياز وجدارة. إن الحرب ضد قوى الشر والضلال ما زالت دائرة، والعدو ما زال متربصاً، لا سيما أنه عدو خبيث متلون، وقد يأتي بأشكال وذرائع مختلفة تستلزم التصدي له في كل وقت وعلى أشد ما يكون. لذا، صار لزاماً الإستعداد والتهيؤ للمواجهة بما يتناسب ونوع العدو، وأهدافه، وطبيعته، وصفاته، وسلاحه.. وتأسيساً على كل ذلك، فأبرز ما يجب أن يتوافر في كل فرد في القوات المسلحة :
1-الذكاء بدرجة الاعتيادي على الأقل، واستبعاد من لديهم ضعف أو بطء فهم.
2-الصحة النفسية: : كل ما يتعلق بالسلامة من الأمراض العقلية والنفسية التي قد تعيق التفكير السليم، واتخاذ القرارات الصائبة. ليس من الصواب، بل من الخطر أن يجند أي فرد ضمن صفوف المقاتلين إن كان يعاني من أية مشكلات، أو عقد، أو اضطرابات نفسية ومن أي نوع، فلربما تتفاقم الحالة، وتنعكس على أداء المقاتل، وقد تؤثر سلباً على أداء من حوله عموماً، وبالتالي على نتائج المعارك ومصيرهم.
3-السلامة البدنية: بالخلو من العاهات، ومراكز الضعف في البدن التي تعيقهم وتعرضهم للخطر، أو تلك المميتة.
3-الدافع: الدافع القتالي للجندي من أهم ما يمكن الاعتماد عليه لتحديد مستوى روحه القتالية، واندفاعه نحو المعركة بثقة. فالدافع محرك قوي للسلوك ويوفر الدعم الذاتي الداخلي للثبات في سوح المعارك. يمكن القول لا يمكن لجندي أن يلتزم بضوابط الخدمة العسكرية وواجباتها دون وجود الدافع، وإلا فلا نتوقع ثباته، ونجاحه في مهامه العسكرية.
4-الإتجاهات والميول العسكرية: الإتجاه يمثل ما يحمله الفرد من أفكار، إيجابية أم سلبية نحو قضية معينة، أشخاص، أشياء، ..وتكون مشحونة إنفعالياً عندما يعبر الفرد عنها قولاً أو فعلا. أما الميل فهو نوع من الحالات الوجدانية التي تؤثر في اختيارات الفرد. والاتجاه الإيجابي نحو الحياة العسكرية ينطوي على الكثير من المعان، كحب الوطن والدفاع عنه، والاستعداد للتضحية في سبيله، وحب الإنضباط والإلتزام، والاهتمام بالتخطيط العسكري، وحب التعاون والمساعدة وحماية الآخر…
5-المباديء والقيم الوطنية: إن المعتقدات والمباديء والقيم هي الأكثر ثباتاً. وعندما يحمل الجندي مباديء وطنية، ويكون على وعي كبير بقيمة العمل العسكري، ومؤمن بأهميته، حينها يكون النموذج المطلوب الذي يمكن الوثوق به، وبولائه لبلده، وقادر على مواجهة العدو والصمود في المعارك والحروب حتى النهاية. إن جيشنا اليوم بكل صنوفه، وفصائله.. جيش يحمل الإيمان، والعقيدة الراسخة للدفاع عن الوطن وبجدارة. وبدورنا إن أردنا للمقاتل المؤهل للخدمة العسكرية بالإستمرار فيها على ذلك النحو المشرف، لا بد من توافر العوامل التي تساعده على الاستمرار، وبنفس الروح المعنوية العالية، دون أن يفكر في التراجع، ودون الشعور بالإحباط عندما لا تعود تلك العوامل تغذي روحه المعنوية، أو تعزز إيمانه بقضيته المصيرية. تلك هي مسؤولية مؤسسات الدولة الأخرى إلى جانب دور الجماهير، المواطنين بمختلف فئاتهم.
لذلك، من الضروري تظافر جهود لجهات ومؤسسات عديدة، سياسية، واجتماعية، ومجتمعية للدعم والإسناد في كل الأحوال وتحت شتى الظروف. وهناك العديد من البرامج المتطورة، والمعمول بها على مستوى دولي، وعالمي مخصصة تحديداً لهذه الفئة المهمة من شرائح المجتمع يمكن الرجوع إليها، كما يمكن وضع برامج ملائمة لطبيعة وخصائص الإنسان العراقي العسكري المميزة، والظروف الإستثنائية التي يعيشها في وقت السلم والحرب، بعد دراسة شاملة، تحدد من خلالها نقاط القوة لتعزيزها، ونقاط الضعف لمعالجتها، بتحديد المشكلات والحاجات، وتحديد الأهداف، ووضع الستراتيجيات، والخطط، والنشاطات، والبرامج، وتوفير المتطلبات اللازمة لتحقيقها، ومن شأنها أن تؤدي دورها الفاعل في التوعية والتوجيه والإرشاد للمقاتلين في الجيش والحشد الشعبي في بلدنا، لا سيما أن كثير من المنخرطين في صفوف الحشد الشعبي القتالية تطوعاً، وهي ميزة قل نظيرها تميز بها شعبنا عند المحن والملمات، ولم يستغرق تدريبهم سوى فترات قصيرة جداً مقارنة بالحاجة الفعلية للتدريب قياساً لنوعية القتال، ونوعية العدو، وتمكنوا خلالها من امتلاك الخبرات والمهارات القتالية العالية فاقت كل التصورات، فقد أثبتوا جدارة قتالية فائقة ميدانياً في سوح المعارك، وحروب الشوارع والمدن، وأساليب التعامل الإنساني مع الأبرياء العزل. لقد كان للدوافع الوطنية والعقائدية دور كبير في ذلك. ومقابل ذلك، فهنالك بعض نقاط الضعف التي تخللت كل تلك الإيجابيات الفاعلة، وتمثلت في بعض الإجراءات التي كانت تفتقر إلى الموضوعية الواقعية لما تتطلبه المواقف، وكيفية التعامل معها بشكل علمي أكثر يخدم الظرف الحالي والمتوقع مستقبلا، كالقصور في بعض جوانب تطبيق نظام الدمج العسكري، ففي الوقت الذي كان دمج أفراد من غير العسكريين إلى صفوف الجيش في المراتب والمراكز القيادية في بعض جوانبه إيجابياً كلما أثبتوا جدارة على أرض الواقع فيما يمتلكون من مواصفات ومؤهلات، بقى هناك نقص يبرز فيما يتعلق بالمعرفة الأكاديمية بالعلوم العسكرية لبعضهم، وغيرها.. مما يتطلب بالتالي سد تلك الثغرات والنواقص من خلال برامج معينة توضع لهذا الغرض. وبالنسبة للفئة العمرية المسموح بها للإنخراط في صفوف المقاتلين، معروف عالمياً أن الإنخراط في صفوف الجيش النظامي يشمل الشباب ممن بلغوا سن الرشد 18 عاماً فما فوق إلى سن معينة. ولكن بعد ما مر به بلدنا من ظروف قد عرقلت العمل بنظام الخدمة الإلزامية (خدمة العلم) ولسنوان طوال، وإهمال التطبيق لكثير من ضوابط وشروط الخدمة العسكرية، والأهم من ذلك التهديدات التي داهمت أمن بلادنا، وأنذرت بالخطر، كل ذلك.. مما دعا لاستصدار قرارات جديدة تخدم المرحلة الراهنة، وأتخاذ إجراءات من شأنها التقليل من الخسائر، وتعويض ما فات، وإنشاء قوة جديدة يمكن أن تقف بوجه التحديات والاعتداءات المتوقعة وغير المتوقعة، وكان من بينها وأهمها إصدار الفتوى الشرعية للجهاد الكفائي لرد العدوان الهمجي لما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وقد لبى كثير من العراقيين القادرين على حمل السلاح من مختلف الفئات العمرية، وكان من بينهم فئات عمرية لما دون الثامنة عشرة، أي تحت سن الرشد، قدموا التضحيات الجسام التي فاقت كل تصور. ومع ذلك، لم يكن بالمقابل اهتمام حقيقي يتناسب ومستوى تلك التضحيات. هناك قصور كبير في الرعاية الاجتماعية لعوائل المقاتلين، وذوي والشهداء، وفي الدعم النفسي للجرحى والمعاقين..، وفي توفير الرعاية الصحية لهم. بالرغم من الإندفاع الشديد للمقاتلين نحو معارك الشرف، كثير منهم تركوا أسرهم بلا معيل. وعوائل الشهداء كثير منها بقيت تعاني حسرة الفراق للفقيد، ومشكلات نفسية كثيرة، وأخرى اجتماعية، ومادية لقلة الاهتمام بهم، وبعوائلهم وبحاجاتهم ومتطلباتهم. الكثير من معوقي الحرب يراجعون مؤسسات الرعاية الاجتماعية كأي مواطن آخر.. بينما الأحرى والأجدر معاملتهم باهتمام أكثر تثميناً لهم، وعرفانا بتضحياتهم التي لا يمكن أن تقدر كما تستحق بأية قيمة مادية، أو معنوية. إن غياب الرعاية الصحية للجرحى، ومعوقي الحرب، بالتقصير في توفير العلاج لهم، وإهمال متابعة حالاتهم بجدية أكبر… قد يترك آثاره النفسية العميقة في نفوسهم، وفي نفوس المقاتلين الذين ما زالوا مرابطين في سوح المعارك، وقد يتسبب في إحباطهم، وربما يؤدي إلى تحول عكسي خطير في تصوراتهم وأفكارهم ومعتقداتهم التي كانت دافعاً لخوضهم المعارك، وبذلهم التضحيات النفيسة، مما يستدعى الوقوف عنده وتأمله لوضع الحلول والمعالجات الناجعة ضمن ستراتيجيات وبرامج توضع لها أهدف محددة كل على حدة، وبالتالي يمكن ضمان بناء شخصية عسكرية قوية متماسكة في جميع الجوانب. ويمكن ذلك من خلال :
– تكثيف العمل التوعوي بتقديم المحاضرات للمقاتلين، والقائمين على تصنيفهم عسكرياً فيما يتعلق بمعرفة الذات، إمكاناتها، وقدراتها، وميولها، وخصائصها الأخرى… بالمباشرة بتطبيق البرامج الإرشادية ذات الأهداف الستراتيجية (وقائية، وعلاجية، ونمائية) فالوقائية من شأنها تحصين المقاتلين ضد التعرض للصدمات، والأزمات النفسية. كذلك البرامج العلاجية لمساعدتهم على مواجهة المشكلات المختلفة التي تواجههم، وتعيق أداءهم العسكري، كالإضطرابات النفسية الناجمة عن مشاهد الحرب الواقعية، وما يتعلق بعلاقاتهم مع زملائهم، وقادتهم… أما البرامج النمائية فتلك التي تعزز شخصية المحارب، تحيطه بالكثير من المعلومات والمستجدات التي قد تكون غائبة عنه فيما يتعلق بتطوير شخصيته، وقدراته، ومعلوماته وخبراته القتالية، وكيفية التوفيق بين حياته العسكرية، والأسرية.. والتي يمكن أن تساعد في تكيفه مع التغيرات الحاصلة في أثناء خوضه المعارك، وبعد انتهائها والعودة لممارسة حياته الأسرية الطبيعية. ومن المهم الحد من مشاركة المقاتلين دون سن الرشد في المعارك طالما لا تستدعي الضرورة، واستبعاد غير الأسوياء، والمتعصبين، والمتطرفين فكرياً، وعقائدياً ومذهبيا…قولاً وفعلا.
– العمل على التأهيل الأكاديمي لعناصر الجيش والحشد الشعبي جنوداً وقادة، للإلمام بالعلوم والمعارف العسكرية، ومنح الامتيازات العسكرية للمستحقين في الحشد الشعبي ممن تأكدت جدارتهم في المعارك، ليأخذوا مواقعهم التي يستحقونها، وتتطلبهم.
– لا بد من الإهتمام وتوفير الرعاية الإجتماعية، والصحية.. لذوي الشهداء والمفقودين والمعاقين، والاهتمام بوالديهم، وأبنائهم، والأيتام أبناء الشهداء خاصة..، وتوفير متطلباتهم الحياتية، بتخصيص الرواتب التي يستحقونها، لهم ولأسرهم، وتقديم المكافآت والمنح المجزية تثميناً لجهودهم وتضحياتهم.
– توفير الطبابة والعلاج المجاني للجرحى من المقاتلين ولعوائلهم في المستشفيات العامة، والمصحات، والمستوصفات، وبتوفير الكوادر المتخصصة، والتقنيات الحديثة التي تيسر لهم ذلك، إذ فيهم المعوزين مادياً، ولتجنيبهم المعاناة من روتين المراجعات، وزحمة المستشفيات… والتي يمكن تلافيها إذا ما توافرت مستشفى خاص بجرحى المقاتلين فقط.
– تفعيل دور المجتمع وجميع مؤسساته (المدرسة، الجامعة، الإعلام، ….) في الدعم والإسناد للمقاتلين، وتثمين جهودهم، ومواقف أسرهم المشرفة، وبث روح الإلفة والتوافق والإتفاق ما بين مؤسستي الجيش العراقي والحشد الشعبي. وللمجتمع بأكمله بجميع مؤسساته دور كبير، وللإعلام الحصة الكبيرة. فالإعلام الواضح والصادق هو المعني، وبشكل خاص الإعلام الذي يثبت ولاؤه للوطن وليس لغيره. وأدوات ووسائل الإعلام كثيرة، فالكلمة المسموعة والمقروءة، والصورة المعبرة، وبشرط العمل المتقن، واسع الأفق، السهل في الوصول لجميع فئات المجتمع، وللمقاتلين خاصة. إن النظرة المتفحصة الدقيقة والهادفة لما تقدم، والعمل الجاد على تطبيق ما جاء فيها، سيسهم في تحقيق الدعم وبكل أنواعه لمقاتلينا الأبطال إلى حدٍ كبير، ويمكن أن يحد من مشكلاتهم بمختلف أسبابها ومصادرها، ويزيح عن كواهلهم الكثير من الأعباء، والضغوط، وبالتالي التقليل من الخسائر البشرية والمادية في المعركة، وتحقيق النصر على الأعداء. والله ولي التوفيق.