23 ديسمبر، 2024 6:16 ص

الدعاء والزيارة باكورة الشعائر الحسينية

الدعاء والزيارة باكورة الشعائر الحسينية

لابد من معرفة أن زيارة الامام الحسين عليه السلام هي الأساس لأي شعيرة أو خدمة يقدم عليها الموالي لإظهار محبته وولاءه لسبط الرسول الأكرم، لما لها من مضامين عقائدية وولائية ترسخ مبدأ الايمان في النفوس وتصقلها لتكون متألقة في سماء القيم والفضيلة والتسامح، ومن هذا المنطلق فإن الدعاء والزيارة تحت قبب المعصومين وذراريهم ولا سيما تحت قبة سيد الشهداء التي فيها خصوصيات الاستشفاء والاستجابة والبركة في تلك الدوحة المباركة، فان الدعاء والزيارة في ذلك المكان الطاهر هو أساس الشعائر الحسينية، وهي بحد ذاتها اطهر وسيلة للبلوغ إلى أقدس هدف مشوب بمرضاة الله تعالى ومؤطر باطر الدين والأخلاق والمناقب والكمالات.
ولا نبالغ في القول ان الزيارة ليست من الشعائر الحسينية، بل أنها مقومة للشعائر وجودا ومضمونا وديمومة، إذ أنها تقف وبجدارة على قمة هرم الشعائر، وتستمد بقية الشعائر جذوتها وحيويتها وعزيمتها من تلك المندوحة المسماة بالدعاء والزيارة هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن زيارة الامام الحسين عليه السلام واظهار المحبة والمودة والاحترام إليه كانت وما زالت من الأفعال المندوبة المحبذة لدى الشارع المقدس، والتي التزم بها جميع الأنبياء والصالحين قبل ولادته وبعدها إلى يوم الدين، بل ان زيارته عليه السلام تجري مجرى الدم في العروق في وجدان كل حر وغيور منذ خلق الله تعالى آدم إلى نهاية العالم، بل تذكر بعض الروايات ان الملائكة كانت تزور الامام الحسين عليه السلام في عالم الملكوت وعالم الذر، ولو تقصينا تاريخ وأصل وتعداد الشعائر الحسينية لخرجت الزيارة عن هذه المحددات، ولأبت إلا أن تكون باكورة سامقة لتلك الشعائر تستلهم منها مقومات الديمومة والتفاعل والتكامل دون أن تؤطرها أو أن تحدها بزمان أو مكان، ولأهميتها في ابراز الشعائر في ابهى صورة نسرد عليك عزيزي القارئ بعض الأهداف المستوحاة من زيارة سيد الشهداء لعلها تكون خارطة طريق لكل من يتوخى النجاة في هذه الدنيا الزائلة:
لقد وردت أحاديث تنص على استحباب زيارة القبور فضلاً عن الأنبياء والأولياء لاسيما زيارة الحسين (ع) التي لها من الثواب العظيم والفوائد الجمة المادية والمعنوية ما لا تحصى عددا ولا تدرك أمدا، وإليك بعض ما يستنتج من ذلك:
أولاً: ترقيق القلب لأن الزيارة تذكّر بالموت، والموت يبعد الإنسان عن الدنيا ولا يجعله متعلّقاً بها، فله دور في إيجاد حالة الخشية والرقة وهو واعظ على حد تعبير الحديث: (كفى بالموت واعظا) واذا كان صاحب المرقد شهيدا في سبيل الله، فإنه يلهم الزائر جذوة الحرية والكرامة ويجعله ثائرا بوجه كل ظالم معتد اثيم.
ثانياً: التذكير بالآخرة فإن انشغال الإنسان بأعماله الحياتية قد يؤدي إلى نسيان الآخرة فتأتي مثل هذه الزيارة لتذكّر الإنسان بالمصير الذي ينتهي إليه.
ثالثاً: الحصول على بركة أرواح الأولياء وانه يكون مشمولا بلطفهم في الدنيا وشفاعتهم في الآخرة، وهي من البركات العظيمة التي لا يمكن الحصول عليها إلا من خلال التواصل مع تلك الأضرحة المقدسة.
رابعا: الندم على عدم النصرة، وقد نشأ بعد مقتل الامام الحسين عليه السلام الشعور بالتقصير والإثم وكان له مظاهر متعدّدة كثورة التوابين، وهذا يشمل الجيل المعاصر للإمام الحسين (ع) الذي يحاول أن يقتدي بإمامه ويلتحق بركبه الذي هو الفتح المبين لطريق الهدى والاستقامة.
خامسا: القربى إلى الرسول (ص) باعتبار انه أوصى بذريته وبآله وعترته بتكريمهم واحترامهم وعدم التقدم عليهم والعمل بأوامرهم، ومن أبسط مظاهر التكريم هو زيارة تلك القبور الطاهرة، ولقد ورد في الحديث الشريف عن أبي حمزة الثمالي، عن علي ابن الحسين عليهما السلام قال: من أحب أن يصافحه مائة وأربعة وعشرون ألف نبي فليزر الحسين ( ع ) ليلة النصف من شعبان، فإن الملائكة والنبيين يستأذنون الله في زيارته فيؤذن لهم، فطوبى لمن صافحهم وصافحوه. (وسائل الشیعة ج ١٤ ص ٤٧٠).سادسا: تحصيل الأجر والثواب، فالروايات تؤكد أنه تعالى أجرى للإمام كرامات نصّت الرواية على ثلاث منها، استجابة الدعاء تحت قبّته وجعل الإمامة في ذريته والشفاء في تربته، وهو مما يشوّق المؤمنين للتشرّف والوقوف تحت القبّة الطاهرة حتى يتضرعوا إلى الله عز وجل بألوان الدعاء ببركة الإمام الحسين (ع) وإظهار العبودية للمولى تعالى عند أفضل الخلق لديه.
سابعا: رفض الظلم، كانت أحد الأساليب في رفض الحكومات الظالمة وإعلان التبرؤ منها هو زيارة قبر سيد الشهداء وعدّها لون من ألوان المقاومة لما يمثله (ع) من رمز للحرية والحق ورفض الضيم ومقاومة الطغاة.
ثامنا: إيقاظ الأمة وتحريكها، المتتبع للتاريخ الإسلامي يعلم جيّداً إن الحكومات التي توالت على الأمة الإسلامية حكومات أموية وعباسية وغيرها سعت إلى طمس معالم الحق والدين، بل سعت إلى تحريف النصوص المباركة الواردة من الشارع كما حصل في زمان معاوية من وضع للأحاديث المكذوبة أما لرفع شخص ظالم أو لترويج فكرة باطلة وشيئاً فشيئاً بدأت هذه الحكومات تسحب الأمة الإسلامية إلى الجاهلية، فانتشرت قيم الجاهلية البائدة كالظلم والربا والزنا وأكل حقوق الضعفاء وقتل الأبرياء وغيرها من مظاهر الحياة الباطلة، فكان الأئمة عليهم السلام يحثّون أصحابهم للمداومة على هذه الزيارة لكي يتأثروا بروح الحسين (ع) باعتبار ان الشيعة هم حملة الحق وتعرّضوا للضغوط في مختلف العصور فأرادوا الأئمة (ع) أن يصنعوا رجالا على مستوى المسؤولية بأن يعيش أهل البيت في فكرهم بشكل حي من أجل إيجاد نمط يتفاعل مع الحسين (ع) وأهدافه وآدابه ليجدوا عند ملامستهم كربلاء والوقوف على القبر الطاهر القيم الخالدة التي عاشتها الثورة الإلهية، ويعيدوا تجسيد كيان الأمّة المنهك كالصبر والكرامة والإباء والفداء والالتفاف حول المبدأ الصحيح.
تاسعا: المضامين العقائدية والدينية والثقافية المبثوثة في كتب الأدعية والزيارات تعد دستورا كاملا للحياة المثلى الخالية من المنغصات، والمليئة بالعبر والعظات التي باتت مقومة لسلوك الانسان المعاصر الذي يعاني في العصر الحاضر من الجفاف الروحي اكثر من اي وقت مضى.
عاشرا: محاكاة للمثل القائل شبيه الشيء منجذب اليه، فإن التواصل في زيارة الأئمة الأطهار وعلى راسهم سيد الشهداء، يتمثل قدر الامكان وحسب قابليته في الاستيعاب بأخلاق صاحب المرقد المقدس الذي هو بطبيعة الحال نموذجا يقتدى به في جميع مجالات الحياة.
وهكذا فإن الزيارة والدعاء تحت قبته الطاهرة تضفي على الزائر هالة نورانية قلما تجدها في مراسيم دينية أخرى، لما هو مدخر في تاريخ الإمام الحسين لدى محبيه من قيم ومناقب لم يكتف بتطبيقها بل ضحى من أجلها الغالي والنفيس، فأضحى رمزا لكل منقبة وفيضا لكل مكرمة ونبراسا لكل ملحمة، فالزائر لمثل الحسين عليه السلام انما يتحرى الحرية من منبعها الصافي دون أن يتعب نفسه بالالتجاء إلى برك ادعياء الحرية الذين يتشدقون بها لمآرب شخصية باتت معروفة للقاصي والداني،  جعلنا الله من الذين يتشرّفون بزيارة قبور الأولياء وخصوصاً قبر سيد الشهداء عليه السلام وينالون من فيض عطائه والحمد لله رب العالمين.