قرار المحكمة الاتحادية المرّقم 87 / اتحادية / 2013 , أثار زوبعة من ردود الأفعال على المستويين السياسي والإعلامي , ومعظم هذه الردود تدور حول دور السيد مدحت المحمود رئيس المحكمة الاتحادية العليا المتهم بانحيازه وخضوعه لرغبات رئيس الوزراء نوري المالكي وإخضاع القضاء لهذه الرغبات , وبالتالي تسييس القضاء وفقدانه لاستقلاليته , وبغض النظر عن حقيقة هذه الاتهامات من عدمها , لم أجد بين ردود الأفعال من اشار إلى الخلل الحقيقي المتعلق بنقض قانون مجلس القضاء الأعلى من قبل المحكمة الاتحادية العليا , وعلى أي أساس تمّ نقض هذا القانون .
فالقانون رقم 112 لسنة 2012 الذي أقره مجلس النوّاب بالأغلبية المطلقة في جلسته النعقدة في 15 / 12 / 2012 , كان مقترحا مقدّما من قبل اللجنة القانونية في مجلس النوّاب العراقي وليس مشروعا مقدّما من قيل السلطة التنفيذية , وبالتالي فأنّ الطعن بهذا القانون كان متوّقعا بموجب الدستور العراقي الذي قرّق بين مشروعات القوانين ومقترحات القوانين , فالمادة 60 من الدستور العراقي قد نصّت على أولا مشروعات القوانين تقدّم من رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء , ثانيا مقترحات القوانين تقدّم من عشرة من أعضاء مجلس النواب أو من إحدى لجانه المختّصة .
فالمحكمة الاتحادية المعنيّة بتفسير نصوص الدستور بموجب المادة 93 سبق لها أن فسرّت المادة 60 واوضحت ما الفرق بين مشروع القانون ومقترح القانون ونقضت عدد من القوانين المشرّعة من قبل مجلس النوّاب لأنها لم تكن مشاريع مقدّمة من السلطة التنفيذية .
والحقيقة أنّ اللجنة القانونية في مجلس النوّاب ورئاسة مجلس النوّاب تعيان جيدا هذه الحقيقة وتعيان أنّ هذا القانون سينقض من قبل المحكمة الاتحادية لمخالفته نص المادة 60 من الدستور العراقي , كما هو الحال في قانون تحديد ولايات الرئاسات الثلاث الذي نقض أيضا من قبل المحكمة الاتحادية العليا لنفس السبب .
فإذا كان هنالك ثمة من خلل فهذا الخلل هو في نص الدستور العراقي الذي جعل صلاحية تقديم مشروعات القوانين بيد السلطة التنفيذية حصريا دون غيرها , وليس في المحكمة الاتحادية , فعلام هذه الضجّة وهذه الزوبعة غير المبررة ؟ وهل يجوز تشريع قانون يتعارض واحكام هذا الدستور ؟ , ومن يقول إنّ مشروع القانون هو أيضا فكرة , فردنا عليه هو إذا كان كلاهما فكرة فلماذا فرّق بينهما الدستور في المادة 60 وحصر مهمة تقديم القوانين بيد رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء ؟ , فالذي أعاد مدحت المحمود لرئاسة مجلس القضاء الأعلى هو الدستور العراقي وليس المحكمة الاتحادية أو ائتلاف دولة القانون الذي تقدّم بهذا الطعن على هذا القانون .
أليس هذا هو الدستور الذي صوّت عليه الجميع ؟