سيدخل الاتفاق النووي الامريكي الايراني في الايام القليلة القادمة حيز التنفيذ بحسب الوكالة الذرية للطاقة.
اتفاق حمل الكثير من العبر والدروس في فن السياسة الذي تجاوز الممكن في اكثر من فصل من فصوله الماراثونية.
الجمهورية الإيرانية الاسلامية التي كانت تصنف في دوائر القرار الامريكي ضمن (محور الشر)، بفعل الضخ الهائل لوسائل الاعلام الاسرائيلية المتطرفة وبعض القنوات الإعلامية العربية المنخرطة بذات المشروع ، اضافة الى الخطاب المتطرف في عهد حكومة نجاد، كانت عقبات كؤود امام ولادة اتفاق يحمل معه عوامل استقرار واطمئنان لشعوب المنطقة ،بعدما نزفت وعلى مدى عقود الكثير من مواردها البشرية والمادية نتيجة لـ (صراعات النيابة)!.
السياسة الايرانية المسؤولة التي اوضحت لصانع القرار الامريكي امكانية اللقاء مع (الشيطان الاكبر) في مساحة مصالح الشعوب استطاعت ان ترّوض الذئب الامريكي، وبالتالي اعادة حساباته، فالتعاون (الايراني ـ الامريكي) في افغانستان والتنسيق المشترك على الحدود الايرانية ـ الافغانية ضد ارهاب طالبان والقاعدة ، ثم توافق الطرفين على بعض الاجراءات في القتال ضد (داعش) في سوريا والعراق عوامل حرثت ارضية الاتفاق النووي.
القيادة الايرانية التي اثبتت للعالم ان الشعب الايراني شعب لا ينكسر ولا ينحني امام العقوبات الاقتصادية، وعلى مدى عقدين ويزيد، قد تجاوز مرحلة الاختبار ووصلت رسالته الى من يهمه الامر، فشعب بتلك المواصفات ليس بحاجة الى قنبلة نووية، وان كانت مطلباً مشروعاً ادركت انه على استعداد للتفاوض من موقع القوة.
بالمقابل فأن صُناع القرار الامريكي فشلوا في اقناع الشعب الامريكي على شن حرب جديدة بالمنطقة بذريعة مخاطر امتلاك ايران القنبلة النووية بسبب نجاح خطاب الدبلوماسية الايرانية بأقناع الاخرين ان امتلاك الطاقة النووية حق مشروع للشعب الايراني اسوة ببقية الشعوب ، وحتى لو صنعت القنبلة النووية فأنها لا تستخدم الا للدفاع عن نفسها بسبب التهديدات الاسرائيلية المستمرة لإيران.
فـ (الاتفاقات التي لا تبنى على رغبة الشعوب تحمل عوامل فنائها معها).
خطوات واقعية افرغت السم السياسي بعواصم الخلاف في طهران وواشنطن تستحق التوقف عندها ودراستها بدقة منها انتقاد المرشد الاعلى للثورة الاسلامية السيد (علي الخامنئي) سياسة الرئيس الايراني (احمدي نجاد) حيث عبر عنها (ان سياسة حكومة نجاد سببت العزلة للجمهورية الاسلامية )، ما اعطى رسالة الى الشعب الايراني بضرورة التغيير، وفعلا ً وصل الاصلاحي روحاني الى سدة الرئاسة الإيرانية ،بالمقابل قدم الديمقراطيون مرشحهم المسلم (باراك اوباما) ليصبح رجل البيت الابيض في امريكا. بعدها شهد العالم نهاية الخطاب المتشنج وبروز خطاب هادى ومسئول مهد للتفاوض المباشر بين الطرفين.
ما يستحق الاعجاب هو حكمة الطرفين في تجاوز وامتصاص ردود الافعال الغاضبة تجاه الاتفاق ، فمقاطع الفديو التي اظهرت الجنود الامريكان بصورة مذلة ،والحظر الامريكي على صاروخ عماد الايراني بعد (24 ) ساعة على توقيع الاتفاق ، اسقطت نظرية (افراغ الهواء)و (تشتيت الانتباه ) على الواقع، وترجمتها عبر تصريحات احترافية لمسؤولي البلدين حول الحادثتين.
( اتفاق القرن) الذي جمع الاضداد واخرجه الايرانيون والامريكيون .
سيناريو حمل الكثير من فن السياسة في امكانية تلاقي الاضداد، وان ليس هناك مستحيل في عالم السياسة ما وُجد الحوار.
ترى متى ندرك مصالحنا كشعوب عربية؟!
وهل تظل عاهة تشخيص مصالحنا مرض عضال ننوء بحمله الى قبورنا؟
يبدو وللأسف اننا امة فقدت سفينتنا شراع الحكمة، بعد ان كنا خير امة اخرجت للناس لأننا ابتعدنا عن اسلامنا الاصيل ،فالمراقب لـ (اتفاق القرن) يكتشف ان اكثر الامم نعيقاَ ورفضاَ للاتفاق هم الاعراب في الحجاز والصهاينة.
السؤال الذي يفرض نفسه هو اذا كان الحوار واللقاء استطاع ان ينتج تقارب ايراني ـ امريكي، برغم مساحات الخلاف الفكرية والعقائدية، فضلاَ عن السياسية ، فهل هو مستحيل مع جارتين بحجم السعودية وايران، يجمعهم الجوار والدين والمصالح المشتركة؟