23 ديسمبر، 2024 12:06 ص

الدراما تنتحل _تزيف_ التاريخ العراقي

الدراما تنتحل _تزيف_ التاريخ العراقي

من لا تاريخ له لا حاضر له، تمتلك الامم سجلاً حضارياً تاريخياً خاص بها يدون فيه مختلف الوقائع التي مرت في منطقتها خلال العصور وبدأت مرحلة التدوين منذ عرفت الكتابة على وجه الارض والى يومنا هذا ويعتبر التاريخ من أهم العلوم التي تدرّس باستمرار في مختلف مناطق العالم، من اجل معرفة الاحداث وحقيقة الوقائع التي طرأت على الانسان.
ومن خلال هذا السجل الحضاري يمكننا معرفة طبيعة الامم كيف بدأت وكيف نهضت وكيف تطورت فهو السبيل الوحيد الذي يدفع البلد نحو المجد لأنه يعلِم الناس ما ينفعهم من أجل استدامة أفكارهم وعلومهم وحضاراتهم فالناس مرتبطون بشكلٍ أو بآخر بالتاريخ، وإن حاولنا التعمّق في بعض الحضارات نـجد أنّ التاريخ له أهميّة عظيمة في بناء أبنائها، ذلك أنّهم يعتمدون على القدماء بكلّ صغيرة وكبيرة بالرغم من كثرة احداث الحروب والمشاكل التي عانى البشر منها الا ان التاريخ طافح بالنماذج الإيجابية التي يمكن أن يرى الإنسان بها نفسه في أي زمان ومكان، فالتاريخ فيه معلومات عن الأنبياء، والرسل، وأتباع الدين الحق، ومن أحاطوا بالرسل، والعلماء، والمفكّرين، والمبدعين من الفنانين، والفلاسفة، والحكماء، وغيرهم، فكلّ هؤلاء استطاعوا إضافة الشيء الكثير للتاريخ والإنسانية.
اذن يمكننا التعبير عن التاريخ بأبسط معانيه هو قصة الانسان في محاولاته لإعمار الارض وكشف الحقائق المخفية.
تعرض التاريخ الحضاري والثقافي العراقي الى التزييف لمرات عدة اما الاسباب فهيَ عديدة وهي موضع للجدل، واحد طرق الانتحال تُستخدم عبر الدراما كما حصل في الآونة الاخيرة عرض سلسة من البرامج التلفزيونية مما أدى الى انتقاد هيئة الاعلام للجهة المنتحلة من قبل أبناء بلدتها لمعرفتهم بأن هذا انتحال للأحداث والقصص التاريخية العراقية ونسبها الى تاريخهم من أجل خلق حضارة للدولة على حساب دول الجوار.
و يعود سبب في ذلك الى عدم وجود رقابة حقيقية للنصوص بشكل عام , وان القليل من الكتاب يمتلكون نصاً قوياً و الماماً فكرياً في الثقافة العامة او ثقافة المجتمع الخاصة ما يجعل كاتب السيناريو يتجه الى انتحال القصص التاريخية ، اسباب كثيرة جعلتها تتأرجح بين المقبول و الجيد و المرفوض ، منها غياب التوثيق بين ابناء المجتمع للأحداث القديمة او الحديثة التي حصلت في هذا البلد و الالتفات الى الكوميديا و الدراما الريفية و التركيز على العادات السلبية فيها والابتعاد عن المواقف و القيم الاصيلة للمجتمع ، و كذلك الابتعاد عن توثيق و نشر البطولات التي خاضها ابناء البلد في الدفاع عن الوطن و ردع اعدائه.
اما العوامل التي مهدت لسرقة التاريخ و الفلكلور و التراث الثقافي و الحضاري هي عدم الاهتمام بقيمة هذا التراث و اهميته و الحرص على احيائه من خلال اقامة المهرجانات و الندوات الثقافية و الاعمال الدرامية التي تشير الى تاريخ و حضارة البلد.
يقول الدكتور (فريدريك معتوق) في كتابه (مدخل إلى سوسيولوجيا التراث) أنّ علاقة العربيّ بتُراثه تتغذّى وتكبر من التراث، حيث يتعلّق عقله بما يحتويه ماضيه من إنـجازاتٍ على مستوى العلم والأدب والفلسفة، ويظن الدكتور أنّه من الممكن قطع الإنسان الاعجمي عن تُراثه، بينما لا يُمكن فعل ذلك للعربيّ، إذ إنّ التراث بالنسبة له عبارة عن حياته الماضية والحاضرة، وهو ما يعطيه مدلولاً اجتماعيّاً ودينيّاً فيها.
يُعدّ التراث جزءً مهماً من الوعي السياسيّ والوعي الاجتماعيّ، حيث يعتقد الفرد أنّ ما كان صحيحاً ويُهتدى به في الماضي هو صحيح الآن ويُمكن الاهتداء به أيضاً على المستويين السياسيّ والاجتماعي، وبذلك يُشكّل التراث مثالاً يُحتذى به، حيث يتطابق مع الحياة الاجتماعيّة في الماضي والحاضر، كما يتطابق من حيث السياسة قديماً مع السياسة المُعاصرة، فهو يُشكّل مرجعاً موثوقاً لا يقبل البحث والمناقشة، ويتميّز التراث بأنّه أقوى من الحاضر، حيث يضمن استمرارية الأمة ويُحقّق التوازن بين الماضي والحاضر والمستقبل، ويوازن بين عطاء الشعوب وفكرها.
اذن كل ما علينا فعله هو تعريف افراد المجتمع بالتراث الثقافي والحضاري لبلدنا العزيز من خلال وسائل الاعلام والدراما والمسرح وايضاً يمكننا ترسيخ هذه الحضارة في عقول اطفالنا بتنظيم سفرات مدرسية للقيام بجولة في المناطق الاثرية ليتم التعرف عليها والاهم من ذلك وضع لجنة من اصحاب الاختصاص في كتابة السرد الادبي لغرض الحفاظ على جودة ورصانة النصوص الادبية.