إختيار النص المناسب من عوامل نجاح أي عمل درامي أو سينمائي ؛ واغلب الروائع الخالدة التي مازالت عالقة في أذهان المشاهدين ، جاءت عن نصوص أدبية رائعة . ولعل السينما والتلفزيون هما أكثر من وظف هذا الموضوع بشكل صحيح ومناسب ، حيث تم تحويل أعمال أعمدة الكُتّاب العرب أمثال: نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس ويوسف السباعي وتوفيق الحكيم وغيرهم إلى أعمال سينمائية وتلفزيونية ،ما زادَ من متابعة تلك الروايات بعد أن كانت محصورة بين فئة معينة من القراء .
أما في العراق فتم الاستفادة من بعض الأعمال الأدبية ، وتحويلها إلى مادة سينمائية وتلفزيونية ، لكن يبقى الثقل الأكبر للمسرح حيث تم توظيف الأعمال العالمية والعربية والعراقية إلى مسرحيات خالدة نالت حماس الجماهير وحصدت الجوائز ؛ ولعل رواية ” النخلة والجيران ” لغالب طعمة فرمان من أكثر المسرحيات العراقية خلوداً في ذاكرة المتلقي المحلي برغم من تحويلها إلى مسلسل تلفزيوني الذي لم يحصل على النجاح المطلوب منه . ربما آخر الأعمال الأدبية المأخوذة عن رواية عراقية هو مسلسل ” ضياع في الحفر الباطن” لعبدالكريم العبيدي ،وعُرض على شاشة العراقية شبه الحكومية. مسلسل نجح بشكل ملفت للنظر لجمعه عوامل التأثير من النص والسيناريو والأداء إلى الإخراج .
السؤال يطرح نفسه ؛هل تستطيع الدراما العراقية توظيف الأعمال الادبية؟ ربما يقول بعضهم أن الإمكانيات الحالية تجعل الوصول إلى هذه الغاية أمر صعب المنال . ولعل الأزمة المالية في مقدمة تلك الأسباب . هذا الموضوع بحاجة إلى تشكيل لجنة مراجعة من مختلف الاختصاصات تعمد إلى دراسة النصوص الأدبية ، وأمكانية تحويلها إلى مادة تلفزيونية ذات رائحة عراقية . فقد ظهر بعد 2003 جيل رائع من الكتاب العراقيين من القصاصين والروائيين حصدوا جوائز عالمية وعربية يمكن توظيف أعمالهم درامياً ،وكذلك رفع الحظر المفروض الذي كان قائماً على بعض المبدعين العراقيين الذين اتخذوا منافي المعمرة ملاذاً لهم .
الاستعانة بالنص الأدبي المحلي يمكن أن يخلق منافسة في جذب المشاهد العربي ، وكذلك يجبر المتلقي العراقي إلى متابعتها بعد أن هرب إلى الأعمال العربية التي حققت له المتعة من خلال عناصرها: الأداء والإخراج والنص . المشاهد العراقي يريد العودة إلى أعمال الزمن الجميل : النسر وعيون ، الذئب وعيون المدينة، تحت موسى الحلاق ، فتاة في العشرين ، جرف الملح ، الدواسر وغيرها من الأعمال التي مازالت عالقة في ذهنية العراقي برغم مرور هذه السنوات الطويلة . وأيضا هناك أسف لضياع الإمكانيات المختلفة على مسلسلات لم تحقق المتعة الحقيقية التي يبحث عنها العراقي .
الدعوة لتشكيل لجنة اختيار النصوص المناسبة أمرٌ ضروري من اجل المنافسة عربياً ،وكسب المشاهد العراقي إلى شاشتها . واعتقد أن اغلب الكتاب في الداخل والخارج سيرحبون بهذه الفكرة مع سعادة عارمة في أن تتحول نتاجاتهم الأدبية إلى مادة تلفزيونية يشاهدها أبناء بلدهم خصوصا اؤلئك الذين غيبوا عن الساحة العراقية بفعل الماكنة الإعلامية في الزمن النظام السابق ، والحظر الذي مورس ضدهم في الحيلولة دون وصول نصوصهم الأدبية إلى ارض الوطن . الأمرُ الآخرُ من المتحقق من هذه الخطوة ربط المواطن البسيط الأديب العراقي من خلال طرح مشاكله وقضاياه ، ومشاركة الآخرين أحلامهم وتطلعاتهم والاقتراب من محاكاة واقعهم البسيط دون تكليف ومماطلة فضلا على تشجيع القراءة ،عندما يرى احدهم رواية قرأها قد تحولت إلى نماذج حية تتكلم وتمشي بعد كانت محصورة بين طيات الكتب .