23 ديسمبر، 2024 7:18 ص

الدراسات الحديثة للتاريخ‎

الدراسات الحديثة للتاريخ‎

قرأت مقالا مفيدا لاحد الاكاديميين حول الدراسات التاريخية العراقية الحديثة . . فتذكرت حادثة مرت علي” بعد الاحتلال الامريكي للعراق . حيث جاءني احد طلاب الابتدائية وبيده كتاب ليقول لي اقرأ هذا ، فلما قرأته وجدت عنوان في المقرر الدراسي ( الخلفاء الراشدين ) وتحت هذا العنوان وجدت فقط الامام علي بن ابي طالب عليه السلام . فسألني الطالب عن الخلفاء الراشدين فشرحت له المطلوب بأسلوب مبسط . . وقد استغربت كثيرا من وزير التربية آنذاك السيد خضير الخزاعي الذي لم يكلف نفسه بتعديل المنهج الدراسي عن طريق لجنة من التربويين لاعداد مقرر كامل لطلاب الابتدائية فآثر السهولة بحذف ما يريد حذفه وابقاء المنهج كما هو . من هذه الواقعة ادركت اهمية كتابة التاريخ ، وخصوصا المناهج المقررة في مدارسنا لانها تشكل ثقافة ومفاهيم الطلاب المستقبلية . .ولعل مشاكلنا السياسية الحالية هي نتاج هذه المناهج المشوهة والمتخلفة عن ركب العالم ، وخصوصا كتابة التاريخ .ان هناك من يجمع الوثائق والمستندات ليضعها في كتاب لتكون مرجعا للمعنيين بهذه الدراسات ، وعلى الرغم من اهمية هذه الجهود الا ان كتابةالتاريخ في تقديري المتواضع هو تحليل الحوادث والوقائع وبيان الظروف والاسباب المؤدية لها اكثر مما هي جمع الوثائق والمراسلات . وحتى لو تمت في زمن غير زمن المؤرخ فيتوجب عليه التدقيق والتمحيص جيدا في صحة هذه الوقائع ودوافعها . واننا لا نفترض كما يعتقد البعض بأن المؤرخ يجب ان يكون كالقاضي ليحكم على الاحداث والوقائع الماضية بحكم محايد و مجرد . ولكنني ارى عند محاولة اعادة دراسة التاريخ او عند وضع مناهج الدراسات التاريخية ان تكون على شكل نقل الواقع الماضي بوجهات النظر المختلفة في حينها ، وتناولها بمنظار بانوراما واسع يحيط بكل الاراء والتوجهات السائدة ، وليست بنظرة احادية ضيقة . فعند كتابة تاريخ ثورة الزنج مثلا فأننا نرى انها ثورة شعبية او ثورة العبيد ضد مستعبيديهم ، ولكن هناك من ينظر اليها على انهم زنادقة وكفار او مارقين ضد الاسلام السائد انذاك . وكذلك ثورة او انقلاب    ١٤ تموز  ١٩٥٨   في العراق فهناك مؤيد وهناك معارض لها ، ويتوجب على كاتب التاريخ ان يستعرض وجهات النظر المختلفة ، وان لا ينحاز بشكل سافر الى اي من هذه الاراء . ولكنه يستطيع ان يرجح قول على قول او تحليل على تحليل من باب وجهة النظر الشخصية للمؤرخ تجاه هذا الحدث . ان انصاف التاريخ يتطلب منا النظر بمثل هذا المعيار ، لا ان نكتب التاريخ بطريقة انتقائية على ضوء ما يعجبنا او ما نعتقد به فقط ، ففي ذلك غبن للتاريخ ولصانع التاريخ ولقارئ التاريخ ايضا . هذا من جهةومن جهة اخرى فأن الاساليب الحديثة في كثير من العلوم والاداب تعتمد على الدراسات المقارنة ، حيث لم تعد الطرق العلمية للدراسات ثابتة وانما تتغير بتغير الاكتشافات والاختراعات ، كما تتغير بالتطور التكنولوجي ، حيث ان التحليل المعاصر لكل العلوم يعتمد على الانظمة الرقمية العالية الدقة ، ولا يعتمد على فكر او دماغ الانسان فقط ، وان دراسة التاريخ يجب ان تعتمد هي الاخرى على مناهج علمية حديثة ، مبتعدين عن التعصب والغلو فالتاريخ ليس اسود وابيض فقط وانما هناك مناطق رمادية كثيرة بينهما .