18 ديسمبر، 2024 7:08 م

الدبلوماسية العراقية والتعامل مع أردوغان!!

الدبلوماسية العراقية والتعامل مع أردوغان!!

نتفق أن من بدأ حرب التصريحات النارية بين العراق وتركيا هو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عندما قال أن رئيس الوزراء العراق حيدر العبادي ليس نداً لي ولا بمستواي، هذا التصريح ألهب مشاعر الكثير في الداخل العراقي، عندما أعتبره البعض إهانة لجميع العراقيين لأن رئيس الدولة في الحقيقية لا يمثل نفسه بل يمثل عامة الشعب، وهذا التصريح من أردوغان يعتبر خروجاً عن السياقات الدبلوماسية في تعامل الرؤساء مع بعضهم أو الدول فيما بينها.
العبادي استهواه هذا الخروج عن السياقات والدبلوماسية فغرّد من تويتر بأن العراق سيحرره أبناؤه بعزيمتهم وليس بسكايب، استنقاصاً من دوغان وتذكيراً له بالإنقلاب الشهير واستخدام الرئيس أردوغان لبرنامج ” فيس تايم” الذي أخرج أمة بكاملها للشوارع رفضاً للإنقلاب.
بعد تلك المناوشات والتراشقات بين الجانبين وعلى مستوى الرئاسات، كان في العراق حملة كبيره ضد تركيا شتماً وتنديداً وتصريحات من قبل زعماء كتل وقادة ميدانين حتى زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر دخل على خط الأزمة وكان له بياناً بهذا الخصوص ونصح تركيا بالخروج من العراق بكرامة كما قال أو الندم.
لو تأملنا في تعامل المسؤولين العراقيين مع تلك الأزمة أو لنقل الإهانة التركية نجدها كعادة العراقيين في تعاملهم مع عدة ملفات مهمة فالرد على التصريحات التي ترد من دول ضد العراق هي من اختصاص وزارة الخارجية حصراً، وربما رئيس الوزراء له الحق في أن يرد على الرئيس المقابل، لكن أن تتحول تلك القضية إلى ظاهرة مجتمعية وتتفاعل معها جميع المستويات الشعبية وتخرج مظاهرات حاشدة، فضلاً عن تصريحات المسؤولين العراقيين في البرامج السياسية والمحللين والمنظرين وكلٌ يدلي بدوله فهذا يعود بالسلب على علاقة العراق مع دول الجوار. ثم لو تأملنا في تعامل الجانب التركي وأعني هنا الشعب وعموم المسؤولين لم نجد تلك الظاهرة في تركيا إذا اعتبرنا أن العبادي أهان الأتراك عندما عرّض برئيسهم
واستخدامه لبرنامج ” الفيس تايم” ولم تنحو وسائل الإعلام التركية كما فعلت وسائل إعلامنا، بل بقت القضية محصورة في الطرق الدبلوماسية والسياقات المتعارف عليها بين الدول عند حصول الأزمات. وهذا يسهل مهمة عودة العلاقات بين العراق وتركيا على الأتراك فقط . أما العراق فعليه أن يجد مبرراً لكل تلك الفعاليات المجتمعية والتصريحات السياسية التي خرجت من غير المعنيين كنواب في البرلمان ووزراء وقادة في الحشد وغير ذلك.
المتأمل يجد أن الروح الطائفية والمذهبية كانت حاضرة في هذا التعامل فلو كان مسؤول إيراني هو من صرّح بهذا التصريح ربما سيكون الأمر أخف وطأة على من انتفض اليوم، وما حادثة دخول الزوار الإيرانيين إلى العراق في العام الماضي منا ببعيد حيث صمتت أغلب الألسن التي انطلقت اليوم، مع الفارق أن الإيرانيين كانوا مدنيين والأتراك اليوم عسكريين ودخلوا بطريقة ملتبسة كالتباس التصريحات بين الجانبين.
لا أعتقد أن الخصام بين العراق وتركيا سيطول فالمصالح المشتركة أكثر من أن تحصى والجوار له دوره في حلحلة الوضع وتخفيف الأزمة الحالية فضلاً عن التدخل الأميركي وتأثيره في القرار العراقي، وهذا ما بدا واضحاً في كلمة العبادي اليوم من كركوك حيث قال إن تركيا دولة جارة للعراق ونريد بناء السلام معها والتعايش ولا نعتدي على أحد . وهذه الكلمات ربما تعيد المياه إلى مجاريها.
الذي فاقم من حدة تلك التصريحات أن العراق مقبل على معركة مصيرية وتلك المناوشات بشأن تلك المعركة، فضلاً عن أن الموصل نفسها كمدينة تجمعت فيها لعنة التاريخ وسموم الجغرافية، فمنذ سنيتن كنت أسمع عن تحشيدات عسكرية تصل إلى الموصل، وهذا التأخير الحاصل في استعادتها فاقم المشاكل وزاد الطين بلة فظهرت مئات الحشود الشعبية والوطنية وكان لكل فصيل يظهر مطالب وشروط وسقوف لا يوافق على تخفيضها، طمعاً في حصة الأسد من المعركة المرتقبة.
إيران تزج بالحشد الشعبي الذي يمتلك دماءً جديدة على ما يبدو لضخها في الموصل، مع تأكيدات ليل نهار لقادة الحشد بأن مشاركتهم حتمية وقواتهم على أهبة
الاستعداد ولا مناص من تلك المشاركة، حتى أن بعض الفصائل تنشر فيديوات وهي على تلال حمرين في ديالى وتقول أنها في الموصل.
من المتوقع أن الحشد سيشارك ولكن بتحفظ شديد من العبادي والتحالف وستكون مهامه سهلة جداً، ربما فقط تطويق المدينة أو تأمين طرق الإمداد وستكون مهامة أقل من الانبار التي اقتصرت على تطويق المدينة وعدم دخولها إلا بعد استعادتها بالكامل، لكنه في الكرمة والصقلاوية دخل تلك المناطق.
لا يشارك أحد مجاناً؛ فلكل قوة من تلك القوى المشاركة هدف تسعى لتحقيقه، سواء تركيا أو الحشد أو البيشمركة أو غيرها من القوى التي تستعد للمعركة وكان لها مؤتمر لبحث آخر الاستعدادات والتنسيق فيما بينها.
[email protected]