قاسٍ جداً أن تكتشف عند آخر جرعة من شريط الدواء أن العلاج كان منتهي الصلاحية، والأقسى أن لا تكتشف بالمرة. هكذا سنتحول قريباً درساً للتأريخ وجغرافية “كاملة الدسم” لمشاريع الخرائط الجديدة. ما عاد النفط يروي ضمأ الجيوب ونحن أمة تعودت في حاضرها لا تنال حركة الرفع إلا عندما تسبقها مفردة “برميل” وبغيابه ستجر وتجلد وتبنى للهدم والمجهول.
العراق يدفع ضريبتين، إحداهما إسقاط الصنم والثانية لاختياره لما بعد الصنم، وقد تكون ثالثة إننا وضعنا قادة في كراسي الحكم ناجحين جداً في “السرقة والتنظير”، وربما رابعة إننا صنعنا زعماء وخلفاء للوطن بقدر ما فيه من أرامل وأيتام، فالأمر لا يحتاج إلى مشقّة أو عناء كل ما عليك هو أن تصّطنع “عقدة” وتمد يدك إلى الرف وتستخرج التفويض من الكتب في اختيار “المكان”.
الأزمة في البلاد، أن تمر ساعة كاملة على حركة شريط الأخبار في التلفاز دون وجود أزمة، مع أن أغلب وسائل الإعلام في العراق دائماً ما تبحث عن فضيحة لإثبات التزامها بالثوابت الوطنية ومسؤولية المهنة الاجتماعية حتى لو تطلب الأمر اغتصاب بناتها لتكون طبق الساعة وشرف السبق الصحفي. حتماً الفوضى وغياب الدولة تصنع أدهى من ذلك. شهادات عليا في الجهل ومدارس خاوية من المنهج وأطباء بثياب جزارة ومهندسون بلا مسطرة. عفواً ورؤساء ولكن ليس على نسائهم.
سنختار من المشهد مجموعة من الأحداث المتفرقة التي وقعت خلال الأيام الماضية، ليس أولها غياب الخطبة السياسية من منبر النجف والاكتفاء بأحاديث الموعظة إن نفعت الذكرى”. هنالك عائلة هربت من جنوبي كركوك من بطش داعش إلى شرق تكريت، تاركةً طفلة لها على تلال حمرين، ميّتة بسبب الصقيع والبرد، فتعثر دورية أمنية على تلك الطفلة وتكتشف أنها مازالت على قيد الحياة، والقصة ما تزال في بدايتها. رجل مسن يفتح النار على أحد أفراد عصابة للخطف كانت قد اختطفت نجله الأكبر فيرديه قتيلاً، لكنه بعد إماطة اللثام عن المقتول يجد أن القتيل كان ولده الأصغر. تُختطف فتاة من أمام مدرستها وبعد ساعة يأتي الأمر بالإفراج عنها لكون اسمها لم يرد في قوائم المطلوبات لهذا اليوم.
وللحديث تتمة.. بغداد تتهيأ لبناء السور وتفكّر بطريقة “المنجنيق”، محاباة لسور الخلافة في الموصل، لكن المأساة الأكبر أن يخرج مدير شرطتها معلناً أن العاصمة تعيش انتعاشاً أمنياً!. كيف لا نعرف؟. كنت أظنّه أخطأ اللفظ وكان يقصد “انكشافاً”. هنا نكون قد وصلنا إلى آخر الستراتيجيات الحكومية في معالجة الأزمة المالية في عرض العقارات التابعة للدولة للبيع. والسؤال الذي ينسدل من قائمة العرض. إذا كانت الموازنات الانفجارية طيلة الأعوام السابقة لم تفلح في العثور على صخرة المجرى التي تتسبب بغرق بغداد عند كل “غيمة شتوية”، كيف لك أن تراهن على بيع الدار لتوفير طعام لأصحابه.!!!
