18 ديسمبر، 2024 10:59 م

الخير والشر ..من وجهة نظر.. التاريخ والدين…

الخير والشر ..من وجهة نظر.. التاريخ والدين…

صرخة بعودة وطن ..بعد ان سرقته اللصوص…؟
مصطلحان كبيران هما : الخير، والشر، وجمع الاول خيور، كما في قوله تعالى) :فكاتبوهم ان علمتم فيهم خيراً ،سورةالنور 33) ، ومعناه ان علمتم انهم يكسبون ما يؤدونه بحق . والشر وجمعه شرور، وهو جند من اجناد الرذيلة ويقرن بالاباطيل التي يصادفها الانسان ويتخلص منها بعمل الخير.لكن كلمة الخير المطلق والشر المطلق غير معروضتين بمقياس التاريخ، لان كل خير قد يتولد منه شر كما في قولهم :(أتقي شرَ من أحسنت اليه ) ، والشر أحيانا يتولد منه الخير (حين يكون السلاح لحماية الأوطان ) ، والعكس صحيح. لذا لا معنى لهما محدد في قاموس الحياة والتاريخ، لكن معناهما عظيماً في الفلسفة والاخلاق .سئَلَ معاوية بن ابي سفيان احد المبايعين لخلافته في الكوفة ( عام 41 للهجرة ) حين قال له معاوية : ياابن العرب اريدك ان تبايعني في الخلافة، فردعليه الاعرابي ، أبايعك يا معاوية واني لكاره لك، قال معاوية للاعرابي:” بايع فقد خلق الله في المكروه خيرا كثيرا”.

من اين استمد معاوية هذه الفلسفة ؟ استمدها من عكس المقصد عندما اشار الى النطفة التي تقذف من ظهرالرجل في رحم المرأة،(سورة الحج5) ، والتي ينتج عنها الانسان الذي اودعه الله العقل الذي يتميز به عن بقية المخلوقات ، ليفرق بين الحق والباطل ، او الحقيقة والوهم،، او قل بين الخير والشر، يقول الحق: (وكان الانسان اكثر شيء جدلا،الكهف 54)..فلسفة رائعة لا يدركها الا النابهون.

لم يظهر الخير والشر في حياة الانسان الا بعد ان استقر ووعى ما يحيط به من شرور وآثام ، وحين ادرك ان العدوان عليه غير مقبول ، كما انه ليس بأمكانه الاعتداء على الاخرين فهو غير مقبول ايضاً.من هنا بدأ الانسان يضع اول خطوات السلوك الاخلاقي على الارض ويتعامل مع الاخرين، فكانت البداية حين وضع قاعدة سليمة للحياة المشتركة فيما بين البشر. يقول الحق:” ان الله لا يحب المعتدين ” .

ثم تطورت مسئولية الحماية والالتزام البدائي، الى حماية الارواح والممتلكات ، ثم تحولت من مسئولية الفرد الى مسئولية القيادة الجماعية،هنا بدأ التطور السياسي والاجتماعي يُظهر مسئولية الدولة، بعدها ، اصبحت القيادة الجماعية في الدولة هي صاحبة المسئولية من اي تقصير،حين أشتركت في صنع رؤية جديدة لمستقبل الانسان قائمة على العقل والعلم والحرية، مما مهدت للحركات الفكرية في العالم ،كالثورة الفرنسية عام 1789 مثلأً. .
كل شيء يتطور بمرور الزمن حتى اصبح العمل جائز وغير جائز، فالجائز هو الخير، وغير الجائز هو الشر.ويعتقد علماء التاريخ ان هذا هو الذي أسموه الفلاسفة بعصر فجر الضمير. اي بداية ظهور العقل عند الانسان ، ويعني ادراك الاشياء وفهمها والربط بين الظواهر بعضها ببعض ، فكانت الخطوة الاولى في طريق الحضارة ، يقول الحق 🙁 ونفس وما سواها ألهمها فجورها وتقواها، الشمس 8).

ومن خلال دراسة حضارة المصريين والعراقيين القدماء ،نجد ان الكثير من الوثائق عندهم تشير الى هذين المعنيين ،وما تبعهما من الحق والواجب ، وما يليق وما لا يليق ، وقانون حمورابي في
2
الحضارة البابلية وردت في نصوصه كلمة الخير والشر(انظر بنود القانون في المسلة). وكذلك في البرديات المصرية القديمة المودعة في مكتبة الأسكنرية . الاسلام وكل الديانات الأخرى تبنت الخيروالشر كقانون ، في الاول للمكافئة والتقدير، وفي الثاني للملاحقة والعقاب. ( وقاتلوا الذين يقاتلونكم ولاتعتدوا، البقرة 190).

من هنا نشأ الالتزام الضميري عند البشر بضرورة التقيد بين الخير والشر ، وبمرور الزمن اصبح اشبه بالالتزام الديني الذي تحول الى قيام احساس بأن الالهة هي التي تحمي الناس من الشر، فظهرت ما سمي بملائكة الخير والشر؟ فكان نشوء الفكر الديني وتقديس الالهة عند المصريين الذي تبعه قيام الفكر القانوني والتزام البشر بالمحافظة عليه دون خرق متعمد. ثم اصبح الخير جزءًاساسيا من حياة الناس، فاعل الخير لا يٌمل ،وفاعل الشر من المكروهين عند الناس، لا يُستحسن التعامل معه ولا مجاراته في امور الحياة ، ولا يُركن عليه في شدةٍ ؟.

وهكذا من منطلق الفكر الديني نشأ الفكر القانوني ،فأن الخير يقابل بالخير من ناحية الناس ،ويقابل الشر بالعقاب من جانب السلطة الحاكمة ،وهذه المعاني والاصطلاحات كلها ادت الى نشوء أسس القوانين والتشريعات في المجتمعات الانسانية فيما بعد، خاصة بعد ان أكدت عليها الشرائع السماوية والوضعية ..فيما بعد.

هنا ادخل العلماء اصطلاحات جديدة في تفسير الخير والشر( كمصطلح الحروب العبثية ، والرفاه المطلق بغير حدود وخاصة اذا كان من مالٍ مسروق ).فهل آن الاوان لان ندخل في مناهجنا المدرسية هذه الدراسات الانسانية ليقف منها الطالب والمواطن موقف الرضى او الاعتراض على ضوء ما درس وفهم، أم تبقى مناهجنا المدرسية بايدي التقليديين الذين لم يرفدوننا من فكرهم الا الخطأ والنزر القليل من فكر الخير.

فالحرب شر مستطير ، لكن الحروب على ضراوتها وما تسببه من خسائر وضحايا لا تخلو من فوائد .فالحروب الكونية ادت الى دمار شامل ، لكنها في النهاية قضت على عصر الطغاة المتجبرين والمستبدين بامر الناس امثال الأسكندر المقدوني وهتلر وموسليني والاخرين. واثبتت ان نزوع فردا واحدا الى التحكم في مصائر آمة او اكثر لا يمكن ان يؤدي الى خير،لذا فكل الدكتاتوريات الى زوال.

وفائدة اخرى هي ان الحروب تسرع في تقدم المخترعات ، فمعظم ما تقدم من مخترعات كانت نتيجته الحرب العالمية الثانية…رغم ان التفكير بها كان من اجل الدمار، لكن شرها انقلب الى خير حينما اصبحت تلك العلوم والمخترعات آلة تستخدم لصالح الانسان والتقدم المدني ، فكل ادوات الحرب انتقلت الى ادوات يستخدمها الانسان في حياة السلم الاهلي فأدت الى رفاهيته ،كالطائرات ووسائل الأتصال وتقدمه الحضاري.
وهنا تأتي مقولة معاوية أبن ابي سفيان في محلها مؤيدة بالتاريخ.

والخمور ايضا ثمرة من ثمرات الحضارة ،لكن شاربيها يعجزون من السيطرة عليها، ولهذا وقفت منها القوانين موقف الحذر والترصد. وحرمها الاسلام مع تقدير القرأن الكريم بأن شرها يرافقه منافع للانسان ،يقول الحق: (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما آثم كبير ومنافع للناس ،وأثمهما اكبر من نفعهما،البقرة 219).لكن الفقهاء ذهبوا الى ابعد مدى في التفسير حين قالوا : (ما اُسكرَ كثيرهُ
3
فقليله حرام،فوضعوا حدا واضحا ونافعا لأستخداماته من قبل الانسان).لكن من وجهة نظر الحرية يجب ان لا تغلق محلات بيعها ،بل وضعها تحت رقابة القانون كما في بيع السكاير في أمريكا وأوربا.

والترف الحياتي ليس مرحلة من مراحل تطور الافراد والجماعات ، وليس مسألة فقر اوغنى ،وأنما هو موقف من الحياة ، يتحول الى سلوك ، فلا هو خير ولا هو شر بالمقياس النسبي للزمن التاريخي . فحين يتحول الرفاه الى الاستمتاع بخيرات الدنيا ويقدم المُترف المساعدة والمعاونة للاخرين ،هنا يصبح الترف سلوكا ايجابيا في الحياة،فهو خير.اما اذا استخُدم الترف للاستمتاع بخيرات الدنيا وسرقة المال العام ،والاعتداء على القيم الأخلاقية والوطنية، دون ضوابط اخلاقية ، واسغلال اموال الدولة والمستضعفين الاخرين ،يصبح الترف مفسدة للناس والمجتمع ،فيكون شراً عليه وعلى الاخرين ،وهذا ما نراه اليوم في الدول المتخلفة وعند المتعطشين للترف ..؟.

ان مفهوم الخير والشر، والنافع والضار، لامكان لهما في دراسة التاريخ.لانهما نسبيان ،ولا مكان لهما في النتائج الحتمية المحتملة.

ان النتيجة في الخير والشر يحددها طرق استخدام نعَم الحضارة بين البشر ،ويبقى المستوى الثقافي هو الذي يعين الانسان على اتخاذ موقف سليم من الحياة .هنا تدخل الدين والعلماء والفلاسفة لوضع حد للشرعلى الناس ،وفتح مجالات الخير المتعددة عند الانسان منها:

التحضر والتدرج في مراتب الحضارة لاكتساب العلم والمعرفة والخبرة والتجربة التي تنقل الانسان من الاعوجاج الى الاستقامة ، والخير الذي يبعد الانسان عن التبطر والدعة واستغلال الاخرين ،والانتفاع مما له فيه من حق، ويقربه من المساهمة في عون الاخرين.،فبالخير والشر تتحدد مقاييس البشر، لذا وضعت القوانين والتشريعات التي احكمت حياة الناس . ومن يقرأ القرآن واللاهوت والكتب المقدسة الأخرى يدرك ان هناك سرأ اودعه الله للبشرية أسمه الخير،لا احد يستطيع أدراكه الا العالمون .

لقد وقف التاريخ منه موقف الايجاب والحث على اتباعه، فهل يدرك الحاكمون اليوم ما نقول ، وهم بحاجة ماسة الى معرفة، سنن الله ، ومعاييرالضمير، وقوانين حقوق الانسان ومعاملة الناس بالحسنى (كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته)،فلم ينَم الأنبياء والرسل واتباعهم ليلة واحدة ولم يدخل عيونهم غمض والناس في عوز الحاجة ، فهم ولاة امور الامة ، فهل ادرك الحاكمون الظَلمة اليوم تاريخهم بعد ان خانوا الوطن ، وسرقوا المال العام ، وعاثوا في البلاد فساداً. وهل باستطاعة الحاكم ان يدرك كل هذا دون ارضية ثقافية عالية مكتسبة من الفلاسفة والعلماء الاخرين . لذا وجب ايداع السلطة لمن تتوفر فيه الكفاءةة والمقدرة والوفاء للمبادىء والأخلاص للوطن ، وليس للفاسدين أو الذين لا هَم لهم بأمور الناس ، والذي لا يبالون بحقوقهم كما في قيادة العراقيين اليوم التي تجاوزت كل التصورات في الاعتداء على حقوق الناس دون وازع من ضمير (كل نفس بما كسبت رهينة ،المدثر 38)..

ان مرحلة الاعداد الحضاري المسبق للذي يتزعم قيادة المجتمع مهمة تاريخية وهي التي تحدد امكانية الحاكم بالنجاح وحفظ حقوق الناس،فقديما في عصر الامبراطوريات الكبرى الرومانية والبيزنطية وحتى الفارسية لا يختار الحاكم لقيادة الدولة الا اذا توفرت فيه شروط الكفاءة والمقدرة
4
والالتزام، والقانون الروماني ظهر قبل الاسلام بقرون وكان لديهم لجنة لتقييم تحديد كفاءة القائد ليصادق عليه مجلس البرلمان وبعدها يؤدي القسم وكلمة الخير تذكر في هذا القسم(راجع دائرة المعارف الرومانية،كلمة قسم).
وحين جاءت نظرية الحق اكدت على هذا المنحى العتيد حين يقول” دستور المدينة المغيب فقر6″ بتصرف”:(ان على من يقود الامة ان يكون قادرا على ادارتها بالحق والعدل قولا وتطبيقاً )،لذا اصبح القسَم الدستوري شرطاً لازماً لمن يكلف بوظيفة القيادة في الدولة،ومن يخالفه يقدم لمحاسبة القانون ( انظر الوصايا العشرفي (سورة الأنعام 151-153) ، ألم يحاسب الحق الرسول(ًص) حين لم يجبر الأعراب على نصرة من يقاتلون بمعركة مؤتة سنة 9 للهجرة حين قال الحق:”عفا الله عنك لم َ أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين،التوبة 43″ وحاسب الاعراب الذين امتنعوا عن النصرة،التوبة 120″.
ان المقصرين في الخير دوما يكونوا في حيرة الزمن والتاريخ ..وأقصد بهم سرقة الاوطان..قد يقتلهم الندم لما قصروا بحقوق الله والمواطنين ..ولربما يقدموا لمحكمة التاريخ..كما قدم كل الذين أستبدوا وقصروا بحقوق الوطن والمواطنين.. أنها نهاية صعبة يواجهها الأنسان وسيواجهون..كان الأولىَ ان يلتزموا بالضبط والدقة والأمانة وتحري الصدق ولا يعرضوا أنفسهم لما لا يرضوه..؟.أنهم اليوم ليسوا بأشخاصهم أمام عيني ما يفعلون .. لكنني أرى فيهم كل ما يفعلون..

كفاية يامن تحكمون الوطن المُخان للأجنبي ، والمُباع للأخرين ، والمَسروق منكم ومن اولادكم وأنتم اليوم تتلاعبون بمصير الشعب والوطن ..وتحسبون الناس من المغفلين ..كفاية تذكروا التاريخ للحاكمين السابقين يوم عصفَ بهم الرب وجعلهم كعصفٍ مأكول ..الا تستفيقون..الا تشبعون.. الا تتعضون..يا دعاة السياسة واللاقانون…وأنتم تتصرفون في اموال الناس دون قانون..؟.
نعم أخي المواطن المظلوم…ستراهم غدا اذلاء يتحسرون..؟
مصيرك بيدك..لا تأمل من جاء بالخيانة الوطنية والتزوير سيحاسب احدا منهم..البرلمان مزور..والحكومة مزورة ..ورئاسة الجمهورية مزورة.. لان الجميع قد اخترقوا الدستور في المادة 18 رابعا فيجب سوقهم الى محكمة القانون.. ولكن من يسوقهم وكلهم عصبة متحالفة عليك..(لا تقول شعليه) فاولادك والاحفاد في خطر دائم نحو نهاية محتومة ان لم تزيلهم من الوجود .. انه يوم الصور…يولا ينفع فيه لا مالُ ولا بنون…الا من أتى الله بقلب سليم..؟ لم يبقَ للعراقيين غير الله ان سمعَ شكواهم.. وأمر بالتنفيذ .. أقلبها على رؤوسهم يا قدر وأجعلهم مثل قوم صالح ..وأهلكهم بالصيحة .. كعادٍ …وثمودَ فما أبقى في العالمين..وسيرون..؟