5 نوفمبر، 2024 7:22 ص
Search
Close this search box.

الخير الثالث: مفقود

الخير الثالث: مفقود

((وإذ قال ربك لملائكة إني جاعل في الأرض خليفة))
((فقلنا أهبطوا منها إنك بعضكم لبعض لعدو))
عندما أخطأ أدم عليه السلام، أنزله الله إلى الأرض معاقباً وليس خليفة. ونتيجة هذه العقوبة إن الأرض لم يكن فيها خير أبداً ولا حتى شحيحه. لذلك كانت الأرض جرداء لا حياة فيها إلا الجبال والأنهار والوديان وتلك التضاريس التي كونها الله بعد الانقسام القاري المعروف والذي كان العلة وراء تهيئة الأرض لأدم وذريته. وهذا التغيير قضى على كافة المخلوقات التي كانت على الأرض والتي يعرفها العلماء بأسم (الديناصورات) أو العظيات العملاقة. وسبب إنقراضها بلا علة واضحة كان بسهولة إن الأرض لم يكن فيها أي طبقة للأوزون (الغلاف الجوي) وكانت تلك الحيوانات متكيفة على العيش على اشعة الشمس المباشرة واستنشاق الأوكسجين والهيدروجين غير المتحدين وغير المذابين لذلك أنزل الله الجليد وأذابه في عملية بسيطة خلفت الملايين من الأطنان من السحب والغيوم التي جعلت الأرض مطيرة لفترة طويلة من الزمن أغرقتها وهيأن تربتها لتكون صالحة للزراعة ونفقت الحيوانات لأن الأوزون خنقها فلم تعد تستطيع الأوكسجين الحر في الهواء ولم يعد يكفيها فماتت اختناقا لذلك لم يرى العلماء أي أثار للضربات او الجروح على اجسامها لتؤكد نتيجة الصراع الدامي وراء إنقراضها ولم يروا أي اثار حروق تدلل على سقوط نيزك كما ذهب فريق أخر من العلماء.

وهكذا صارت الأرض مهيئة بسماد عضوي متكون نتيجة تفسخ تلك الحيوانات التي تحول الكثير منها إلى نفط اسود صار ثروة للشعوب وأخر تحول إلى سماد عضوي فصضار أيضا ثروة لشعوب أخرى. وبنزول أدم معاقباً لم يكن أمامه إلا أرض مهيئة للزراعة ولكن لا زرع فيها فأنزل الله عليه أوراق النخيل وغصن السدر. وهداه للزراعة، فكانت الزراعة الخير الأول الذي صنعه الإنسان بيده ولم ينزله الله كاملاً ليدل على حث الإنسان على العمل لذلك قالوا (العمل عبادة).

وعندما هاجر النبي أدم ووصل في النهاية إلى جبل من جبال مكة واستراح فيه، رأى إنه مكان مرتفع قد يوصل كلامه لله كي يتوب عليه، فنادى ربه بكلمات الدعاء، وقبل أن يستجيب له، ترأى له الشيطان في أسفل الجبل من بعيد يحثه على ترك الدعاء لأن الله لن يسمعه وإنهما صارا عدوان، وعليه أن يفكر كيف يحارب أو يتعاون معه ليخرجا من الأرض ويعودان إلى الجنة، لكن سيدنا أدم عليه السلام نزل مسرعاً نحو الشيطان وصار ينحني على الأرض ويلقف ما يأتي بيده من حصى ويرميه خلف الشيطان كي يبتعد عنه، وكررها ثلاث مرات فكلما نفد الحصى من يده انحنى والتقط المزيد. ورجع إلى الجبل ليكمل دعاؤه ويستلم التوبة. فكان الجبل الذي عرف فيه أدم شر الشيطان ولم يستجب لوسوسته بجبل (عرفات) وصارت المطاردة شعيرة من شعائر الحج. وكان هذا الخير الثالث. فقد عرف أدم عليه السلام إن محاربة الشيطان والتغلب عليه بكل وسيلة باليد أو العقل أو القلب هي الخير الثاني. فهذا الخير لم ينزله الله مع أدم بأن يكون منزه من ارتكاب الأثام بل جعله خيراً يصنعه بيده. وكان كذلك.

وبعد أن خلف ادم ذريته. وكبرت وعلمهم أدم الخيران: العمل (الزراعة والصناعة) والتقوى (محاربة الشيطان) عاشوا جميعا على هدى الله حتى ارتكب قابيل أول جريمة فقتل أخاه هابيل. فكان قابيل أول من ولد على وجه الأرض وكان هابيل أول من مات فيها. فلما ارتكب قابيل هذه الجريمة عرف الخير الثالث وهي (حسن الخلق). فكان من سوء الخلق التعامل مع الأخرين بعكس ما قال الله. ففقدنا نحن البشر الخير الثالث وكانت النتيجة الحروب والدمار الذي صار إلى يومنا هذا.

فشل الشيطان في صرف أدم عن خيريه الأول والثاني ونجح فيهما أيما نجاح، ولكن الشيطان نجح في جعل البشر يفقدون الخيرالثالث عبر ابنا أدم ونجح أيما نجاح.

عندما نفكر اليوم في هذه القضية نرى إننا لو تعاملنا مع الأخرين وفق قواعد وأسس الخير الثالث، لنجحنا في بلوغ المعالي والوصول سريعاً إلى قرب الله ولكننا نحاول بكل الوسائل أن نبتعد عن الله ونقول في النهاية (يا رب أغفر لي). طيب لماذا لا نمتنع عن الشر وبالتالي يكون دعاؤنا (اللهم أرزقنا الجنة) وهي لنا! فلماذا نرتكب المعاصي وفي نهاية المطاف عندما نرى إن شرها رجع علينا نستغفر ونلوم الشيطان، وفي النهاية من فعل هو الإنسان وليس الشيطان.

وهناك مبدأ التسيير والتخيير الذي جعل الكثير من الناس يرمون على الله والعياذ بالله الجليل الملامة على إنه خلقنا في وضع ولم يخلقنا في وضع أخر. ولكن علينا أن ندرك إن التسيير في حياة البشر مقتصر على: الولادة والموت والمرض الولادي والوراثي. فلن تتحكم الأم ولا الأب في يوم مولد أبناؤهما ولكنه يوضعون لهما الأسماء. ولا يتحكم الأب والأم بالمرض الذي يبتلي الله به الكثير من عبادة ساعة ولادتهم وهم خير قادرين على منعه فهو من أمر الله وأخيرا لا يعرف الإنسان متى وأين وكيف يموت. هذه هي المسييرات في أمورنا أما خلاف ذلك فهو التخيير. فالله يخيرنا بين أن نعمل ونكسب أو نكسل ولا نكسب. فلو عملنا كسبنا ولو جلسنا في مكاننا لم نحصل شيء. فالرزق خيار أعطاه الله لنا ولكما سعينا وعزمنا وتكولنا على الله سيفتح لنا الله باب من الرزق نكسبه من يدنا ببركة رب العالمين وهو يوزع الأرزاق على من يستحق وكل كيفما يستحق. ولو كان كل ما كسبت أيدينا من الله فالسرقة حلال لأنها عند اللصوص عمل ورزق من عند الله والعياذ بالله الكريم وكذلك الربا وإن تعدد أسماءه اليوم. وكذلك التطفيف في الميزان وغيرها فمن يكسبها فهو عبدا للشيطان، بل من يرزقه الله ويبخل في انفاقه خرج من ذمة الله. إذن هو قانون وضعه الله ويسير عليه البشر مخيرين بين سلوك الخير الذي فيه أو السير في الشر الذي يبتدعه الإنسان.

فإذن كل ما يجري لنا اليوم من أعمال ومن بلاء على البلدان والشعوب فهو من أيدينا فما فساد الساسة إلا نتيجة سيرهم في سلوكهم المنحرف البعيد عن الله، وفساد الناس يقع في إتباعهم السلوك المنحرف في الأخلاق. وكلما صلحت الأنفس صلح البلدان والناس. فمتى يعرف الناس والمسلمين بالخاصة إن ينبذوا إتباعهم الشيطان في كل خطوات حياتهم.

وكل هذا لأن الخير الثالث مفقود.

أحدث المقالات

أحدث المقالات