23 ديسمبر، 2024 4:14 م

ـــ نريده وطناً نموت من اجله ــ لا ان نموت على ايديهم .
الخيانة حالة سقوط (مسخ) اجتماعي , تبدأ مع خيانة الذات (الأنسلاخ عنها) اسبابها اجتماعية وقد تكون قاهرة احياناً, تدفع بالخائن حتى قعر الحقارة المطلقة , حالة لا يهم الخائن فيها ان يكون سافلاً حقيراً من خارجها , كما لا يعير اهتماماً للرأي العام , انه لا يحترم نفسه اصلاً , عندما يكون رئيس حكومة او مسؤولاً كبيراً او قائد لحركة قومية او طائفية او رئيس حزب , فيصبح مظهر خياناته مموهاً (مهذباً) كما هي عمالته وفساده وارتباطاته الأرهابية ومنظومة رذائله .
صدام حسين مثلاً: ارتكبت خياناته مجازر وحشية , جند فيها حزبه وحاول ان يجعل من المجتمع شريكاً, تعامل مع ضحاياه ارقاماً بعد ان سقط الى قعر حقارته المطلقة , القيادات الكردية نموذجاً , عبثية الأقتتال بين الأخوة عام (1996) اشرك الحزب الديمقراطي الكردستاني فيها قوات النظام البعثي , مجزرة راح ضحيتها الألاف من الأبرياء , تلاشت ذكراها بعيداً في مجاهل التاريخ , لم تتحسس القيادات وجع الضحايا والأرامل والأيتام وانكسارات المعوقين والمغيبين والمهاجرين , واخفت الكارثة داخل عتمة سيرك البهلوانيات القومية .
الخيانة الأخيرة (المؤامرة) , التي كان يوم 10 / 06 / 2014 ساعة صفرها في احتلال ثلث جغرافية الوطن, رافقتها مجزرة (سبايكر) وفجائع الأبادات والسبي والأغتصاب التي تعرض لها الأيزيديين والمسيحيين ومكونات عراقية اخرى , تلك التي اشتركت فيها اغلب اطراف العملية السياسية , مرت بالنسبة للفاعلين , من دون ان تترك وخزة ضمير , انهم ومن قعر الحقارة المطلقة , تعاملوا مع الضحايا حدث طاريء مسبوق , يمكن حصره داخل قوسي النهج الثأري للسفالات والحقارات السابقة واللاحقة .
الخيانات السياسية , تسبقها دائماً ميول للتبعية والعمالة , يعتبرها البعض حالة ذكاء اوشطارة , يتباها رموزها بشبكة ارتباطاتهم وعدد الجهات التي يعملون لها او معها , فأصبحت لديهم خيانة الذات والجماعة ثم الشعب والوطن , وسيلة لها من الغايات ما يبررها , من دون الشعور بسقوطهم في قعر الحقارة المطلقة .
ينتهي الخائن لا شعورياً الى حالة انهيارات , يعاني اوجاعاً نفسية معنوية وضيق خبيث يجتاح مفاصل حياته , انه في حالة هروب دائم الى الأمام , قلق منهك مستسلم لمخدرات العادة , والأكثر احراج (مأزق) في الخيانات , تلك التي يسقط فيها المثقف (المستثقف) , فيُمسخ امياً امام مكرمة من خائن سياسي اكبر , انه عندما يقرر خيانة مبادئه ومواقفه وقناعاته , عليه اولاً ان يخلع شرفه الوطني كما هو السياسي , انه يتعرى من قيمه (اشياءه) الداخلية , تماماً كما اصبحت فنادق اربيل , مبغاً عاماً لخونة الثقافة الوطنية .
في العهد الملكي , كانت الخيانات محصورة بعدد محدود من المسؤولين , وهم يرفضون تهمتها خجلاً , بعد سقوط النظام الملكي , واحتلال النفوذ الأمريكي مواقع الأستعمار البريطاني , خاصة ما يتعلق في العراق بعد انقلابهم الأسود في 08 / شباط 1963 , اتخذت ظاهرة العمالة والخيانات طابعها الجمعي , حزب البعث والقيادات الكردية وشرائح طائفية مختلفة مثالاً , مع ذلك وفي اسوأ مراحل التسلط البعثي (عمالة وخيانة) , لم تتجاوز الخيانات ابعد من تنفيذ المصالح والأطماع الأمريكية مقابل السلطة , ولم يرفع في حينها مشروع التقسيم راسه اويعبر عن نفسه علناً , بعد الأحتلال عام 2003 , اصبح مشروع الخيانة الكبرى لتقسيم العراق واقتسامه ثروات وجغرافية ومجتمع صارخاً منفلتاً مفترساً دولياً واقليمياً وادوات خيانية محلية واسعة .
بعد ان كانت الخيانات سلوك مستهجن , تتحرك في حدود ضيقة, سرية في اغلب الأحيان , اصبحت الآن ظاهرة عراقية مخيفة , ثقافة اكتسبت حالات فرز واستقطاب وخصوصية طائفية قومية عشائرية , ساحتها العراقية مسرحاً حراً لأدوار الخونة , المجتمع فيها تم افتراسه كما هي الدولة , العراق اُكمل تحاصصه اجزاء وفضلات , القسم الشمالي منه مفترساً كردياً ,والشمالي الغربي مفترساً سنياً (داعشياً) , الوسط والجنوب مفترساً شيعياً , حيث ابتدأ الأمر (التقسيم) مشروعاً ناضجاً من داخل السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء , مهندسه الحاكم المدني الأمريكي بول بريمر , وكان مجلس الحكم الموقت , مركزاً للتطوع , يتقدم اليه من يجد في نفسه الأستعداد الأجتماعي والأخلاقي والنفسي لأرتكاب تلك الخيانة الكبرى , ليستمر العراق في قبضة المشروع الأمريكي للأنهاك معلقاً بين التقسيم (التحاصص) الفعلي وثرثرة الشراكة الوطنية .
عندما انسحبت القوات الأمريكية من العراق , تركت مصيره محكوماً في زنزانة نظام التحاصص والتوافقات , ومسلسل حكومات الطوائف والأعراق , ودستور للفتن المؤجلة , وديمقراطية لا يرتديها الا من يُفصل نفسه معوقاً على مقاسها , ومع ذلك , استمر الرأي العام العراقي عائق جدي امام مشروع التقسيم , الذي كان مقدراً له ان يضع العراق في مزاد آخر مرحلة من صفقات وجوده .
يوم 10 / 06 / 2014 , كانت ضربة شبه قاضية , وجهت الى الرأي العام العراقي , افقدته توازنه واربكت وعيه , يرى الواقع مقلوباً والرؤيا مشوهة  والخيانات متداخلة , ثلاثة ارباع العملية السياسية تخون , احزاب قومية وطائفية كانت يوماً معارضة , تتصدر العملية السياسية تخون , طوائف وقوميات ومكونات وعشائر تخون , اربيل المكون الكردي , تصبح مركزياً لأدارة عمليات الخيانة , دواعش المكون السني تحتل نفسها ودواعش البيشمركة تسترجع متنازعاتها , يندمج اشقاء الخيانة في جورة حميمية , ونوايا مشتركة لأكمال تقسيم المتبقي من جغرافية العراق حتى مراضع الثروات الوطنية في الجنوب العراقي , هكذا كان منطق الأفتراس الخياني .
الدستور احيل على التقاعد , فسخ عقد الزواج الموقت مع الديمقراطية , العملية الأنتخابية والأستحقاق الأنتخابي , رفعت مفرداتها من قاموس المقبولية والأجماع الوطني , اصبح الواقع العراقي موحشاً والأفتراس الخياني واقعاً , في لحظات المسخرة , تشكلت حكومة الصفقة من عناصر الرصيد الأمريكي لقانون تحرير العراق لعام 1998 ومنحة الـ (97) مليون دولار , ظهرت على مسرح العملية السياسية وجوه الخذلان وطراطير المادة (4) ارهاب واخطبوط الخيانات التاريخية للتحالف الكردي لصاحبة الرئيس المعتق .
في الوقت الذي حققت فيه قوى التقسيم القفزة الأهم على طريق التجزأة , استيقظ الرأي العام العراقي على نداء الوطن , قلب الطاولة على رؤوس اطراف الخيانة , كان متطوعو الحشد الشعبي, غطاء عراقي ونواة  لجيش وطني يتشكل, اوقف التمدد الدواعشي وحُجم نفوذه وفُوتت الفرصة على مشروع التقسيم , اصبحت فواصل المواجهات بين الوطن واعداءه , مرسومة بدم الشهداء تحاول, انه العراق عندما يقول كلمته , قطعان العمالة والخيانة تحاول الإلتفاف على تلك الظاهرة الوطنية وطرح بديلهم (حرس وطني!!!) لفتنة التقسيم, يحشدون دواعشهم من داخل العملية السياسية وخارجها لأسقاط الوطن والأستحواذ على فضلات التقسيم , انها اطراف خلعت المتبقي من اسمال شرفها الوطني , تفترس العراق بفسادها وخياناتها.