18 ديسمبر، 2024 9:16 م

الخيال في القصيدة السردية التعبيرية

الخيال في القصيدة السردية التعبيرية

اعتقد قد آن الاوان ان نتحدث عن القصيدة السردية التعبيرية , هذه القصيدة التي تحاول الانفلات من تبعية قصيدة النثر والانعتاق من ارثها والانطلاق في محيط خاص بها وبعيدا والتحليق عاليا في سماوات مشرقة .نحن نعلم جيدا بان اول المرجفين والمشككين بالقصيدة السردية التعبيرية سيكون اصحاب القصيدة العمودية , سيتهمونها بتشويه الذائقة وما اعتادت عليه الاذن من موسيقى ووزن وبحور الخ . ونلعم جيدا للآن هناك صراع ما بين قصيدة النثر والقصيدة العمودية , ونعلم ايضا بان هذا الصراح سيستمر , فكيف اذا جئنا بالقصيدة السردية التعبيرية !! .

ان ما حققته قصيدة النثر عجزت قصيدة العمود عن تحقيقه , فلقد جاءت بلغة مغايرة جعلت الكثير من شعراءها يغادرونها الى قصيدة النثر والابداع في كتابتها بطرقة مذهلة . واليوم ظهرت القصيدة السردية التعبيرية بلغة العاطفة القويّة في صحّتها واستمرارها وتجانسها وخصوبتها وحسن عرضها , والمشاعر العميقة الصادرة من القلب والغازية له من اوسع الابواب . هذه اللغة المشحونة بالعواطف القويّة تحرّك الاحاسيس لدى المتلقي وتحيّ شعوره بالجمال وتغذي النفس بالمتعة والدهشة . هذا الكمّ الهائل من المشاعر والاحاسيس والعواطف مصدره الشاعر , لذا فعليه ان يبثّ عاطفته العميقة وشعوره الفيّاض في اسلوبه وفي نفوس القارىء والمستمع , وكلما كان صادقا في مشاعره وعواطفه كان اكثر قربا من الجمهور . يقول ( انيشتاين ) انّ الخيال اهم من المعرفة وهذا يعني بان الخيال بالنسبة للادب هو مفتاح العاطفة وانه اشبه بالمستودع الذي تستمد منه قوى النفس مادتها الاولية . لذا على الشاعر ان يمتلك خيالا خضبا منتجا يجعلنا نتلمس المشاعر ونتصورها شاخصة ملموسة نتحسسها ونتشمم عطرها :

( أغصُّ بـ الانتظاراتِ الطويلةِ علقمها يجرّحُ انفاس مواويلي )

( والذُّ صباحاتي انوثتكِ اليانعة تلتهمُ اوجاعَ ليليّ )

( ألمسُ أنفاسكِ تحت ثيابي اخبّىها ألثمُ نعومة الازهار فيها )

( مذ نعومة اظافر وعيّ احببتكِ عنفاً يزلزلُ ذكرياتهنّ )

فهناك خيال بسيط وهو ما تدركه الابصار وحاسة البصر , وهناك الخيال المركّب عند الشاعر الذي يستطيع خلق صور عما يشاهده او يقرؤه او يحسّه صورا لا عهد لنا بمثلها نقف عندها تصيبنا الدهشة , تعمل على اثارة العواطف وتمنح القصيدة حياة متجددة , وتشويقا يجتذب المتلقي اليها .

نماذج من قصائد تعبيرية

لو كان بيدي عصى سحرية بقلم : رشا اهلال السيد احمد سوريا
لشكلت من أمطار قلبي شجيرات تنفرط في سمائك ولمحوت من وجه اللوحة الغيوم السوداء ولأبحرت في قلب الرؤى لجزر الأماني ونصبت في ساحة روحي سارية الفرح وقرأت عليك ما تيسر من شغف القلب بينما أشعل في القاعة الأمامية للروح قناديل قصائدك الحمراء وهي تنوس ببخور الجنون العميق جدا حد الثمالة على طريق الحرير المسافر في مدن نفسي البعيدة بينما اترك المرأة العنقاء داخلي تتطوف قصص الخلق الأول لنفس يخلق منها نصفها بينما تستمع لتراتيل الوجود الأولى وهي تخط الأسرار العميقة فينا ونحن في ذهول التكوين
لو كان بيدي لكنت ما أردت لكني أنا تلك التي أرادني هو أن تكون حسب ريشته حتى تمر بكل لوحات الذهول في قلب شاعرة تحترف نسج الضوء من غلالات الرؤى التي تشاكس قلبها في ساعات الفجر الذهول بينما تشهق الله الله .. لو كان بيدي !!!!!!

العنوان يبتدأ بـ ( لو … ) حرف الشرط الغير جازم وهو يفيد التعلق في الماضي والمستقبل . اي اي امتناع الجواب لامتناع الجواب . هنا تاخذنا الشاعرة رشا اهلال السيد في رحلتها عبر هذا الخيال الخصب والممتع جدا والمؤلم في نفس الوقت بلغتها السحرية . نلاحظ هنا كيف منحت قلبها امطارا على شكل شجيرات تحلّق في سماوات الاخر مستنجدة بها لتمحو الخراب مما حولها وتنشر الفرح , هنا نجد اللغة العميقة المنبعثة من القلب الذي يضجّ بهذا الكمّ الهائل من المشاعر الحقيقة ( استخدمت مفردة القلب خمسة مرّات ) ما يعني بانّ هذا القلب مشحونا بالكثير من الالم والغربة (لو كان بيدي عصى سحرية… وهي تنوس ببخور الجنون العميق جدا حد الثمالة على طريق الحرير المسافر في مدن نفسي البعيدة … لو كان بيدي لكنت ما أردت لكني أنا تلك التي أرادني هو أن تكون حسب ريشته .. ) .

أمنيات بزمن مكسور بقلم : عدنان جمعة – بغداد

لا شيء يؤنسني، حقولي منسية، وقلبي هالات نار كبرق نائر، والشمس مازالت تتراوح بكل التمنّي، وأسئلتي بخشوع الروح، نيران أوصدت بقبضتي، ورأسي رأس طفل ينتفض برغبته، عزائي فقدت مراسي الحنان، ورقصة فراشة بين زهرة وعطركِ، بزمن مكسور، أيأتي غداً وينجلي الظلام؟ أراكِ نوافذ مشرعة، تجلي جحيم غمامة عن خاصرة مدني، جف فيها اللسان والتعبير، أبتدئ بخطوات نشوتي، أتهجى تاريخ شفتيكِ، وأضمكِ شمالاً وجنوباً بين الجرح والجسد، أمنيات بدعاء مبتهلا، تزيل الهم غايتي، ويضيء فرح الليل، وألبس وجه البحر .

هنا نجد خيالا من نوع اخر استطاع به الشاعر ان يستخدم انزياحا لغويا شديدا (أمنيات بزمن مكسور … الشمس مازالت تتراوح بكل التمنّي … تجلي جحيم غمامة عن خاصرة مدني، جف فيها اللسان والتعبير . ) منح الزمن صفة الانكسار بينما الشمس اصبحت لديه تتراوح بالتمنّي وأنسنة المدن وجعل لها خاصرة تكلّلها غمامة بينما الغمامة منحها صفة الجحيم واللسان اتصف بالجفاف .

خيبة العطر بقلم : هدى الصيني – سوريا
أتيتك بكامل عطري أزرع الدروب حكايا وردٍ على ضفاف أنوثة تترقرق على كتف أزمانك .. وألملم أسرار الندى حين يبوح الرحيق لعذارى الليل ،أقطف عناقيد النجمات أعتقها في زجاجات النور نبيذا لأترع كؤوس الفجر بأنفاس الشمس فيخضر عود الفرح على أغصان الروح وتموت أشواك الحزن على جلد العمر وتتكحل مدن الضياء بشعاع اليقين ؛فكيف اختطفت قوافل النهار وأدرت أشرعة الغيم بعيدا عن حقولي لتهطل أمطارك في غير أكواني.

كيف يكون للعطر خيبة اذا لم يمتلك الشاعر خيالا خصبا جامحا … ؟؟! .هنا الخيال معطّر بلغة عذبة تترقرق كالينبوع ( وألملم أسرار الندى حين يبوح الرحيق لعذارى الليل … أقطف عناقيد النجمات أعتقها في زجاجات النور نبيذا … فيخضر عود الفرح على أغصان الروح وتموت أشواك الحزن على جلد العمر .. ) ’ للندى اصبح أسرار والرحيق صار يبوح لعذارى الليل بينما النجمات اصبحت عناقيدا تعتّق نبيذا في زجاجات النور والفرح اخضرّ على اغصان الروح بينما منحت الشاعرة الحزن اشواكا والعمر صار له جلدا , هذا البوح العميق لم يتحقق لولا الخيال الذي منحته القصيدة السردية للشاعرة ومنحتها فضاء شاسعا للابداع الجميل .

صمت المكان بقلم : عبدالكريم اليتيم – العراق
مابين الحزن واوراق شاعر يسكنها الصمت، على اعتاب الدهشة تذبل أمنيات العشاق ، تسطر الدموع غائرة في مكامن الوجع،فهي كالشرا رات تطير في الر يح وبركان قلب قد جربته المشاعل ،لكن الزنبقة البيضاء لم تزل تنام على سرير من مطر ،فيطرق السمع من بعيد ضجيج طفل يمحو قسوة السكون ،فنبحث عن حب يكون عيدا لنا ، وبطاقة ائتمان تحفظ اسرارنا فحكاياتنا مدفونة في جوف الليل ،وعند أبواب القلب ينتهي الموج ، وموج عينيك شراع ينحر الرياح ، ومسيح يأتي الى قيامة المدن الحزينة ،حينها بكت الدهشة ،وشهد شاهد من أهلها وغلقت ابواب ثرثرتها .

لنستمع لهذا الخيال الجميل (على اعتاب الدهشة تذبل أمنيات العشاق … لكن الزنبقة البيضاء لم تزل تنام على سرير من مطر … وموج عينيك شراع ينحر الرياح ، ومسيح يأتي الى قيامة المدن الحزينة ..) استطاع خيال الشاعر هنا ان يصوّر لنا صمت المكان حينما منح الامنيات صفة الذبول وللدهشة اعتاب وجعل الزنبقة البيضاء على سرير من مطر ومنح العين موج شراع بينما جعل للمدن حزنا تنتظر النقذ .

عصفور سومري…يعشعش في رحم احلامي بقلم : رحمة عناب
شفتاك حبتا رطب جنيتان كلما اهز جذع الامنيات تساقط في حضن احلامي جنينا سومرياً ينبجس معجزة تتوحد في رحم التّوله يليّنها صوتك حنانا يتدفق لؤلؤا يورق طيبا بنخيلك الباسق مذهولا أستجير دفء فؤادك اتناثر عصافيرا تغازل سعف صدرك تعشش أرشق الخجل بمجامير الفرح ابعثر اشلاءه افتح بكارته لأحلق على اجنحة أثيرك المتوقّد فتختمر نجومي هذيانا اذ ما عانقت تائقة بريق عينيك.يااااا لمدااااارتك!!!!تهيم معها نواقيسي تصافح انهيال طراوة عطرك في فضاءاتي هاطلةً وشوشاتك تملأ مسامعي فيا حبذا لو تتكوم سحاباتك شبقا تظلل شموسي.كم تابعت شهقاتك تعزف انهاري اغنية على كل السواقي زاهيةً تغسل أوهام العزلة بسلبيل اللهفة فأتهادى عذابا منعّما على سدرة لا تنتهي فهلّا أدخلتني فردوسك حافية النعليْن؟!!

من العنوان كان الخيال جامحا ( عصفور سومريّ ( فراغ ) يعشعش في رحم احلامي , لنقف هنا ونتساءل لماذا هذا الفراغ وسط العنوان ..؟ . استخدمت الشاعرة هنا مفردة السومريّ ومنحتها لهذا العصفور , حيث اخذتنا بخيالها الى حضارة سومر القديمة وجعلت المتلقي يعود الى ذلك الزمن الغابر وكيف عاد هذا العصفور من الماضي الى الحاضر , وحينما تركت ( الفراغ ) بين مقطعي العنوان بهذا الشكل بين الماضي والحاضر فهل يعني هذا الفراغ فراغا زمنيا او مكانيا او عاطفيا او نفسيا او وجدانيا او اي فراغ اخر .. ؟؟ ! . لقد استطاعت الشاعرة تصوير خيالها ببناء جملي متواصل وفقرات مركّبة غاية في الجمال ( شفتاك حبتا رطب جنيتان كلما اهز جذع الامنيات تساقط في حضن احلامي جنينا سومرياً ينبجس معجزة تتوحد في رحم التّوله يليّنها صوتك حنانا يتدفق لؤلؤا يورق طيبا بنخيلك الباسق مذهولا أستجير دفء فؤادك اتناثر عصافيرا تغازل سعف صدرك تعشش أرشق الخجل بمجامير الفرح ابعثر اشلاءه افتح بكارته لأحلق على اجنحة أثيرك المتوقّد فتختمر نجومي هذيانا اذ ما عانقت تائقة بريق عينيك … ) . نلاحظ هنا فقرة تتكون من خمسة اسطر تكتظّ بالصور المتلاحقة والمتناسقة بعذوبة رقيقة . الشفتان هنا رسمتهما كحبّتي رطب ورطب رطيب والامنيات تهتزّ وللاحلام حضن تساقط جنينا سومريّا ….. الخ . هنا نجد خيالا خصبا منتجا جعلنا نعيش داخل النصّ و يتغلغل الى النفس بدون استئذان .

موت بالإجماع بقلم : عامر الساعدي – العراق
صوت بنكهة الضباب ، يسير بعكاز على الندى ليثمل الشجرة الوحيدة في حديقة بيتنا ، الشجرة التي تدر علينا ملامح فاكهة ، ونحن نعيش بصراعات العواصف ، بين جوع، وبين خوف يصعق ثورة أفواه ، وعند الصباح تخرج أمي بكفوفها السوداء ، ونزيف عينيها المائل للثلج ، مثل بياض حفنة ملح ، ثم تلملم الضباب حتى كاد يتلهب صوتها ، عبر اثير الشمس القادم من الشرق الاقصى ، اما العصافير صارت مثل قطعان تهذي عند الماء ، لا تجيد غير عزف سمفونية الاحلام ، بمناقير تبتلع الحزن الاخضر.

استطاع خيال الشاعر هنا ان يصوّر لنا محنة الانسان عبر مقاطع زاخرة بالصور والغرابة (ونحن نعيش بصراعات العواصف ، بين جوع، وبين خوف يصعق ثورة أفواه ، وعند الصباح تخرج أمي بكفوفها السوداء ، ونزيف عينيها المائل للثلج ..) . جميل جدا هذا الصراع بين العواطف المرهفة في زمن الفجيعة والتشظّي , الشاعر استطاع بلغته هذه استطاع ان ينقل الينا الواقع بطريقة جميلة جدا .. / صراع / جوع / خوف / صاعقة / ثورة / السواد / النزيف / مفردات جميعنا نمرّ عليها يوميّا ونتداولها فيما بيننا , لكن خيال الشاعر استطاع ان يمسك بيدنا وياخذنا الى عالمه هذا ويقحمنا داخل النصّ .

أيَنَكَ مْني؟؟؟ بقلم : ظمياء ملكشاهي – العراق
لَمْ يَبْقَ سِوى تصْهالٍ عتيقٍ يَتَشَظى في أروقةِ ألمَنايا مُحْتَدِمَاً , يُجِيْلُ الطرفَ مُدْلَهْمُ الخُطى ,يَنْتَبِشُ الرؤى.يَتْرُكُ على جُذاذةٍ مُهْمَلَةٍ تاريخُنْا الهادرِ .يَأتَزرُ بأشواقنا الباردةِ تُثلِجُها الأدواءُ .يَخْبُ في يَفَنِ المنايا مُتْعَباً مَنَ التسيارِ في الذكرياتِ اللاحقةِ,أَيْنَكَ منْي وقدْ تَشَظتْ أحلامُنا أمشاجاً تَنْثُرُ شِعافها على الوهادِ البعيدةِ ,تَغتَرفُ مَنَ التنائفِ يَبَابَ سرابِها .فاغيةٌ بما تبقى في يدي ,تفغمُ الحكاياتِ بأسرابِ الذكرياتِ المغادرةِ, تنشرُ ناعبةٍ ضِرامَ الشوقِ الخابي.رأدَ الضُحى تخومها بالحقيقةِ ينثُ الرهام آخر ُ الغيثِ على سواقي الضجرِ .وقدوضحت الطوايا تستنبتُ الأسى في كذباتنا المهشمة ِ,تنخرُفي آخر العذوقِ المدلاِةِ من خمائلنا الذاويةِ شهدَ اللقاءِ الأخيرِ .تغفغفُ غير آبهة بالريحِ تجرفُ آمادها الى النهاية,يلغو طيفها بآخرِ تُرَهاتنا عن الحب الكبيرِ ,تهب فوديها ألى الريحِ تنكشُ ذكرياتٍ مملحةٍ لتنجو من نكهةِ اليأسِ المريرةِ ,فأينكَ مني ؟؟؟

النصّ ابتدأ بالسؤال وانتهى بالسؤال , ماذا ارادت الشاعرة بهذا التساؤل وما تخفي نفسها من هموم ومشاعر واحاسيس تجول في اعماقها .. ؟ . (لَمْ يَبْقَ سِوى تصْهالٍ عتيقٍ يَتَشَظى في أروقةِ ألمَنايا مُحْتَدِمَاً , يُجِيْلُ الطرفَ مُدْلَهْمُ الخُطى ,يَنْتَبِشُ الرؤى.يَتْرُكُ على جُذاذةٍ مُهْمَلَةٍ تاريخُنْا الهادرِ .. ) . بلغتها الغريبة المستفزّة صوّرت لنا جموح خيالها من خلال هذا النصّ وحبست انفاسنا من البداية الى النهاية ونحن نطارد مفرداتها وجلتنا نقف بصمت بين سؤالين وحيرة وترقّب .

كيمياء الانفلات بقلم : عبدالسلام سنان .. ليبيا

غيمٌ تسلل من نافذة الأرق، فكرة الشمس الخجولة، ينضج على ضفائرها البرتقال، تنبشُ قيامة لحائها العاري، تناهز قامتها الريح، أجيج الصدى، يفضُ بكارة شغفٍ ودود، تجلد خطيئة ثقوب خرساء، رقصت على عنق المساء، فراشة ضوء بنفسجية، عريشة ودٍ وخميلة تفاح أخضر، ترانيم عذوبة من فيضِ نهرٍ رقراق، آخر رشفةٍ من فقد الدروب، تائهة كأمنيات الشرفات المهجورة، استنفدت كل طقوس الانتظار، على أرائكِ العطش سأسقط سقوطًا مدويًا، تمارسين وسواسكِ القهري، وألملمُ أنا رهقي وشظايا انشطاري، الأخيلة الباهتة أفسدت فصاحة الضوء، أرغمت الشمس على السكون، بياض كفّكِ حقل الرغبات، طائشٌ ذاكَ النمش، يغزو كتفكِ الحنطي، كأنها سهام تنفد في خاصرة الشهوة، رجفة نهدٍ خلاسي اللمع، يتسوّل اللمس اللعين، ضوء متسارع يمجّد عناق رحيم، رعدة كمون لانسياب الخضوع، آخر النزق، خريفكِ جدائل الصهيل، يقتفي أثر حقول التفاح، مدائن النرجس تنصب فخاخ السهر، تشعل صخب المآدب، تجاعيد عتمةٍ صافنة، تهب للريح سطوتها، الفقد أن ترحل عن مدينتي زرقة الشطآن، تتقوّس جذوع النخيل، الحزن أن أكتبك بشغفٍ وتأبى القصيدة اقتناصكِ بلحظةٍ فائرة، همس الأبنوس اللاهف، لانحناء الشمس اللافتة، مواسم النعناع البازغ على شفاه شغوفة للبلل، الليل منديل مطرّز الشغف، ميْلة انكفاء على كتفِ الوشوشة، كرفّةٍ منمّقة البهاء. .

بلغة تجريدية مبهرة اخذنا خيال الشاعر بعيدا في مداراته الجميلة (خريفكِ جدائل الصهيل، يقتفي أثر حقول التفاح، مدائن النرجس تنصب فخاخ السهر، تشعل صخب المآدب.. الليل منديل مطرّز الشغف، ميْلة انكفاء على كتفِ الوشوشة، كرفّةٍ منمّقة البهاء. ) . لنقرا بحذر شديد هذا البوح العميق كيف استطاع الشاعر ان يمنحنا هذه الفسحة من التأمل والتماهي مع النصّ , خيال خصب ولغة ابداعية مبهرة تأسرك منذ الوهلة الاولى .

الرّاسخون في الحياة بقلم : هنده السميراني- تونس

ذاك الفرح يتربّص بأوجاعي، يباغت حلما راود سنيني فيسقط جدار الحزن كان أبيّا على البسمات..كان عصيّا على معاول الإرادة ما فتئت تحطّم دمعا تحجّر في المآقي..
ويستفيق شعاع النّور نام عميقا، يتسلّل رويدا رويدا بين فجوات فؤاد ظلّ على جرف الأنين،يخشى في كلّ حين أن يهوي فتتلقّفه أيدي العابثين، يناوئ ظلمة نفوس نسجها حقد دفين ويشهر بلسم الحروف تردّدها ألسن تلهج بالحبّ عقيدة الرّاسخين في الحياة..وبهت الذي ظلم .

هنا نجد خيال اللغة في طغيانها وحضورها القويّ في فقرات القصيدة السردية التعبيرية (ويستفيق شعاع النّور نام عميقا، يتسلّل رويدا رويدا بين فجوات فؤاد ظلّ على جرف الأنين،يخشى في كلّ حين أن يهوي فتتلقّفه أيدي العابثين ) . نلاحظ بان الشاعرة منحت النور / شعاعا / يستفيق / النوم العميق / الحركة / الاحتواء / البقاء / الخوف والخشية / السقوط .. هذه المفردات بعثت في النصّ حركية وانزياحات ما كانت لولا امتلاك الشاعرة كل هذا الخيال الجميل .

فنجان بقلم : محمد محجوبي – الجزائر

حين يكون مهيجا بحرارة القهوة الزاهية . تنتفض الرغوة البنية الداكنة في جوف الفنجان حيث تسكن محطات تتوثب على إثرها جرعات دفينة . كما يليق لتلك القهوة أن تبني عالمها المضطرب على سديمه . تارة يعج في غوغاء السراب وتارة أخرى يغفو لكي يقطف الشعراء النازحون ثمر الحياة .
بينما يظل ذالك الفنجان مبهورا بشكله الدائري يمتص الحزن من عضات المتكالبين على وشمهم المنمق باللهث حتى يسعل لهم التاريخ سعاله الجاف في حضيض هوامشهم المشهودة القتال من سليل ليل أكول .
فالفنجان لا يكون دائما طقس من شراب قهوة متبرجة صباحاتها الغائرة الأزمان . فهو معضلة في الشجون كلها . حين يكون طلسما مقروء بنباهات المرتادين على أحشائه التنبئية وهي تثير زوبعات التمظهر بين خيوط زبدية وبين رسموم تتراءى بلثم سحري في الدوران .
حينها تهرع الدنيا فنجانها المدلل لتقرأ عسير بيانات تختصر مسافات الهذيان . والفنجان عالم ينمو فتخترقه دهشة وعينان .

محمد محجوبي

استطاع الشاعر في هذه القصيدة ان يبعث الروح والحياة في ( فنجان القهوة ) عن طربق خياله الخصب (بينما يظل ذالك الفنجان مبهورا بشكله الدائري يمتص الحزن من عضات المتكالبين على وشمهم المنمق باللهث … فالفنجان لا يكون دائما طقس من شراب قهوة متبرجة صباحاتها الغائرة الأزمان ) . هنا منح الشاعر للفنجان احساس بنفسه وانبهار وكيف استطاع ان يمتصّ الحزن من الاخرين وطقسا بينما اقهوة كانت صار صباحات متبرجة وحضور زماني .

الأوراق الخضراء بقلم : نعيمة عبدالحميد – ليبيا
مغادرة حزمت أمتعة الأيام، وسنوات الضوء. تركتني أسيرة نفق من جحيم اينع تصدر شاشات السكون لم أجد له نعوت! لم أجرؤ عبور قلب فقد الحارس و الميناء مافتىء يتسأل هل تعود لتقول : لم أعن بالأوراق الخضراء بقدر ما أخذتني حنكة المتساقطة ؟
لك أن ترى كيف أعاني خسراني ؟ مشحونة بجنوني الكئيب .
قيثارتك الحزينة وافرة اﻻﻻعيب اوصلتني لاضيع عن ذات جعلت من عيدها البائس قلادة نحتت عنقي . يمكنها اخبارك عن اختفاء الاهلة في منفاي،و انتهاك الوقت احالني شجرة تتعرى أمامك لتورق بهمس الخطيئة بينما كنت انت تلك التي تحتفظ باوراقها العتيقة بكامل الغبار و الأتربة. اهدتيني موسم التأرجح المخاتل، لطالما كانت الخيانة عاهرة و الفراق طهرها.

هنا استخدمت الشاعرةخيالها لترسم لنا احاسيسها ومشاعرها ( قيثارتك الحزينة وافرة اﻻﻻعيب اوصلتني لاضيع عن ذات جعلت من عيدها البائس قلادة نحتت عنقي . يمكنها اخبارك عن اختفاء الاهلة في منفاي،و انتهاك الوقت احالني شجرة تتعرى أمامك لتورق بهمس الخطيئة ) بهذا الكمّ الجميل من الاحاسيس والمشاعر جعلنا خيالها نتلمسها بوضوح ونتفاعل معها حيث القيثارة الحزينة / ووفرة الاعيبها / وصفة التاثير والضياع والاختفاء / بينما انتهاك الوقت منح الشاعرة صفة / شجرة / تتعرى / امامه / وتورق بهمس الخطئية .