شَهِدَ العراق في الثاني عشر من آيار الماضي، اسوء إنتخابات برلمانية ما بعد ٢٠٠٣، لما حملته معها من تراجع كبير في اعداد الناخبين، بالإضافة الى عمليات تزوير فاضحة، ونتائج مزيفة لعملية العد والفرز الإليكتروني، بسبب سهولة اختراق الاجهزة الجديدة، التي انفقت عليها المفوضية ملايين الدولارات في عقود حامت حولها شبهات فساد.
هذا الامر اثار حفيظة النواب الخاسرين، ودفع بهم الى تعديل قانون الانتخابات بأثر رجعي, وإصدار قرار بتجميد عمل المفوضية الحالية, وانتداب قضاة من وزارة العدل، لإعادة العد والفرز اليدوي، والنظر بالطعون المقدمة من قبل المرشحين والاحزاب السياسية، هذا الامر أعطى بعض الامل لدى الخاسرين بإمكانية عودتهم الى البرلمان الجديد.
حاول النواب السابقون تمديد فترة وجودهم داخل البرلمان، لحين الانتهاء من العد والفرز اليدوي, والنظر بالطعون المقدمة الى المفوضية، مع انهم لم ينتبهوا الى قضايا اكثر أهمية من عودتهم للبرلمان، وتناسوا ان السيد العبادي لا يوجد لديه نائب ينوب عنه، في حال غيابه لأي سبب كان، واعتمدوا على المادة (81) أولاً:- من الدستور (يقوم رئيس الجمهورية، مقام رئيس مجلس الوزراء، عند خلو المنصب لأي سببٍ كان) وهذه المادة تنفيها المادة (72) بالفقرتين أولاً:- (تحدد ولاية رئيس الجمهورية بأربع سنوات) وثانياً:-أ- (تنتهي ولاية رئيس الجمهورية بانتهاء دورة مجلس النواب) اَي إن سلطة رئيس الجمهورية تنتهي قبل سلطة رئيس مجلس الوزراء، اما المادتين السابقتين فإنهما تتحدثان في حال وجود البرلمان، لا في حال انتهاء مدته التشريعية، حسب المادة (56) اولاً من الدستور (تكون مدة الدورة الانتخابية لمجلس النواب اربع سنوات تقويمية، تبدأ بأول جلسة له، وتنتهي بنهاية السنة الرابعة)، بما ان الدستور ربط مدة ولاية رئيس الجمهورية بعمر الدورة الانتخابية، فهذا يعني انتهاء صلاحيات رئيس الجمهورية بنهاية البرلمان، حينها لا يحق لرئيس الجمهورية ان يكون بديلاً لرئيس الوزراء الغائب، وعليه سيدخل العراق في النفق المظلم كما يعبر عنه الساسة.
اذا اصدار مجلس المفوضين المنتدب، قرار بفشل الانتخابات, وعدم مشروعيتها بسبب التزوير، سيدخل العراق في مأزق لا يمكن الخروج منه، لأن البرلمان السابق قد اصدر قرار بتجميد عمل مفوضية الانتخابات، وانتداب قضاة بدلاً عنهم، لإعادة العد والفرز اليدوي، وفِي هذه الحالة يتطلب من الحكومة إصدار قرار بإعادة المفوضية الى ممارسة عملها السابق، وطرح مشروع قانون جديد للانتخابات، فجميع تلك القرارات تحتاج الى تشريع من مجلس النواب، والمصادقة من رئيس الجمهورية، حينها لا يوجد برلمان يشرع القوانين, ولا صلاحيات لرئيس الجمهورية من اجل المصادقة، لأن المادتين (56) اولاً و (٧٢) أولاً وثانياً -أ- أنهتا المدة الدستورية لكليهما.
هذا اذا بقى السيد العبادي محافظاً على الدستور، ولم ينقلب على العملية السياسية، لأنه فقط من يمتلك الصلاحيات في ادارة الدولة، والحامي الوحيد للدستور، ولا توجد اَي سلطة اخرى اعلى من سلطته حالياً.
لذلك سيضطر مجلس المفوضين المنتدب، الى القول بمطابقة النتائج، وصحة الانتخابات ومشروعيتها، لأنه يفتقر الى الخيارات الاخرى، وهذا الامر بذاته جعل من عملية العد والفرز اليدوي لا القيمة لها، حتى وإن كان هناك نسبة تزوير عالية تصل لـ ٩٠٪، لأن المفوضية أصبحت مجبرة على القول بمطابقة النتائج والمصادقة عليها، والا سيدخل العراق في فراغ دستوري حقيقي، حينها تبدأ المغامرة الحقيقية بمصير البلد، كان من الاجدر بالبرلمان المنتهية مدته الدستورية، عدم الذهاب الى التعديل الثالث لقانون الانتخابات، وترك العملية السياسية تمر بما تحمله من اخطاء وشبهات تزوير، لعدم وجود قوانين دستورية صارمة تحمي العملية السياسية في العراق.