لا اعرف إلى أي حد مصطلح ( المخنث السياسي ) متداول لدينا في مجتمعاتنا السياسية، لكنه في هيئته الانكليزية ( politicall androgynous ) ربما يعطينا وضوحا في دقة معناه، رغم عدم تداوله كثيرا في الأدب السياسي العربي والشرقي عموما، فهو يعبر بشكل مركز عن عدم وضوح هوية المخنث السياسي، بالضبط كما تعني في العربية من ناحية جنس الفرد ذكرا كان أم أنثى، فهو رمادي اللون إذا أردنا الوصف بين الأسود والأبيض، ويحمل ضربات لونية من الاثنين، وهو بطبيعته يميل إلى انتهاز الفرص التي تسنح له بالحركة فهي مجاله الحيوي، خاصة في الأزمات وأبان عمليات التغيير الحادة، وقد شهدنا أفواجا من هؤلاء المخنثين سياسيا منذ قيام الجمهورية الأولى في العراق وحتى بدأت أوضح عملية ظهور للمخنثين بل اكبر عملية تصنيع للخناثة السياسية بعد نيسان 2003م؟
وازعم إن كلا منا لا يحتاج إلى بحث أو تمحيص دقيق لكي يتعرف على نماذج من هؤلاء المخنثين سياسيا واجتماعيا وإعلاميا بدءاً من قريته أو محلته وانتهاءً بالمجتمع السياسي الفوقي حيث تتضح الصور هناك مزركشة أكثر ومالكة لوسائل تمويه وخداع واليات عمل ( أي سي، دي سي Ac,Dc ) كما يقول العراقيون للشغالين بوجهين والمنافقين من المرتزقة الانتهازيين الذين يجيدون اللعب على كل الحبال وينافسون الحرباء والضفادع بسرعة التلون مع الطبيعة والبيئة التي يعيشون أو يعتاشون منها، وقد بانت عوراتها بشكل واضح بعد انهيار نظام صدام حسين الذي احتوى الكثير منها خلال حكمه وتخرجت من مدارسه لتستقبل العصر الجديد بخبرات واليات متقنة سهلت لها عملية التسلق المالي والإداري.
واذكر للتاريخ نماذج من الوسط الإعلامي والسياسي وللأسف حتى الفكري والأكاديمي ممن ساقتهم خناثتهم السياسية أو الإعلامية إلى منحدرات وقيعان آسنة، مستغلين فيها طيبة هذا الشعب ومأساته عبر تاريخه وتشبثه بمن يعده بالعمل إلى جانبه وخدمته وهو يكن له كل الحقد
والكراهية، ظاهرا له المودة حتى يحقق مآربه الرخيصة في المال كأي بائعة هوى أو سمسار في سوق النخاسة!
في العراق وكوردستان ومنذ سقوط هيكل نظام البعث تهافت إليهما الكثير من المخانيث السياسيين والإعلاميين، بحثا عن متعة المال في رقصة اللواكه والسمسرة السياسية والإعلامية، فبعد أن أتاها مخنث عسكري خان شرفه المهني وحنث بيمينه الغليظ مدعيا إن صدام يعاديه بسبب معارضته لنظامه وكان رئيسا لجهاز المخابرات العسكرية وقائدا مهما في قيادات البعث، حقق أولى أهدافه مستشارا لرئيس الجمهورية الجديد ناسيا انه ضالع في جرائم الأنفال التي دفعته إلى الهروب بجلده ومعاونة أمثال علي كيماوي له، ليستقر في عاصمة الضباب متلوكا لرئيس آخر كنسته إرادة الكتل السياسية من الولاية الثالثة، طمعا في منصب جديد على أطلال جرائمه السياسية والأخلاقية، بعد هذا المخنث العسكري ظهر نكرة إعلامية آخر لم يك أكثر من مفوض شرطة أو نائب ضابط هارب من الجيش مرتديا ملابس قريبه الميت ومتقمصا شخصيته كصحفي وكاتب ورسام، ليوهم فاسدين مثله لتأسيس قناة ناطقة بالعربية في كوردستان (لاغفا ) أي ناهبا ومختلسا مئات الآلاف من الدولارات التي ضمها على ملايين أخرى سبق له أن سرقها من صفقة ورق لحساب الحكومة العراقية قبيل سقوط نظامها الإداري في عام 2003م، وآخر من ممثلي السياسة القابعين في عاصمة الملاهي من الذين ( ينفشون ) ريشهم المبلول متوهمين أنهم طواويس سياسية، جاء إلى كوردستان يشحذ ويتسول لجمع مبالغ لتغطية مؤتمر وطني بديل للعملية السياسية، وحينما جمع ما يغطي ديونه المتراكمة أو كلاواته، عقد في إحدى الجايخانات مؤتمر للفاشلين كان مثالا للسخرية ونموذجا للنصب والاحتيال السياسي والفكري.
هذا غيض من فيض كما يقولون، دونما ذكر للأسماء لان الأفعال تدل إلى عناوين أشخاصها ومرتكبيها لأنها تقع في باب أو حقل النصب والاحتيال، ورغم هذه الكائنات المريبة حققت بعضا من أهدافها في ملئ مركبات نقصها، إلا أنها في النتيجة مهما كانت أو بلغت فهي مجرد مخانيث سياسية وإعلامية، لا يمكن لها أن تكون في الشمس واضحة الملامح والعناوين، لأنها كائنات أدمنت الاعتياش والنمو في بيئات مظلمة ورطبة ومتعفنة!؟