بغضّ النظر عن الإشارة اوالتغريدة التي ذكرناها في تويتر منذ ايامٍ قلائل , عن الخطأ الأمريكي في فتح ” جبهتين ” مع تركيا وايران في وقتٍ واحد , وبغضّ النظر ايضاً بأنّ هذا الأجراء الأمريكي قد يقود الى كسب وانضمام متطرفين شيعة من غير الأيرانيين مع طهران , وكذلك من المتطرفين السنّة من غير الأتراك مع حكومة اردوغان , ومع الأخذ بالأعتبار على صعوبة السيطرة على توجيه بوصلة قوى التطرف , رغمّ أنّ هذه الأشارة سابقة لأوانها وهي من زاوية خاصة , كما لا نقصد هنا بأنّ تلك الدولتين تدعمان الأرهاب , والأرهاب نفسه يفتقد التعريف الدولي الدقيق , بالرغم من عشرات التعاريف الأكاديمية والقانونية له .
فتركيا هي الدولة الأسلامية الوحيدة في حلف الأطلسي , وتمتلك الجيش الأكبر عدداً في هذا الحلف , وتركيا هي دولة علمانية رغم حزب العدالة والتنمية الأسلامي الحاكم , وهي تختلف عن النظام والنظم الأيرانية في ميادينٍ شتى , وتركيا ايضاً لاتمتلك برنامجاً للصواريخ الباليستية وتطويرها , وهي ايضاً لا ترعى ولا تدعم احزاباً وقوى معارضة كالدعم الأيراني لحزب الله في لبنان او المعارضة البحرينية , ولا علاقة لها بالحوثيين وسواهم في ارجاء المنطقة , ولذلك ” ولغيره ” يتأتّى خطأ المزامنة او التزامن الأمريكي في توجيه العقوبات لطهران وانقرة .
وحيث الواجهة الإعلامية ” الضعيفة ” للخلاف الأمريكي مع تركيا هي اطلاق سراح قس امريكي محتجز في تركيا ” تحت اتهاماتٍ بالتجسس ومشتقاته , بينما تطالب حكومة اردوغان بأعادة المعارض التركي ” غولن ” الذي كاد يطيح بالنظام التركي في مؤامرته السابقة , وتحتضنه امريكا وترفض مبادلة هذا الشيخ التركي المسلم بالقس الأمريكي , ومن السخف الأعتقاد والتصوّر أن يجري فرض عقوباتٍ اقتصادية بسبب شخصين .! بينما كلّ الرأي العام العالمي يعلم أنّ الولايات المتحدة تعارض استيراد او اقتناء تركيا لصواريخ SS 400 ارض – جو الروسية المتطورة , واعلنت حرمانها من تزويدها بمقاتلات F 35 الأمريكية الحديثة مقابل ذلك , وهي تطالب حكومة اردوغان بوقف التعامل التجاري مع ايران , بينما تغدو تركيا الممرّ الرئيس للصادرات الأيرانية الى دول اوربا فضلاً عن حجم الأستيراد الأيراني من تركيا , فلماذا ومقابل ماذا تتحمّل تركيا هذه الخسائر المالية .؟ , لقد قامت ادارة ترامب بتجميع وتوحيد مطالبها من تركيا دفعةً واحدة وتريد فرضها قسراً عبر العقوبات الأقتصادية , وكان من السذاجة الأمريكية أن يظهر نائب الرئيس الأمريكي Mike Pence على شاشات التلفزة الأمريكية ليعلن توجيه رسالة خاصة وصريحة الى الحكومة التركية ومفادها إمّا تسليم القس الأمريكي ” اندرو برانسون ” او مواجهة عقوبات اقتصادية امريكية .! , فما هكذا تدار الدبلوماسية , وليس طاقم المتطرفين الصقور الذين احاط بهم ترامب من حوله هو المؤهل لأدارة الأزمات الدولية , فمن اولى متطلبات العمل الدبلوماسي في ايّ ازمة بين دولتين او اكثر , هوترك مساحة وهامش لحفظ ماء الوجه للطرف المقابل قبل إملاء شروطٍ ما عليه , في محاولة لتشجيعه ومساعدته على تقبّل هذه الشروط وفق سيناريو مسبق ومتّفق عليه بين الطرفين , وذلك قبل اللجوء لمنطق القوة .. وفي السياسة والعلاقات الدولية تتواجد السيكولوجيا في كلّ زاويةٍ منها , وبهذا الشأن يتوجب دراسة شخصية رئيس الدولة الخصم او المراد تهديده بالعقوبات , عمّا اذا كان ذو شخصيةٍ صلبة كأردوغان او الرئيس الراحل جمال عبد الناصر او سواهم , او ممّن هم عكس ذلك او اقلّ منه , وكان على ادارة ترامب اجراء مفاوضاتٍ سريّة مع الأتراك وعرض الشروط المطلوبة والمساومة عليها قبل بلوغ الخطوة التصعيدية الأخيرة .! وقد بات من شديد الوضوح أنّ الأمريكان يدفعون الرئيس اردوغان الى الأتجاه المعاكس , والى ايجاد حلفاء جدد والى تعزيز علاقاته مع ايران وروسيا والصين , وغيرهم ايضاً .!
البيت الأبيض دفع الأمور دفعاً الى حالة التشنّج المتبادل مع الحكومة التركية , وطالما تضحى التشنجات السياسية حبلى بتشنجاتٍ اخرى .!