شاع هذه الايام تعبير الخطوط الحمر او الخط الاحمر ! وكانت قبلا مقصورة بصدقية مناسبة على مكانها اللائق بها كقول القائل : الشرف خط احمر والوطن خط احمر و المعتقد خط احمر ! ثم اختلطت بعدها الاوراق والمفهومات وتشابهت الوجوه فبات مصطلح خط احمر مصطلحا تضليلياً ! بمسوغات الابتزاز او التشدد ! كأن يزعم لك الزاعم ان عشيرته خط احمر وهو يريد تسويق انحداره من خلال تقنية الابتزاز والاستغفال ! اما التشدد فكأن يقول لك قائل ان مذهبه خط احمر لاينبغي تجاوزه ثم تكتشف غبها انه لايعرف اصول الدين ولافروعه ولا يحترم ايما شعيرة فيه وانما جاء قوله ضرباً من العماء والشدد ! وما يقال عن المتمذهب يمكن ان يقال عن المتجلبب بالدين او المتحزب لتيار او فئة او المتقرب من هذه المرجعية او تلك بحيث يلغون في روحك اي هاجس قيمي للنقد والتعديل فإذا كان كل شيء يؤثر في حياتنا خطاً احمر فما حاجتنا اذن للعقل والتدبر ؟؟ وهؤلاء الارهابيون يرسمون الحياة بطحين الفحم ويبتلعون حياتنا شيئا فشيئا ! وهؤلاء القتلة مخلوقات مدججة بالخطوط الحمر ! فمن الصعوبة بمكان وربتما الاستحالة ان يكتب كاتب مقالا في موضوع فرية الخط الأحمر دون ان يخسر صديقا قديماً او يكسب عدواً جديدا ! فنحن في زمكان سوريالي بأمتياز عال ! بل وان منطق اللامعقول يبدو( عندنا ومعنا وبنا ) معقولا جدا إذا ما قيس بما نحن عليه اليوم ! لقد تغيرت الدلالات المعجمية كُلاً او بعضاً وبات من العملي كي نتواطأ مع الواقع الرث أن نصنع معجمات اصطلاحية وحتى لغوية جديدة كل الجدة مختلفة اشد الاختلاف عن المعجمات العتيدة المألوفة ! كأن نكتب مثلا : الحرية معناها العبودية ! والوطنية تعني العمالة ! والشريف يعني الديوث ! الخطوط الحمر هذه الايام تساوي اكذوبة متداولة ولا تعني المحظور ! وقس على ذلك ! وقد يكون غريبا ان المعاني المعجمية الاصيلة ذات المصداقية العتيدة قد وئدت على ايدي سدنتها والبكّائين عليها ! وحتى نكون منصفين علينا ان نستثني من البكائين نفراً ذا نوايا مخلصة وهو استثناء يقول به المنطق في ان لكل عموم خصوصاً وان لكل قاعدة استثناء ! والمفجع حقا ان قداسة الخطوط الحمر قد اختلطت بنجاسة الخطوط الأخرى ! فأنت مثلا قبالة جريمة قتل تشبه الجرائم في روايات اجاثا كريستي ! ستحقق في المشتبه بهم ! في من تحوم حوله الشبهات ! أهو غريم الضحية التقليدي ! ام شخص ما تخاصم معه قبل ايام ! ربما زوجته التي طلقها ! او جاره السكير المطلوب له بمبلغ طائل ! هذا ام ذاك ام هذه ام تلك ؟؟؟ وإذا شئت ان تحدد القاتل وفق اشارات واقعية ستكتشف ان القاتل وفق اجاثا كريستي لا هذا ولا ذاكط ولا تلك بل هو الشرطي المكلف بحماية الامن او القاضي المدجج بالقوانين ! المهم ان تكون النتيجة ليست من جنس السبب ! نعم يحدث هذا عندنا ! فصدام حسين قاتل ابن خاله العسكري المحترف عدنان خير الله كان يتقبل التعازي والعبرة تخنقه ! ولكن زمن صدام حسين الرديء جدا لم يكن الزمن الأسوأ في ذاكرة الزمان ! وخطوط صدام الحمراء كان صدام اول من ينتهكها دون ان يرفَّ له جفن ! والقضية ليست لصيقة بالعراق فقط حتى تتنزه دول المحيط العربسلامي عنها وتشمت بنا ! لأن العقل الشمولي متشابه والتفكير الجمعي القطيعي متساو ! والامثلة ليست حكراً على الرؤساء والامراء والملوك بل هي تُدْخِل في رمَّتِها كثيراً من رؤساء الاحزاب والطوائف ورجال القوميات والاديان ! والرمة مفتوحة كما مقبرة بسعة الكون او جهنم بمساحة ذنوبنا! اذا يمكنك اضافة مساحة كبيرة من الناس الذين اصابهم داء القطيع وعمى الالوان ! يمينيين ويساريين معا ! علمانيين ومتدينين معا ! هذا الطوفان اصاب العينات التي ذكرناها وعلَّمناها ؟ ان المشكلة لم تعد مشكلة محدودة ومرصودة لانها في واقع الحال كارثة وبائية عامة ! قلما ينجو منها ناجٍ دون ان تطاله الفؤوس والبلطات وربتما البصقات ! ونحن نتمنى ان يعيش الحكماء والمتحضرون في زماننا او يرزقنا الله قامات منتمية للوطنية العراقية ترنو الى عراق آمن موسر مدني مؤسساتي قائم على الخبرة التكنولوجية وحرية الاختيار بل والأهم حرية النقد فلا خطوط حمراء تحجر العقل الذي اودعه الله سبحانه في رؤوسنا عن التفكير والتدبير ! عراق يحمي ابناءه من تمييز او تكفير او تجهيل او تسفيه او تخوين او تهميش او اختزال ! عراق ليس فيه خطوط خادعة رادعة مكسوة باللون الاحمر للتضليل !عراق السوانح المتكافئة في الثروة والسفر والمنصب والعمل والدراسة ليكون حالنا كحال دول الدنيا التي استقل العراق قبلها مثلا !! ثمة تابوTABOO لدى الشعوب الأخرى ! لكن تشابهاً حاصلاً في عنوانات التابو لدى الشعوب وتخالفاً واقعاً في التفاصيل! وهل التابو سوى الخط الأحمر ! وكانت المعركة بين الاسلام كدين جديد محتدمة ضد التابوات الجاهلية ! ولم تكن خطوط الجاهلية الحمراء سوى الوثنية وشعيراتها !! وتوصلت الدراسات الاجتماعية والانتربولوجية العلمية ان الشخص القادر على قهر الأنظمة الرقابية الخارجية والداخلية في نفسه غالبا ما يطمح الى كسر التابو المتمحور في الجنس والدين والسياسة ولسوف يتعرض للتقريع الاجتماعي وربما للتصفية الجسدية ! الجنس خط احمر والدين خط احمر والمذهب خط احمر والحزب خط احمر والحكومة خط احمر والتقاليد خط احمر والطقوس خط احمر ونتساءل ما الشيء الذي يمس حياتنا وأمننا ورزقنا دون ان يحيطوه بالخط الاحمر ! واي خط احمر في حيواتنا على طولها وعرضها وعبر طول تاريخها وعرضه لم ينتهكه واضعوه وسدنته من القادة والحكام والرادة والزعماء والحاخامات ذوي الوجوه المتعددة والخطابات المنافقة ! قال تعالى (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ﴾ البقرة 14 . ويمكننا القول استنادا الى ادورد تايلو ان المجتمعات الراقية صارت راقية لانها ارتقت فوق انقاض التابوات والممنوعات المتخلفة التي هدمتها سواعد ابنائها وهممهم ! ويقينا ( استنادا الى تايلور ايضا ) ان روح النقد وثقافته هما العاصم الاقوى من الشبكة العنكبوتية للخطوط الحمر والمحظورات ! . إ. هـ والسؤال بالنسبة لنا ليس معنيا بـ ( متى نتخلص من الخطوط الحمر العقلانية الضرورية ) ولكن السؤال هو متى نعيد الى الخطوط الحمر هيبتها المعجمية الصارمة وعقلانيتها ونمنحها كفايتها من صدقيتنا في التعامل معها ؟ متى يتخلص المجتمع من تفكير القطيع ؟ قال رسول الله صلعم (لا تكونوا إمعة ، تقولون إن أحسن الناس أحسنا معهم و إن اساءوا اسأنا ) متى يتخلص المجتمع من ديماس الذوبان في الرجل المفرد الضرورة زعيماً كان او رائدا او إماما ً؟ ونشيع في ملتقياتنا وادبياتنا كراهية الغلو والتطرف ونتماهى مع النقد كضرورة للحياة لنخرج من عنق الكارثة فالخطوط الحمر (المبدئية) سبيل للحياة وليست دليلا للموت .