بعد جهد جهيد ومشاورات ربما طغى عَليها طابع الماراثونية، خرجت جامعة الدول العربية مِنْ سباتها الَّذِي خيم عَلَى أروقتها منذ عقود طويلة؛ بإعلان أمينها العام أحمد أبو الغيط أَّنَّ القُدسَ خطٌ أحمر، لا يقبل العربُ والمسلمون المساس به، فضلاً عَنْ اتهامِه (إسرائيل) اللعب بالنار، وادخال المنطقة (منحنى بالغ الخطورة) مِنْ خلالِ فرضها إجراءاتٍ أمنية للدخولِ إلى الحرمِ القدسي!!.
تصريحاتُ أمين عام جامعة العرب الَّتِي لا تتجاوز بضعفِها وهشاشة مواقفها بيت العنكبوت، أطلقها عَلَى خلفيةِ طلبٍ مِن الأردن – الَّتِي تجثم عَلَى صدرِها سفارة الكيانِ الصهيوني – عقد اجتماع طارئ عَلَى مستوى وزراء الخارجية العرب؛ لأجلِ مناقشةِ الأوضاع فِي القدس، بالإضافةِ إلى أَنَّها جاءت فِي ظلِ استمرار كثافة انتشار عناصر جيش الاحتلال فِي القدسِ الشرقية المحتلة، وَلاسيَّما المنطقة المحيطة بالمسجدِ الاقصى فِي أعقابِ هجومٍ أفضى إلى مقتلِ شرطيين اسرائيليين فِي أواسطِ شهرِ تموز الماضي، وَالَّذِي اتخذته سلطة الاحتلال ذريعة لإغلاقِ باحة المسجد الاقصى لثلاثةِ أيام متتالية، زيادة عَنْ شروعِها بوضعِ البوابات الالكترونية المزودة بأجهزةٍ لكشفِ المعادن عندَ مداخل المسجدِ الاقصى، عَلَى الرغمِ مِنْ حساسيةِ هذا الموقع بالقدسِ الشرقية المحتلة، مبررة تلك التدابير بالحيلولةِ دون تمكين المهاجمين الفلسطينيين الاحتفاظ بأسلحةٍ في ساحة المسجد الأقصى.
ليس خافياً أنَّ المواطنَ العربي المغلوب عَلَى أمره، والمشغول بتداعياتِ الأزمةِ الخليجية الَّتِي أعقبت الزيارة التاريخية للرئيسِ الأمريكي ترامب إلى السعودية، ومَا تبعها مِنْ نشرٍ للغسيلِ القذر، وَالَّذِي بمقدورِ الحكومة العراقية استثمار الكثير من مضامينه فِي مهمةِ صيانة الأمن الوطني، إلى جانبِ مَا نسج حول أزمة ما يمكن أنْ يشار إليها باسمِ أزمة قرارات الفجر مِنْ تحليلاتٍ ورؤى واتهامات، ليس بوسعه معرفة ما يعنيه أمين عام جامعة العرب بحديثه، فالخطوط الحمراء فِي القاموس العربي بزمانِ ما بعد الحداثة، لا يظهر تأثيرها بشكلٍ جلي إلا فِي توظيفِ أشعة الليزر بطاقةٍ ضعيفة فِي مجالِ عملِ الإشارات الضوئية المستخدمة بتنظيمِ حركة المرور بدولةٍ متقدمة مثل اليابان؛ إذ أَنَّ العربَ لم يتبقَ لهم خط أحمر بمعنى الكرامة أو السيادة بعد أنْ جهدتْ القيادات العربية عَلَى مدى سنوات طويلة فِي مهمةِ ترويضِ شعوبها عَلَى استساغةِ اغتصاب الكرامة العربية تحت مسمى القبول بالأمرِ الواقع، فلا غرو فِي تمويلِ قادة العرب لمشروعِ تجهيل شعوبهم مِنْ أجل تقويض إمكانية نهوضها، ولا عجب فِي انتهاك كرامة العراقيات والسوريات الآمنات بمساهمةِ الدينار العربي، ولا غرابة فِي إبادةِ شعب اليمن بأكثر خناجرِ الغدر العربية حقداً.
لا مغالاةً فِي القولِ إنَّ القدسَ كانت، وما تزال معيار كرامة المسلمين والعرب، وما أقدم عليه جنود الاحتلال مؤخراً مِنْ تجاوزات، تمثلت باقتحامِ باحة المسجد الأقصى، بالإضافةِ إلى الشروع بإطلاقِ النار عَلَى المصلين، يشكل فِي واقعه الموضوعي جريمة يندى لها جبين الإنسانية، فما قيمة الخطوط الحمراء لجامعةِ بلدانٍ جبلت عَلَى الخنوع؟!!
فِي أمَانِ الله.