أن أحدى الدروس المستنبطة من حروب العراق في 1980 و 1991 و2003 هي تجنيب العراق أن يُسحب مرة أخرى الى حرب جديدة. ولا نريد في هذه المقالة أعادة السيناريوهات التي أتبعتها كل من أيران والكويت وأمريكا في أستفزاز النظام السابق لدخول تلك الحروب، عندما فقد النظام السابق أعصابه فأقدم على دخول تلك الحروب وخرج منها خاسراً، فهي معروفة. يظن العراقيون أن زمن الحروب قد ولى الى غير رجعة لأن لدينا نظاما ديمقراطيا لا يتدخل بشؤن دول الجوار. أننا لحد الآن نسمع جعجعة الديمقراطية ولم نر طحينها بل هي الآن تتجه الى الدكتاتورية، وقد نخرها الفساد الى الجمجمة، ومليارات الدولارات تتطاير من الميزانية كتطاير الذباب. طبعاً نتمنى أن يعيش الشعب العراقي بأمن وأمان وأن لا تتكرر المآسي السابقة من حروب داخلية وخارجية، ولكن يبقى هذا مجرد تمني، لأن عادة الحكومات الديكتاتورية عند الأزمات أن تركض الى الأمام، والركض الى الأمام هو بمحاولة خلق عدو لتصدير المشاكل الداخلية وجر البلاد الى نزاع وحرب. ولكن من هو العدو المرشح هذه المرة؟
تمر المنطقة العربية بأنتفاضات شعبية شبابية للتخلص من الأنظمة التي بقيت جاثمة على صدورهم لعشرات السنين، ويقول البعض أن العراق غير مشمول بهذا لأنه أجتاز مرحلة الدكتاتورية!!! والناظر الى تعامل النظام العراقي الجديد مع هذه الأحداث يراه يكيل بمكيالين، وهذا يتناغم مع الموقف الأيراني. فالنظامان أيدا الأنتفاضة المصرية بسرعة لكراهيتهما لنظام مبارك ولأسباب أخرى ليست موضوعنا الآن. أما الموقف من الأنتفاضة الليبية فكان يستند الى القول بأن القذافي قتل المرجع موسى الصدر في سبعينات القرن الماضي، ولا نعرف لماذا كانت علاقة طهران بالقذافي جيدة أبان الحرب الأيرانية العراقية. أما موقف العراق وأيران من الأحداث في البحرين واليمن والسعودية فقد أخذت طابعاً مؤيداً لأسباب معروفة. ولكن وقف هذان البلدان بالضد من الأنتفاضة السورية ودعما نظام الأسد قولاً وفعلاً. والعجيب أن النظامين الأيراني والعراقي يتهمان الجامعة العربية بالكيل بمكيالين ولكن ينسون أنهما أيضاً يكيلان بمكيالين. وكانت حكومة المالكي قد أشتكت على سوريا في مجلس الأمن بحجة دعمه للأرهابيين، ثم فجأة تغير الموقف عند دخول عناصر أخرى في المعادلة.
بعد اتساع الأنتفاضة السورية كان النظام الأيراني يدعم نظام الأسد بشدة، سراً وعلانية وقد تحفظ العراق على عقوبات سوريا. ولا زال الدعم مستمراً بشكل سري وقوي، وذلك بأرسال “متطوعين” من العراق وأيران ولبنان، كما نقل على لسان أمين المجلس العسكري للجيش السوري الحر، لتقاتل الى جانب النظام السوري وأنقاذه من السقوط. لذلك تقتضي الخطة (أ) الأيرانية العراقية أنقاذ نظام الأسد بأقصى ما يمكن. أما الخطة (ب) فسوف تأتي في حال السقوط المحتمل لنظام الأسد ، خاصة بعد قرارات مجلس الجامعة العربية والتي سوف تحول الموضوع الى مجلس الأمن. وبسبب تركيبة المجتمع السوري يتوقع المراقبون مجيء نظام معادي لأيران والعراق اللذان دعما النظام السوري بقوة، وبذلك ستفقد أيران حليفاً قوياً في المنطقة. وهنا تبدأ القصة.
بعد حادثة النخيب في الأنبار والتي لا تزال أسبابها غامضة، حين قتل بعض الزوار الشيعة الأبرياء العائدون من سوريا، وفي مقابلة مع أحدى القنوات الفضائية العراقية قال باقر جبر صولاغ – وزير الداخلية العراقي السابق أبان الحرب الأهلية في العراق سنة 2005 الى 2007 م – بأن العراق مقبل على معركة ستقع على أطراف كربلاء وستندحر فيها قوى الظلام. وربما أعتقد البعض أن المعركة التي يقصدها صولاغ ستكون بين محافظة كربلاء والأنبار على خلفية مقتل الزوار في النخيب وأعتقال بعض الأنباريين من قبل شرطة كربلاء. الا أن صولاغ لديه الخبر اليقين عندما كشف لنا هذا السر.
ومن ناحية أخرى فقد نشر أحد الكتاب الكرام مقالة في موقع كتابات بتاريخ 28-11- 2011 جاء فيها: “التدخلات الإيرانية في المنطقة باتت مؤثرة باحتوائها المشهد العراقي العام، والتي تحاول إن تصدر إليه ثقافات إيرانية طائفية عبر تذويب الشارع الشيعي في عدة اطروحات مؤدلجة – ولاية الفقيه – وتضخيم الاستعداد لقرب خروج صاحب الزمان ع وخداع الشارع بتهيئته وتعبئته المستمر”. لقد بدء بالفعل بعض رجال الدين العراقيين الترويج لقرب خروج المهدي المنتظر وكأنه سيخرج غداً أو بعد غد. ويبدو أن هذا الموضوع أوكل مؤقتاً الى جلال الصغير أمام جامع براثا والعضو في “التحالف الوطني”، والذي زار المحافظات وعقد الندوات للتعبئة بظهور المهدي المنتظر وأقناع الناس بالمقاتلة الى جانبه عند ظهوره. وسأل جلال الصغير مستمعيه في احدى الندوات فقال: أذا ظهر المهدي وطلب عشرين ألفاً منكم يحاربون تحت رايته فما أنتم فاعلون؟ وهناك ظهرت علامات التعجب على وجوه الحاضرين وبدؤا بالتلفت، فسارع الصغير بالقول: لا نريد منكم جواباً الآن ولكن فكروا جيداً بالموضوع. وأردف قائلاً: أنه قبل ذلك سيظهر “شخصاً” في سوريا، سيحاربه المهدي على أطراف الكوفة فينشر العدل ويرفع الظلم.
وبذلك تتوضح الصورة بين ماقاله صولاغ وما قاله الصغير من أن معركة ستنشب على أطراف الكوفة. ففي حالة سقوط النظام السوري ومجيء نظام معادي لأيران، فان النظام الأيراني سيدفع الحكومة العراقية الموالية له للتحرش بالنظام السوري الجديد ، الذي سيكون ضعيفاً أنذاك، مع قصف القرى السورية الحدودية بحجة دعمها للأرهاب، حتى يفقد النظام السوري الجديد أعصابه ويقرر درء الخطر عن حدوده، فيشن معركة لأبعاد الجيش العراقي عن الحدود. وسيكون ذلك الموقف السوري مشابها لموقف العراق قبل حرب 1980. وعند ذلك سيعلن العراق بأنه تعرض الى أعتداء خارجي ومن حقه الدفاع عن النفس وطلب المعونة العسكرية من الجانب الأيراني. وهنا سيعلن رجال الدين عن ظهور ذلك الشخص السوري المزعوم الذي سيحاربه المهدي وخاصة أنهم قد شحنوا عقول الناس مقدماً. وبهذا سيدخل الجيش العراقي الى الأراضي السورية مدعوما بالمليشيات، وبمساعدة الجيش الأيراني، حيث تقول الأخبار أن هناك ثلاثة فرق ايرانيه تمركزت في شهربان وقلعة صالح ومنشأة سعد في حي اور بملابس مدنية لسد الفراغ الأمني. وبما أن الجيش السوري سيكون ضعيفاً فسوف يطلب المعونة من بقية الدول العربية لدعمه، وتعلن بذلك حرب جديدة في المنطقة والتي قد تنضم تركيا اليها هذه المرة، ويعيد التاريخ نفسه ويكون العراق أرضاً للمعركة. ومما يقوي هذا الأستنتاج هو ما سمعناه في الأخبار من قيام الجيش العراقي في هذه الأيام بحفر الخنادق على طول الحدود مع سوريا بحجة أيقاف الأرهابيين من الدخول الى العراق، ولكن قد يكون هذا أستباقاً لتلك الحرب. وأذا حدث ذلك لا سمح الله فستبقى أمريكا والدول الأوربية متفرجة الى أن يشاء الله، وبذلك يبيعون السلاح للطرفين، ولكنهم سيمنعون وصول الحرب الى منابع النفط في الخليج، فتدخل الجيوش الغربية بحجة حماية آبار النفط.
عسى أن يكون تحليلنا على خطأ، ولكن الأحداث مع الأسف توحي بذلك، وأذا بدأت الشرارة فلن يوقفها شيء حتى تأكل الأخضر واليابس لاسمح الله وسوف نترحم على كل الحروب الماضية. فالحذر مما يُضمر لكم أيها العقلاء.