23 ديسمبر، 2024 4:37 م

الخطاب الطائفي، لماذا؟

الخطاب الطائفي، لماذا؟

اللغة الطائفية التحريضية المعتمَدة لدى قسم كبير من النخبة السياسية السنية في بعض دول المنطقة وخصوصاً العراق ولبنان تعد العمود الفقري لألف باء خطابها السياسي، لذا تصر على مواصلة هجماتها الطائفية المسعورة، عبر تقديم استعراضاتها البهلوانية الرتيبة وعروضها المسرحية المضجِرة الغنية بمشاهد النفاق والكذب المثيرة لمشاعر الاشمئزاز والاستنكار أكثر من إثارتها لمشاعر العداء والاستنفار، والمفتقرة لعناصر الجذب والإثارة والتشويق بسبب تكرارها الممل وتكديسها المستمر للكلمات الطنانة و رفعها الدائم للشعارات الرنانة وافتقادها لأسس المصداقية وللمعايير الموضوعية وتلاعبها بمصائر الناس ومتاجرتها بدمائهم من خلال بثها لروح الحقد والكراهية وإمعانها في الاستهزاء بعقولهم ومشاعرهم.

لا يبدو أن الإصرار على استخدام هذه اللغة الطائفية وتسعير نارها مسألة اعتباطية وانفعالية بل ان ما وراء الأكمة ما وراءها، فبالإضافة الى تنفيذ الاجندات الخارجية المتداخلة والمرتبطة بالمصالح الشخصية والحزبية جاء هذا التسعير والتصعيد بعد ان فشلت كل الأدوات التكفيرية السياسية والميدانية في تحقيق أهدافها، لذا بات من الضروري رفع اصوات الخطابات التحريضية لاستنهاض الروح المعنوية للجماعات التكفيرية وتوفير الغطاء الإعلامي والسياسي لها وتبرير جرائمها، فضلاً عن إدامة خلق مناخ موبوء يقطع الطريق على التوظيف الاجتماعي والسياسي للانتصارات التي حققتها الجهود العسكرية العراقية الموحدة أو السورية – اللبنانية المشتركة ويمنع توحيد كلمة السنة والشيعة بوجه المشاريع الخارجية وأدواتها الداخلية، إضافة الى إثارة العصبيات في وجه المقاتلين ومسارهم التصاعدي في محاولة فاشلة لاستهدافهم سياسياً ومحاصرتهم جماهيرياً، خصوصاً مع بدء تحول بعض البيئات الحاضنة لداعش الى بيئات طاردة بل ومعادية.

 لا يمكن ان يكون الرد على هذا الخطاب بنفس اللغة التحريضية، فهذه لغة الضعفاء وتعبير مبطن عن فشلهم في إدامة إشعال الحرائق، وتوسيع نطاقها ودليل على افتقار اصحابها الى المصداقية فضلاً عن الحجج المنطقية والادلة الموضوعية، لأنها لغة تقوم على أساس الافتراءات الطائفية والأكاذيب والإساءات المذهبية فلابد من اعتماد خطاب عقلاني هادئ بعيد عن التشنج والتحريض المعاكس ليفضح ويكشف حقيقة مشعلي الحرائق ومثيري الفتن ويرفع القناع عن وجوههم ويقطع الطريق عليهم بما يعزز دور الجهد العسكري الذي سينعكس ربحاً خالصاً على الجميع.

في العراق طوال الأحد عشر عاماً الماضية والشيعة يُقتّلون وتملأ جثثهم الممزقة وأشلاؤهم المتناثرة ورؤوسهم المقطعة الشوارع والأسواق ودور العبادة بينما قسم كبير من النخبة السياسية العراقية السنية الفاسدة تملأ ساحات الفتن واستوديوهات القنوات الفضائية والمنابر السياسية ضجيجاً وصراخاً بخطابات الاستنجاد مما يسمونه الميليشيات الشيعية وشعارات التهميش والاقصاء ودعاوى الاستهداف المنظم ما ساهم بقوة في توتير الأجواء مع الحكومة وخداع الجماهير السنية التي توهمت في لحظة انفعال طائفي ان داعش يمكن ان يمثل المنقذ والمخلص من السياسات الحكومية الخاطئة التي تم تهويلها وتضخيمها و”طوئفتها” في الوقت الذي كان يتم فيه تهويل امكانات وقدرات داعش واثبات “سنيته” في تكتيكات امريكية ميدانية ذكية على طريق تحقيق الهدف الاستراتيجي وهو تحويل العراق من بلد فيدرالي بحكومة مركزية الى بلد كونفدرالي بحكومة لا مركزية عبر انشاء الاقليم السني بعد الاقليم الكردي كمقدمة لتقسيم العراق ويدل على ذلك خطابات الرئيس الاميركي اوباما نفسه وخطابات وتصريحات اركان قياداته السياسية والعسكرية ولغة مراكز الدراسات والأبحاث الأميركية وتقارير دوائر صناعة القرار الأميركي المليئة بالإشارات الطائفية الصريحة التي تتهم الحكومة العراقية بتبني سياسات مذهبية أقصت وهمشت السنة في مقاربة منافقة وغير واقعية تغض الطرف عما كابده وعاناه وتعرض له الشيعة – سواءً طوال السنوات التي أعقبت سقوط النظام الديكتاتوري السابق عام 2003 أم ما قبلها – من هجمات دموية وحملات ابادة جماعية فضلاً عن الاهمال الحكومي لهم ولمدنهم حالهم حال بقية المكونات العراقية التي عانت جميعها من تضخم حزمة المشكلات البنيوية المتراكمة والمركبة التي تعانيها الدولة العراقية التي ولدت بمشرط الجراح الامريكي وانعكاس هذه المشكلات على الواقع العراقي.