مسؤولان في دولتين عربيتين قدما خطابين في وقت واحد أو متقارب , أحدهما عائد , والآخر واعد , والفرق بين الخطابين يشير إلى جوهرهما ورؤيتهما ومستقبلهما.
المسؤول العائد إلى بلده , تكلم بوطنية وصدق ومحبة ونزاهة وسمو وعروبية أصيلة , وحث على تأكيد عروبة بلده وتواصلها مع إرادة أمتها , وهو يريد النأي ببلده عن الويلات والتداعيات والحروب المستعرات في ديار الإقليم العربي المتناحر.
خطابه كان يحمل رسالة جامعة مانعة تضع الوطن أولا وقبل كل شيئ , وترتب الحالات الأخرى ما دون ذلك , وفي خطابه دعوة للوحدة الوطنية والتماسك والتفاعل الإيجابي والأخوة , والوقوف صفا واحدا كالبنيان المرصوص أمام التحديات , فالجميع مواطنون أولا , وبلدهم أولا!!
والمسؤول الواعد , قدم خطابا يفتقر للمفردات الوطنية والإنتماء العربي , وأشار في طياته لترسيخ التبعية والتحزبية والتفرقية والفئوية , وعدم القدرة أو الشجاعة على إستغلال الفرصة الذهبية المتاحة ليكون جامعا ومؤلفا ومؤاخيا , ومحررا للعقل من البهتان والهذيان والضلال الفادح الذي يتملك الرؤى ويرسم خرائط السلوكيات البغيضة الفاعلة في حياة بلده.
فهو منغمس بحزبيته وفئويته ولا يجرؤ على المواجهة والتحدي , لأن الذين يتبعهم لا يسمحون له بالقول خارج سياق الآليات المرسومة والبرامج المعلومة.
فلم نسمع عن عروبة بلده ووحدة مواطنية وإعلائه لقيمة المواطنة والوطن , بقدر ما غاص في مقاربات تبدو فكرية لكنها تحاول تبرير السلوكيات التحزبية , والتطلعات المتناسية للحالة الوطنية والمواطنة , وما يعتري البلاد من عواصف الفساد والإفساد , وما يُراد تمريره من تشريعات المخازي والهوان , في زمن تشعشع في أنوار المعارف والبرهان.
وبين هذا وذاك مسافة إدراكية وفرصة ذهبية , فالعائد إستثمر الموقف بقيادية ووطنية عالية وصار رمزا وطنيا جامعا ومؤاخيا , وموحدا للإرادة الوطنية ومعبرا عنها وقائدا لها , والواعد ربما أضاع فرصته وتمترس في تحزبيته , وما تمكن من التجدد والإرتقاء بدوره وتعميق رؤاه الوطنية , وإنما جسّد التبعية والخضوع الآخرين وأثبت بأنه كغيره من الأدوات لتحقيق المشاريع المطلوبة.
ولهذا فأن العائد سيصنع حالة ذات قيمة حضارية معاصرة , والواعد سيتهاوى بعد أن ينتهي دوره , وسيتأهل غيره لدور آخر يمليه ويرسمه الأسياد الذين يقررون دوره ومصيره , وتلك محنة أوطان وفرصتها في آن واحد!!
فالواعد الذي لا يرى ما هو صاعد , ينظر بعدسات جاحد!!