تأريخ الأمة لعب فيه الخرفون أدوارا تسببت بتداعيات متنوعة ذات نتائج مأساوية متوالدة , وفاعلة في حياة مجتمعاتنا حتى اليوم.
العديد من القادة والسلاطين وغيرهم من ذوي الكراسي العتيدة , كانوا يعانون من أمراض وإضطرابات سلوكية متنوعة , ومنهم من بلغ من العمر عتيا وتوطنه الخرف , لكن هالة القدسية والتأليه التي تضفى على الكراسي تمنع الرؤية الموضوعية والواقعية لهم.
لو قرأنا التأريخ بمنظار آخر وبحثنا في الأمراض وإضطرابات الشخصية التي أدت إلى إتخاذ قرارات غير حكيمة ونابعة من الحالة الإنفعالية التي كانوا فيها , لتبينت لنا حقائق جديدة , لكن هذا الموضوع لم يُبحث بعمق , ولا يوجد ما هو مدون من قبل أطبائهم عنهم.
فالتأريخ يفتقد لشهادات الأطباء بحق الولاة والسلاطين , مع أنهم كانوا يحفون بهم ويتدخلون في دقائق حياتهم , فمعظمهم كان لا يأكل إلا وفقا لما يقرره طبيبه , وبعضهم كان مهووسا بالأطباء , فلا يعرف يوما من أيامه دون رفقة الطبيب , فالخوف من الموت كان فاعلا في أكثرهم.
والمدونات عندما تخضع لتقييم سلوكي يتبين أن الخوف كان عاملا حاسما في مسيرتهم , ومتوجا بالشك وتوقع المخاطر والإطاحة في أي وقت , وهذه المشاعر الشديدة أسهمت في تقصير أعمارهم , فكلما كانت الدولة قوية وتعاظمت إرادتها , تحظى بمن يكون عمره قصير.
فهارون الرشيد مات في سن (45) , والمأمون في سن (48) , والمعتصم في عمر (47) والمتوكل في عمر (48) , ومَن جاء بعدهم تمتع بأعمار قصيرة , بسبب القتل والعزل والإنقلابات الدامية المتوحشة , وإن نجا منها إعتل بسبب التوترات المتعاظمة عليه.
وعندما يعاني السلطان من مرض ما , لا يمكن الإقرار به , ولا يراه الآخرون من حوله , وإنما يبدو كما يتصوره الرائي.
و”حكم المنية في البرية جار…ما هذه الدنيا بدار قرار”!!
و”الحياة فيض من الذكريات تصب في بحر النسيان , أما الموت فهو الحقيقة الراسخة”