23 ديسمبر، 2024 4:13 ص

الخرافة والعقل المستباح !!

الخرافة والعقل المستباح !!

يخطئ من يظن بان تجليات الخرافة في العقل العربي يمكن ازالتها او استبدالها بالعلوم الحديثة وتقنيات المستقبل من دون تغيير جذري في انماط تشكيل الوعي في هذا العقل. لان اليات تحليل الواقع تؤكد ان انغماس العقل العربي في الخرافة يستند الى مُوَرِثات حقيقيه مبرَرَه بطرق مختلفة واولها التدين.
من المعروف ان البناء الفطري للعقل البشري هو بناء خرافي، يتنقل بين عوالم الميتافيزيقا والأسطورة ولكن بعد تقدم الحضارة اخذ التفكير العلمي الموضوعي يزاحم البناء الفطري للخرافة، فبدأ يحتل مكانها بنسب مختلفة بين شعوب الارض.
أن نسبة اضمحلال الخرافة في العقل العربي ضعيفة جدا”، حيث لازالت عوالم الجن وقصص العفاريت تحتل مساحة واسعه فيه. إن التناقض الغريب بين تزايد وسائل التواصل بين الشعوب وتزايد مساحة تأثير الخرافة في العقل العربي تبعث على الحيرة, إذْ لا يمكن فهم العقل العربي عندما يجده الدارسون لتراث الانسان قد خرج عن المسارات التقليدية في الفعل الحضاري في الماضي, كما كان العقل في اوربا في القرون الوسطى, الا انه الى الان لازال غائبا” تماما” حيث  يعيش في حالة اللانتباه التي شلت قدرته في الانتقال الى القرن الواحد والعشرين والمدنية الحديثة.
عندما كان التاريخ ظالما للعرب وكان العقل يدور في حلقه مفرغه لانهاية لها بين المعقول واللامعقول, كان حلف الشر بين السياسي ورجل الدين الانتهازي يعمل على الهاء العقل بالخرافة ومتاهات ما بعد الموت, بحيث جعله يعيش في الأخرة وجسده ينهشه الفقر والضياع في الدنيا.
يقول ستندال ان الاديان تستند على خوف الأغلبية من اقليه متمرسة بالدهاء, فتجعلهم يخوضون حياتهم وحروبهم تحت وهم منومين مغناطيسيا”. أن الاخلال بمعادلات نضج العقل الانساني وتكامل وعيه المُدرِك بغرس الخرافة في معتقداته الدينية اصابه بعوق دائم امتد ولازال لأجيال وقرون.
 إن الخرافة في العقل العربي هي تلك القناعات والمفاهيم والممارسات والعادات التي لا يمكن تبريرها، لانعدام المعيار المنطقي في وزنها علميا” او واقعيا.
لعبت الهزائم العسكرية المتوالية والازمات الاقتصادية والثقافية للعرب على تجهيز ارض خصبه لنمو الخرافة بين شعوبهم، لأنها قد تفسر الغموض التاريخي لبعض الحقائق او تعوض مالا يستطيع الانسان تفسيره وتحديده في مدركاته العادية، لذلك فأن الخرافة تعزز الشعور الوهمي بالأمان والطمأنينة المزيفة في انتماء الانسان لقوى خفيه تسيطر على العالم. وتسوق العقل الى الركود والسلبية، فتلجأ حتى القيادة العلمانية للمجتمع الى خرافات التنجيم والاستبصار، واستحضار الارواح.
 كان وزير الدفاع المصري محمد فوزي وبعض قيادات الجيش المصري يلجؤون للعرافين والمشعوذين لمعرفة حركة جيوش اليهود وتوقعات الحرب والخسائر في عام 1967. اما في افغانستان مثلا” اثناء الحرب مع الروس كانت خرافة الكرامات الإلهية لقيادات الارهابين تستخدم بشكل منهجي من قبل المخابرات الأمريكية في رفع معنوية المقاتلين العرب، فتحولت الامتدادات الثورية في ظاهرها الى تجسيد غريب في الخروج عن مقاييس الانسان المعاصر والتحول من التدين الاسلامي الثوري في غايته المعلنة الى ادوات يتحكم بها الامريكان عن طريق الخرافة والخزعبلات. ومن اغرب الغرائب ان تنتقل هذه الظاهرة الى الطبقة البرجوازية و السياسيين والتجار والمتعاملين في البورصة , واسواق المال..
حاول الرواد العرب منذ بدايات القرن العشرين ان يبنوا مشروعا” حضاريا بأطار عربي او اسلامي قائم على العقل ويؤمن بالعلم ,ويستبعد الخرافة والخزعبلات التاريخية. ولكن بعد قرن كامل من هذه المحاولات, اثبت العرب انهم امناء للخرافة والغيبيات و لكل سواد التاريخ الذي برر لها بلّيْ عنق الحقائق وتكريس الظلام في النصوص المقدسة., ليس فقط في التطوع الارادي ليكونوا وقودا” لأتون حروب مذهبيه وصراعات فنازيه, بل ان يتفرقوا في كل شيء الا في ايمانهم بالغيبيات التي تفتت عقائدهم وتقتل ولوجهم للمستقبل كباقي الامم الحيه.
العرب لم يكتفوا بتحييد العقل عمليا” من خلال المناهج الدراسية, والفساد الاداري واستحضار العقد الحضارية , بل اضافوا نكهه عصريه تجعل من فشلهم الحضاري متجسدا” فيهم و معهم وامام اعينهم, فأنشئوا محطات فضائية تضخ الوهم والخرافة على مدار الساعة, لتمغنط الوعي الجمعي وتشغله عن لحظة الانتباه للمصير وسوء الواقع, واندحار القيم والفضيلة المغسولة بعار التراجع وفقدان الهيبة الدولية.

لم يقف رجال الدين الى جانب النشاط الواعي التنويري على طول التاريخ، بل اشاعوا الشك في نوايا المؤسسات التي تحارب الخرافة، كمراكز البحوث والمؤسسات العلمية، وطعنوا في مصداقيتها العلمية، وتركو الشعوب يكرع من ثمالة الهذيان والتخلف، ولم يقفوا بنبل مع دعاة تطهير التاريخ من نفايات شيوخ الصحراء، بل الاكثر انهم رفعوا من قدسية بعض الخرافات الى مصافي قدسية النصوص الإلهية، وقطعوا الطريق امام اي محاوله لإعادة قراءة التاريخ او تنظيفه من الهذيان العربي. في وضع مثل هذا استغرب على من يندهش لما يحدث في العراق وسوريا وليبيا واليمن، وكيف ان العرب يتذابحون امام العالم في مشهد لامثيل له في الانحطاط والسادية.
تقع مسؤولية تعزيز الفكر الموضوعي والتحليلي, وقتل بكتيريا الخرافة على جميع طبقات المجتمع, وبالأخص رجل الدين المتحضر (ربما اياد جمال الدين من هذا الطراز) , لأننا اصبحنا في عصر جديد تسيطر فيه التكنولوجيا ,وتغيير في مفاهيم الزمان والمكان , فيجب على الطبقة الواعية ان تساهم في الجهد الانساني في هزيمة الخرافة, لان جزء من قيافة السقوط ان نحمل الاخر مسؤولية عثراتنا وسوء ادارة الموارد, والتخطيط للمستقبل, بينما نعجز عن تحريك ويعنا المتخم بالظلام قيد أنمله نحو المستقبل.
e=”color:#000; background-color:#fff; font-family:Courier New, courier, monaco, monospace, sans-serif;font-size:14px”>
 
الخرافة والعقل المستباح !!
حكيم جبار
يخطئ من يظن بان تجليات الخرافة في العقل العربي يمكن ازالتها او استبدالها بالعلوم الحديثة وتقنيات المستقبل من دون تغيير جذري في انماط تشكيل الوعي في هذا العقل. لان اليات تحليل الواقع تؤكد ان انغماس العقل العربي في الخرافة يستند الى مُوَرِثات حقيقيه مبرَرَه بطرق مختلفة واولها التدين.
من المعروف ان البناء الفطري للعقل البشري هو بناء خرافي، يتنقل بين عوالم الميتافيزيقا والأسطورة ولكن بعد تقدم الحضارة اخذ التفكير العلمي الموضوعي يزاحم البناء الفطري للخرافة، فبدأ يحتل مكانها بنسب مختلفة بين شعوب الارض.
أن نسبة اضمحلال الخرافة في العقل العربي ضعيفة جدا”، حيث لازالت عوالم الجن وقصص العفاريت تحتل مساحة واسعه فيه. إن التناقض الغريب بين تزايد وسائل التواصل بين الشعوب وتزايد مساحة تأثير الخرافة في العقل العربي تبعث على الحيرة, إذْ لا يمكن فهم العقل العربي عندما يجده الدارسون لتراث الانسان قد خرج عن المسارات التقليدية في الفعل الحضاري في الماضي, كما كان العقل في اوربا في القرون الوسطى, الا انه الى الان لازال غائبا” تماما” حيث  يعيش في حالة اللانتباه التي شلت قدرته في الانتقال الى القرن الواحد والعشرين والمدنية الحديثة.
عندما كان التاريخ ظالما للعرب وكان العقل يدور في حلقه مفرغه لانهاية لها بين المعقول واللامعقول, كان حلف الشر بين السياسي ورجل الدين الانتهازي يعمل على الهاء العقل بالخرافة ومتاهات ما بعد الموت, بحيث جعله يعيش في الأخرة وجسده ينهشه الفقر والضياع في الدنيا.
يقول ستندال ان الاديان تستند على خوف الأغلبية من اقليه متمرسة بالدهاء, فتجعلهم يخوضون حياتهم وحروبهم تحت وهم منومين مغناطيسيا”. أن الاخلال بمعادلات نضج العقل الانساني وتكامل وعيه المُدرِك بغرس الخرافة في معتقداته الدينية اصابه بعوق دائم امتد ولازال لأجيال وقرون.
 إن الخرافة في العقل العربي هي تلك القناعات والمفاهيم والممارسات والعادات التي لا يمكن تبريرها، لانعدام المعيار المنطقي في وزنها علميا” او واقعيا.
لعبت الهزائم العسكرية المتوالية والازمات الاقتصادية والثقافية للعرب على تجهيز ارض خصبه لنمو الخرافة بين شعوبهم، لأنها قد تفسر الغموض التاريخي لبعض الحقائق او تعوض مالا يستطيع الانسان تفسيره وتحديده في مدركاته العادية، لذلك فأن الخرافة تعزز الشعور الوهمي بالأمان والطمأنينة المزيفة في انتماء الانسان لقوى خفيه تسيطر على العالم. وتسوق العقل الى الركود والسلبية، فتلجأ حتى القيادة العلمانية للمجتمع الى خرافات التنجيم والاستبصار، واستحضار الارواح.
 كان وزير الدفاع المصري محمد فوزي وبعض قيادات الجيش المصري يلجؤون للعرافين والمشعوذين لمعرفة حركة جيوش اليهود وتوقعات الحرب والخسائر في عام 1967. اما في افغانستان مثلا” اثناء الحرب مع الروس كانت خرافة الكرامات الإلهية لقيادات الارهابين تستخدم بشكل منهجي من قبل المخابرات الأمريكية في رفع معنوية المقاتلين العرب، فتحولت الامتدادات الثورية في ظاهرها الى تجسيد غريب في الخروج عن مقاييس الانسان المعاصر والتحول من التدين الاسلامي الثوري في غايته المعلنة الى ادوات يتحكم بها الامريكان عن طريق الخرافة والخزعبلات. ومن اغرب الغرائب ان تنتقل هذه الظاهرة الى الطبقة البرجوازية و السياسيين والتجار والمتعاملين في البورصة , واسواق المال..
حاول الرواد العرب منذ بدايات القرن العشرين ان يبنوا مشروعا” حضاريا بأطار عربي او اسلامي قائم على العقل ويؤمن بالعلم ,ويستبعد الخرافة والخزعبلات التاريخية. ولكن بعد قرن كامل من هذه المحاولات, اثبت العرب انهم امناء للخرافة والغيبيات و لكل سواد التاريخ الذي برر لها بلّيْ عنق الحقائق وتكريس الظلام في النصوص المقدسة., ليس فقط في التطوع الارادي ليكونوا وقودا” لأتون حروب مذهبيه وصراعات فنازيه, بل ان يتفرقوا في كل شيء الا في ايمانهم بالغيبيات التي تفتت عقائدهم وتقتل ولوجهم للمستقبل كباقي الامم الحيه.
العرب لم يكتفوا بتحييد العقل عمليا” من خلال المناهج الدراسية, والفساد الاداري واستحضار العقد الحضارية , بل اضافوا نكهه عصريه تجعل من فشلهم الحضاري متجسدا” فيهم و معهم وامام اعينهم, فأنشئوا محطات فضائية تضخ الوهم والخرافة على مدار الساعة, لتمغنط الوعي الجمعي وتشغله عن لحظة الانتباه للمصير وسوء الواقع, واندحار القيم والفضيلة المغسولة بعار التراجع وفقدان الهيبة الدولية.

لم يقف رجال الدين الى جانب النشاط الواعي التنويري على طول التاريخ، بل اشاعوا الشك في نوايا المؤسسات التي تحارب الخرافة، كمراكز البحوث والمؤسسات العلمية، وطعنوا في مصداقيتها العلمية، وتركو الشعوب يكرع من ثمالة الهذيان والتخلف، ولم يقفوا بنبل مع دعاة تطهير التاريخ من نفايات شيوخ الصحراء، بل الاكثر انهم رفعوا من قدسية بعض الخرافات الى مصافي قدسية النصوص الإلهية، وقطعوا الطريق امام اي محاوله لإعادة قراءة التاريخ او تنظيفه من الهذيان العربي. في وضع مثل هذا استغرب على من يندهش لما يحدث في العراق وسوريا وليبيا واليمن، وكيف ان العرب يتذابحون امام العالم في مشهد لامثيل له في الانحطاط والسادية.
تقع مسؤولية تعزيز الفكر الموضوعي والتحليلي, وقتل بكتيريا الخرافة على جميع طبقات المجتمع, وبالأخص رجل الدين المتحضر (ربما اياد جمال الدين من هذا الطراز) , لأننا اصبحنا في عصر جديد تسيطر فيه التكنولوجيا ,وتغيير في مفاهيم الزمان والمكان , فيجب على الطبقة الواعية ان تساهم في الجهد الانساني في هزيمة الخرافة, لان جزء من قيافة السقوط ان نحمل الاخر مسؤولية عثراتنا وسوء ادارة الموارد, والتخطيط للمستقبل, بينما نعجز عن تحريك ويعنا المتخم بالظلام قيد أنمله نحو المستقبل.