23 ديسمبر، 2024 12:28 ص

الخرافات والاساطير ..كوكايين الشعوب وهيرويين الأمم !

الخرافات والاساطير ..كوكايين الشعوب وهيرويين الأمم !

قد لايخفى على الكثير منكم بأن الحرص على اختراع القصص الخرافية وابتداع الأساطير الوهمية لتعظيم القادة والصالحين والمصلحين في كل زمان ومكان بزعم نصرتهم انما هدفه غير المعلن هو صرف النظر عن صلاحهم البشري الحقيقي القابل للتطبيق والتقليد ولو بالحد الادنى من باب ” لَوْ كانَ حُبُّكَ صَادِقاً لأَطَعْتَهُ ..إنَّ الْمُحِبَّ لِمَنْ يُحِبُّ مُطِيعُ” ، أو من باب ” فَتَشَبّهوا إِن لَم تَكُونوا مِثلَهُم ..إِنَّ التَّشَبّه بِالكِرامِ فَلاحُ”، والتحول بدلا من ذلك كله للتعامل مع خوارق وكرامات مفترضة وغير مشاهدة حفلت بها سيرة هذا ، ومسيرة ذاك بما يصلح فقط للتغني والانشاد والمدح والثناء وابداء الاعجاب ليس الا وذلك لإستحالة تطبيق اي منها قط على ارض الواقع وتوظيفها لنصرة الدين وخدمة للبلاد والعباد لأنها مخصوصة بشخوص ولكونها خارقة للعادات، كل ذلك حتى لايحتذى حذوهم ، لايحيى امرهم ، لايقتدى بهم ، اضافة الى إثارة الشبهات والاقاويل من بعدهم حولهم بين مشكك ومصدق ، بين مؤيد ومعارض، ليتضخم هذا التشكيك لاحقا وعلى مر الايام فيتغول من جهة ، الامر الذي يستدعي اختراع اساطير وخرافات جديدة لا اصل لها للدفاع عن الاولى والذود عن حياض مطلقيها وسمعة مؤلفيها وعن الكتب الصفراء التي ورد ذكرها فيها ،مع محاولة اقناع الناس بها من جهة اخرى ، اذ ما فائدة ان اقول للامة بأن فلانا مشى على الماء ، او طار في الهواء وما هو العمل النافع الذي سينبني على ذلك ويترتب عليه …بخلاف ما لو انك قلت بأن فلانا نفسه “قد بنى جسرا ولو من خشب او من جذوع النخيل فوق الماء بين ضفتي النهر ليعبر عليه الجيش المدافع عن حياض الامة وعرضها وارضها وشرفها وهو يقارع الاعداء فأنقذ بجسر الماء الخشبي هذا مدينة بأسرها وحفظ شرف أمة ” وأسأل هل الصالح الذي مشى فوق الماء لا لضرورة ترتجى بنظرك اشرف من النبي نوح عليه السلام وقد بنى سفينة تمخر عباب البحر لانقاذ ما يمكنه انقاذه ، الم يكن بوسع نوح وهو نبي مرسل ان يسأل ربه بأن يمشي بمن معه فوق الماء وينتهي الامر بدلا من بناء سفينة استغرق بناؤها عشرات السنين والكل يمر به متهكما وساخرا بما كان يحز في نفسه ، لقد كانت مشية نوح فوق الماء لو انها حصلت فعلا كفيلة بإيمان قومه كلهم بدعوته بدلا من هلاكهم وبضمنهم زوجته وابنه دونها ..مالعبرة من مشي صالح مفترض فوق الماء لا لحاجة ولا لضرورة خلافا للاسباب ، مقابل بناء نبي مرسل مؤيد بالمعجزات اخذا بكل الاسباب …لسفينة انقاذ ؟!!
لماذا خرق العبد الصالح ” الواردة في سورة الكهف ” السفينة ولم يدع ربه بأن يعمي أبصار القراصنة عنها أو يغرقهم من دونها في عرض البحر وينتهي الامر كله …؟ انها قصة حقيقية وعبرة قرآنية عظيمة تريد أن تعلمنا أهمية الأخذ بـ – قانون السببية – عميق التأثير ، بعيد المدى والأثر، بخلاف الخوارق على فرض صحتها من بعضهم فإنها وقتية ، آنية ، تقنع من شاهدها وحضرها فحسب ومن دون فائدة ولا اثر نافع يترتب عليها قط ، وهذا كله في حال وقوع الكرامات والخوارق اساسا ولم تكن من اختراع الزنادقة والافاقين والشعوبيين لتحريف الشريعة الغراء وتشويه الدين !
لماذا بنى العبد الصالح في نفس القصة ، الجدار المائل وبذل جهدا وتصبب عرقا وأضاع وقتا وحسبه ساعتها أن يضع يده على الجدار فيستقيم على طريقة الروزخونيين والجكليتيين وأغلبهم يعشق الاساطير والخرافات ويعتاش واهله عليها ، بإذن الله وكأن ميلانا في الجدار لم يكن ، وهو المؤيد بالكرامات لحفظ الكنز تحته لأيتام سيأتون من بعده لاسيما وأن من يرافقه في البناء والرحلة نبي مرسل – موسى عليه السلام – مؤيد بالمعجزات ؟ انها السببية التي تبني دولا ، وتعلي همما ، وتلهم شعوبا ، وتذكي عزائم ، وتنير عقولا ، وتثير فضولا ، وتقوي أمما !
لماذا لم يدع العبد الصالح ربه بأن يصلح حال الغلام ويهديه سبيل الرشاد ، او ان يضع يده على صدره كرامة فيحوله من طالح الى صالح بين طرفة عين وانتباهتها ؟ انها منظومة السببية الملهمة القابلة للتطبيق في كل زمان ومكان ، انها منظومة الاخذ بالاسباب الدافعة للنهوض والبناء والاعمار مع عدم انكار الكرامات للضرورات القصوى بإذن الله تعالى وحده وبما يستحي العبد الصالح من التحدث بها واذاعتها بين الناس خشية ان يقتن الناس به وبها فضلا عن خشيته من ان يفتتن بها هو شخصيا كذلك لكونها خبيئة وسر بينه وبين الله تعالى ان شاء الباري عز وجل اظهرها للناس لغرض العبرة والاعتبار والعظة ، وان شاء اخفاها عنهم الى ابد الابدين ، وبما لايذكر ولايخترع وفي اي حال من الاحوال لتشويه التأريخ وللنيل من سمعة صالحيه و لإستعراض العضلات ولتخدير الشعوب ، ولا لعبادة وتقديس خلق الله تعالى من دونه سبحانه ، تأملها جيدا وقلب طرفك مليا فيها وستفهم ” ..ان يبتكر الصالح بالونا طائرا يحلق بالجنود ، بضحايا الفيضانات ، بضحايا الغابات المشتعلة ، بضحايا الزلازل ، بضحايا البراكين في الهواء لإنقاذ حياتهم خير واولى من طيرانه بمفرده بلا جدوى ولا هدف يذكر في الهواء في كرامة مزعومة آمن بها من شاهدها عيانا بيانا فحسب وذلك من دون البقية الباقية التي لم تشهدها بمن فيهم من اخترعها – اي الاكذوبة – كذلك !” .
أن تقول على سبيل المثال لا الحصر بأن الصالح الفلاني قد وضع يده على رأس مريض يرقد على فراش الموت وهو ميئوس من شفائه تماما فشفي ونشط من عقال من فوره وكأن مرضا لم يصبه قط – اسطورة – مخصوصة بفلان وغير قابلة للتطبيق فيما بعد ولا للاقتداء ولا للتقليد ولا للاستنساخ ،هدفها المبطن وغير المعلن هو صرف النظر عن حقيقة نافعة وقابلة للتقليد لاحقا من شأنها ان تعلو بالمجتمعات وتنهض بها الى أفق ارحب وتؤلف قلوبها وتغيض فلوب خصومها وتحزن اعداءها وخلاصتها ان فلانا الصالح نفسه قد ” بنى مستشفى لعلاج المرضى الفقراء مجانا من حر ماله الخاص “، اذ ان بناء المستشفى الخيري المجاني يعني وببساطة شديدة تعلم فن التمريض وتعليم ودراسة الطب انسانيا ، يعني صرف الاموال في سبيل الله خدمة للصالح العام من دون مقابل رحمانيا ، يعني رعاية المرضى وعلاج المعوزين اخويا ، يعني التكافل بأجلى صوره مجتمعيا ، يعني بذل الجهد في التطبيب والتمريض والعلاج وصرف الدواء للمرضى وجدانيا ، يعني تعزيز اواصر الالفة والمحبة والتكاتف والتعاضد شعبويا ، يعني الاعمار الحق في الارض التي استخلفنا الله تعالى فيها واقعيا ، يعني تطبيق تعاليم الشريعة الغراء والدين الحنيف عمليا …وهذا كله وكما يعلم القاصي والداني لايصب في مصلحة مخترع القصة الخرافية ومفبركها – المخترع الشعوبي أو الاستشراقي الحاقد على الدين وعلى شخوصه وعلى صالحيه – ، حاقد يحلم ويطمح بمجتمع اسلامي آثم ، نائم ، مخدر ، بخيل ، اناني ، جبان ، كسول ، عاجز ، غير فاعل دنيويا ، غير متفاعل انسانيا ، غير ناهض حضاريا !
ان تزعم بأن العبد الصالح الفلاني قد وضع يده على التراب فحوله ذهبا ثم اعطاه الى فقير مجهد – خرافة – مخصوصة وغير قابلة للتقليد ولا الاستنساخ ” طيب وماذا عن ملايين الفقراء الاخرين المعدمين ممن لم يحول ذات الصالح تراب ارضهم ذهبا لاطعامهم وكسوتهم وسقيهم واسكانهم والقضاء على فقرهم مع قدرته وبحسب الاسطورة على عملية التحويل تلك ..هل هؤلاء خارج نطاق تغطية الذهب المتأتي من التراب كرامة ، ام ماذا ؟” ، اقول ان غاية الخرافات هو صرف النظر عن حقيقة عملية ذات جدوى مجتمعية واقتصادية وانسانية يمكن استنساخها واقتباسها وتقليدها خلاصتها ان الصالح الفلاني ذاته ” كان يعمل ويكد الليل والنهار ويتصبب عرقا بالحلال ومن ثم يخرج عن طيب نفس شطرا من امواله التي بذل جهده فيها لمساعدة الفقراء والمحتاجين من غير منِّ ولا اذى ولا رياء ولو كان به خصاصة داعيا الناس بالقول والعمل والقدوة الصالحة الى الانفاق المناظر في اوجه الخير المختلفة خدمة للعباد والبلاد ” …وهكذا في قصص وخرافات ومحكيات ومرويات معظمها موضوعة وباطلة لايدعمها صحيح نقل ولا صريح عقل هدفها تخدير الامة ..وكلنا يعلم علم اليقين بأن حجم التأثير الكبير الدافع للعمل ، وحجم الطاقة الايجابية الملهمة التي تولدها لنا القصص الحقيقية والواقعية المؤثرة “سيرة عبد الرحمن السميط انموذجا ” بخلاف الطاقة السلبية والقدرة التخديرية الكوكايينية والهرويينية الهائلة التي تولدها فينا خرافات الشعوبيين والمستشرقين واساطير الافاقين والزنادقة !
الاساطير والخرافات يا قوم هي محاولة خائبة لتحويل الصلاح والاصلاح الى ميثولوجيا وفنتازيا طوباوية وهمية غير قابلة للتطبيق وليس بوسع المحبين والمريدين والاتباع تقليدها مطلقا وبالتالي فسترى جموعا غفيرة تتغنى بصالح ما الا انها لاتسير على منهجه ، جموعا تتباهى بالصالحين وتزعم حبهم واتباعهم الا ان القلة القليلة منها هي التي تحتذي حذوهم ، وتحيي امرهم ، وتسير على منهجهم، وتهتدي بهديهم ، وتمشي على خطاهم ،فتكاد تعجب اشد العجب من كثرة مدعي حب الصالحين عنوانا مقابل كثرة المناهضين لهم مضمونا ،كثرة المتغنين بالصالحين مظهرا ، مقابل قلة مقلدي اخلاقهم ومتبعي سيرتهم ومستنسخي منهجهم واقعا ومخبرا !
الخلاصة ” اذا اردت ان تهلك امة ، وتسقط مجتمعا وتبعدهما عن الدين الحق كليا وتحولهما الى – تنبل ابو رطبة – والى جماعات من الكسالى والخاملين والمخدرين فإخترع لصالحيهم وقديسيهم كما هائلا من الخرافات والاساطير بزعم حبهم وتوقيرهم واضفاء الهالات عليهم ، ومن ثم انظر بنفسك الى كم المرددين والمنشدين والمتغنين بأساطيرهم عاطفيا ، مقابل كم المبتعدين كليا عن منهجهم ، وعن مدرستهم ، وعن اخلاقهم ، وعن سيرتهم ، وعن صلاحهم ، وعن صفاتهم ، وعن قيمهم ، وعن مثلهم …واقعا ! اودعاناكم اغاتي