18 ديسمبر، 2024 10:03 م

الخبير الامني صفة اسيء استخدامها

الخبير الامني صفة اسيء استخدامها

          في تهافت على الظهور والحديث من طرف “فئة جديدة طارئة” على معنى الخبرة واصحاب الاختصاص ( خبير امني ، محلل امني ،خبير ستراتيجي ، ….الخ من المسميات ) واصبحت واضحة توحي بشيء من الانفلات بالمشهد الإعلامي ، وهناك حقيقة علينا ادراكها ، ليس كل من انتمى الى الشرطة أو الجيش او درّس في مدارسها او اكمل دراسته الاكاديمية بالعلوم السياسية ان يكون مؤهلا وامتلك الجرأة على الحديث هو في الواقع خبير، وليس كل من يقدّم أو ينصّب نفسه على هذا المعنى له الأهلية لتقديم هذه الخدمة، فالكثير استغل الفراغ القانوني لعدم لتنظيم هذا المجال (سوقوا نفسهم) بانتحال هذه الصفة فيه استغباء لأصحاب الاختصاص والرأي العام والمواطنين والأشدّ غرابة في هذا الاستغباء هو وجود شبكة من العلاقات تشجّع على ممارسة هذا النشاط وتروّج له والحال أن مجمل الآراء المقدّمة، والحال أن مجمل الآراء المقدّمة لا تعدو أن تكون مجرّد حديث يكاد أن يكون فارغ المضمون .

         علينا بالاعتراف بأن التناول الإعلامي للواقع الامني الوطني خرج عن أساليب الطرح المعرفي والعقلاني ، لا تعدو أن تكون مجرّد حديث يكاد أن يكون فارغ المضمون وضحالة وضعف في القدرة على التفكير الاستراتيجي ، وتطفّل واضح على قطاعات مهنية حسّاسة، نحن في حاجة إلى إعادة التفكير في الاطار التحليلي والآليات التي يدار من خلالها الحوار الوطني حول القضايا الأمنية ، كما أننا في حاجة إلى نخب يملكون القدرة على التأثير في السلطة والمؤسسات التنفيذية والتشريعية بغض النظرعن وجودهم داخل المؤسسات الأمنية أو خارجها وبغض النظرعن المواقع التي يشغلونها أو المؤسسات التي ينتمون إليها ، هناك حاجة إلى الادراك الجدي لقيمنا وللإستقرار والتوازن كأدوات حاسمة في طرحنا للمسائل الأمنية ، تضع القضايا الأمنية مسؤولية كبرى على الخبراء الحقيقيين والمثقّفين، فهم الأكثر تأهيلا لإشاعة الوعي وتحفيز المواطنين والاسهام في صون البلاد، انطلاقا من مُثُلهم السّامية وتَجذّر هويّتهم الوطنية ونأيهم بأنفسهم عن الدوافع الشخصية الضيّقة

      من الوهم أن نتصوّر أن هذا الزخم من الحديث وخاصة حول المنظومة الأمنية والتطرّف والإرهاب، أفاد في فهم الصعوبات والظواهر التي نعيشها أو ساعد على إيجاد حلول يمكن اعتمادها مع بعض الاستثناءات، كان من المفروض أن يرسّخ ثقل الخبرة “إن وُجدت” في ضمائر هؤلاء المتحدّثين مبادئ عديدة لعل أبرزها مسؤولية الكلمة وعبء إنارة الرأي العام

من هو الخبير؟

      الخبير في المعنى العام هو الشخص الذي تراكمت لديه الخبرة من استمرارية العمل في اختصاص معين و لعدة سنوات معترف بها وإن المؤهل الأكاديمي والخبرة العملية والتدرّج في سلم العمل البحثي هي وحدها التي تصنع الخبرات لتشق طريقها إلى الأعلى بكفاءة وجدارة وجدية ، وعلى ضوء ذلك ليس لكل الكفاءات صفة الخبير، لكن لا يمكن في المقابل الاعتراض على الاختيارات الخاصة لبعض الأشخاص الذين لا يحضون باعتراف ضمني بخبرتهم من قبل زملائهم أو لدى المؤسسات التي ينتمون إليها.

يبدو أن السؤال المهم الذي يقفز إلى الذهن يدور حول: ما الذي يصنع الخبرة والخبراء؟

على سبيل المثال الخبير الامني ،عبارة الامن جاءت مطلقة فهو مختص باي امن ، امن وطني ، امن اقليمي ، امن دولي ،امن اجتماعي ، امن مجتمعي ، امن جنائي ،امن بيئي ،امن اقتصادي …الخ قد تبلغ اكثر من ثلاثون مفهوما لتصانيف الامن ، اضافة الى تربع البعض على بعض الفضائيات وخلط متعمد بين الامن بالاستخبارات وبالعمليات ، وهذا بحد ذاته تشويه متعمد للصورة الحقيقية للاحداث ، مضى على خدمتي في مجال العمل الجنائي نصف قرن ولم اكتب عبارة خبير لانها تمنح من الاخرين ، لا يحق لنا ان نمنحعها لانفسنا هذه الصفات

 وهناك قصور في إدراك دور المؤسسة البحثية الأمنية العراقية وأهميتها في تطوير المعرفة والخبرة بشتى أنواعها لدى الاطارات الأمنية، فالبحث العلمي هو سعي منظّم يتجاوز الحيز الشخصي كما أنه ضرورة تحتاجها المجتمعات للحصول على حلول لقضاياها الراهنة واستشراف مستقبلها ولا تتركها سائبه خاضعه لاجتهادات

الخلاصة

 من المهم أن يترسّخ وعي أساسي لدينا بأن الخبرة الأمنية ليست للنخبة السياسية التي تهيا عناصرها للدفاع عن اخطاء الساسة وتتصالح مع متطلباتها المصلحية ، وليست لنخبة تختارها جمعية أو مؤسسة أو حزب أو دولة ، بل هي عملية فكرية لها سياقها الأمني وامتدادها الاجتماعي والتاريخي ، وضرورة تدخلنقابة الصحفيين مع الجهات ذات العلاقة ان تضع سياسة لهذه الفوضى تثبت في وثائق .