بعد مخاض مرير من الكلام والسنين رزقه الرب بمولوده الأول، أسماه سلام نكاية بواقع مسقط رأسه، أخذ يكبر أمامه يراقبه يوميًا وهو يزهر، كان يخاف عليه حتى من أنظار الرصيف لا الناس، ذات يوم بينما هو عائد من عمله وجد زوجته تلاعبه وتغني له (دلول يبني دلول) تأمل هذه اللحظة الحميمية التي تنصهر فيها اللغة والتلقي ببودقة صوت الأم، الصوت الذي لايزال يرن في أذنه من أقصى لحظة القماط للآن، عصي على السكوت، ظلٌ لروح حجبت الموت.
كبر الطفل وأصبح بعمر مشي الخطوة الأولى، حيث أكتشاف الإستقامة المعبرة عن أول رجات الانحراف، صار يدرك شيئًا فشيء العالم، تاركًا خلفه مراحل الحبو و (الحجلة).
في غمار ذلك كان الأب يركض خلف لقمة العيش حيث الاستمرارية بلا انقطاع، في زمن تمخض عن معناه حتى أصبح مجرد منفعة خالية من أي غائية، مع ذلك بقي وفيًا لعنايته وهو يرقب ابنه يشق طريقه لحيث الصخر العصي على الفتح.
ابتهج بنتائجه في المدرسة وكان يفخر فيه أيما افتخار بين أصحابه، كان متفوقًا للدرجة التي تبعث على الحسد، لذلك كانت أمه تقيم بشكل مستمر طقوس (الحرمل) وتضع حوله هالة من الدعوات المتينة التي تبقيه بعيدًا عن كل الشرور.
ذات يوم أخبر والده بأن يصحبه لمكان لكي يتنزها سوية، وافق أبيه على ذلك متجاوزًا صرامته المعتادة في هذا الأمر، أخذه لحديقة الحيوانات لمشاهدتها استجابة لطلبه، رأى الأسد واستشعر تضور رأسه للتاج، شاهد الذئب وهو لايزال يترافع في قضية ليلى دون إن يدرك إن التهمة لصيقة الكلام لا البرهان، قفز مع القرد المبتهج على رمي المارة،
كان يتنقل بين أقفاصها باندهاشٍ تام غير آبهٍ حتى لوالده الذي شغلته ملامحه السعيدة.
في خضم ذلك كانت إحدى الأقفاص مفتوحة
دون أن ينتبه العاملون لذلك، كان آخرها والذي لم يصله سلام بعد، سلام الذي أستمد الثقة من انقضاء الوقت وهو يشاهد الحيوانات، لدرجة إن يقترب منها وصولًا لمسك القفص بيديه، وأبيه هو الأخر الذي انتقلت إليه هذه العدوى لم يبدي أعتراضًا على ذلك، أخذا يقتربان منه، وحينما وصلاه حصل ما كان بالحسبان لكنه غاب بلحظة عاطفة مميتة، وجداه فارغا.