18 ديسمبر، 2024 8:57 م

الحياء شعبة من الايمان

الحياء شعبة من الايمان

وأنا أتصفح الوجوه التي لا زالت عالقة في الذاكرة وأسترجع شخوصها عبر رحلة السنين الطويلة المرتبطة باماكن مختلفة وبيئات متنوعة وانتمائات متعددة …نماذج كثيرة تركت بصمتها في رحلة العمر أو كما يقول الشاعر يوسف الصائغ (كثيرون مروا ببابي) ،كل شخصية رتبت بالشكل الذي أفرزته عليها الثقافة والتربية والبيئة التي عاشتها فمنهم من يجعلك تملأ رئتيك بنفس عميق رافعاً حاجبيك أحتراماً وحسداً لكبر المقام الذي أستحقه ، او ترتسم على وجهك أبتسامة حينما تمر ذكرى شخصاً محبوباً خفيف الظل وعلى العكس تتكدروتقطب حاجبيك محاولاً الانتقال بسرعة من سيئين الطباع والسلوك، أما المتمردين والفوضويين فلهم زاوية خاصة فيما تبقى من الذاكرة التي يشوبها الوهن …وهكذا هنالك الذكي واللامع والموهوب بالمقابل هناك الغبي والفاشل والامعة وثقيل الظل وعلى كل حال هذا الأرشيف المتنوع حصيلة تجربة وعمر وهو أمر طبيعي ولكن الذي يزعجني جداً نموذج مشوه بلا ثقافة ووعي ويتقمصها بلا أخلاق ويدعيها بلا ذوق ونظافة خارجية وداخلية ويتصور انه الافضل وفوق كل هذا وذاك سليط اللسان وقح يواجهك بالنقد الجارح والتندر اللاذع بلا سبب وبدون مقدمات وأكيد مثل هؤلاء يستأثرون بالمراكز الوظيفية المتقدمة والمناصب العليا في المجتمع حسب قواعد (العشق اللاهوتي) في العراق بسبب غياب الضوابط الدينية والاخلاقية والثقافية التي تشكل محددات وفلاتر فرز بين الحسن والسيء والتي بدونها تتحول حياة الناس البسطاء الى جحيم لا يطاق تدفعهم أما للقنوط والاستسلام أو الهروب من الدائرة الجهنمية بحثاً عن حياة أفضل وأهدأ بعيداً عن مراتع الصبا وأحضان الذكريات.

بعد هذه المقدمة الطنانة وددت ان انقل لكم نموذجاً جديداً من هؤلاء الذين يلقيهم بحر الحياة على سواحله كالزبد الذي سرعان ما يختفي …فبعد ان أستقر بي المقام في أحدى المدن البعيدة وأنا أتلمس المساعدة عن كيفية بدء حياتي هناك وترتيب أموري الاساسية حسب الاولويات نصحني صاحب الدار أن اتصل بسيدة لاسيما وهي عراقية وكانت تشغل نفس الدار وهناك متعلقات مالية يجب تسديدها من قبلها وابراء ذمتها ليتسنى لي استلام المكان .. قمت بالاتصال بها هاتفياً وبعد السلام والكلام تم الاتفاق على ان تحضرفي اليوم القادم وفعلاً طرق الباب في حوالي الساعة الواحدة ظهراً ففتحت الباب لأكون بمواجهة أمرأة طويلة حنطية الشكل متحررة ترتدي بنطلون جينز وقميص بلون غامق كحلي تعقف شعرها الى الخلف على شكل ذيل الحصان ألقت التحية وهي تبتسم ابتسامة عريضة وجريئة تخلومن الاستحياء الذي يرافق مثل هذه المقابلات بالنسبة للنساء ,وبعد الترحيب دلفت الى الداخل على الفورمتسائلة أين زوجتك ولم لم تستقبلني فأجبت ستحضر حالاً حينها أنطلقت بالحديث بصوت مجلجل مبينة ميزات المكان وتفاصيله وعند سؤالي لها حول أمكانية وضع حاجز في حديقة المنزل تساءلت بأستهجان وهل انت تستحي فقلت الموضوع يتعلق باحترام الخصوصية فانطلق صوتها مع قهقه(والله خزيتونا) تصفحت وجهها الرخيص ثانيةً وتجاوزت الامر بصعوبة أستمرت بالحديث عن الفواتير التي سددتها والمتعلقة بالماء والغاز فقلت ان فاتورة الكهرباء انا قمت بتسديدها فتساءلت عن مبلغها فبينت أنه مبلغ زهيد فأنطلق صوتها مرة اخرى بعبارة (والله خزيتونا شتريد أنطيك فلوسها) هنا أنفجرت عليها بحديه ملحوظه متسائلاً سبب الخزي الذي ألحقناه بالعراقيين ثم قلت لها اذا كانت هذه المرة الوحيدة لك في العيش خارج الوطن فنحن سبق لنا السكن في مدن مختلفة وبدول متعددة .غادرت المنزل مسرعة وتركتني أفكر بهذه النفايات التي تعكس وجهاً كالحاً مشوهاً بعيد عن حقيقة المواطن العرافي الاصيل هذه وامثالها يعتقدون ان التقدم بتغير المظهر ومحاكاة ابناء البلدان التي يسكنوها بالشكل فقط من خلال تدخين النساء في الاماكن العامة وأحتساء المشروبات الكحولية والتعبير عن بعض المواقف الحميمية علناً امام أنظار المارة بلا حياء وتناسوا الحديث النبوي الشريف (الايمان بضعٌ وستون شعبة والحياء شعبة من الايمان).