23 ديسمبر، 2024 8:25 ص

أيها الخجل أين حمرتك/شكسبير
غباء السياسي الطائفي هو المعيار الحقيقي لخلق أسباب يعتقد أنها هبة عدمية المصدر ليبقى في هذه الصورة وليبرر ويفسِّر ما لا يُفسّر ومن حسن حظك أيها (الدمث الأخلاق) أنك أوجدت من أزعج الحياء وأخرجهُ من غيبوبته، فكيف سيمزق الحياء صورتك الطائفية الغبية . أنظر إلى مشهد الموت وهو يهوي على العراقيين أو الاشلاء التي كلما جُمعت أُعيد نثرها من جديد، ربما ستقول لهم: هذا ليس أنا أو هذا المشهد ليس هو وسنضطر إلى الاستعانة بعدساتنا الطبية لنرى المشهد بشكل أوضح، ألست بحاجة إلى أن تحتكم الضمير المعلن كي ترى بشكل أوضح مما نرى؟ كم أتمنى ان أُحصي عدد ضمائركم المستتر منها والغائب ناهيك عن المنفصل والمتصل وذاك المخاطب من وراء العدم، كم أتمنى أن لا تستل مفرداتك الغائمة وتحسم النقاش، أنتظر قليلاً ودعنا نموت بنفس الطريقة التي يموت بها البشر ولكي نقول للغباء الذي بات حاسة بديلة للحواس الكثيرة التي فُقدت: شكراً لحاسة الغباء الضرورية للحياة . أما زال الغبي نائماً في ذلك النعيم؟ كيف سأمزق المشهد؟ وهل هناك ثمة تفسير آخر لا نعرفه عن الجريمة؟ لذلك سنُسهب بعض الشئ في هذا المقال الخجول عن المشهد الطائفي المستعاد وأعني الجريمة .
لا تنطبق أوصاف التحضر والتخلف على أية جريمة مهما علا كعبها أو شانها، لا فرق، ولا يجوز، كما نعتقد أو ندرك أيضاً، نعت الجرائم بالمعاصرة والحضارية للدلالة على وجود همجية متأصلة، الجريمة في مضمونها التقليدي وغير التقليدي فعل وحشي يتعدى المقاييس والأوصاف والجنسيات، وللمجرمين في كل الأصقاع لغة مشتركة، عالمية بتعبير أدق . إذا كانت الدول والممالك الحديثة منها والقديمة على حد سواء تسن شرائع وقوانين وأنظمة لمعاقبة المجرمين تختلف باختلاف المشارب الاجتماعية والايديولوجية للمشرِّع، وإذا كانت أشكال العقاب تتفاوت بين هذا البلد أو ذاك، فإن هذا التفاوت هنا لا يعني أستطراداً أو تفاوتاً في مضمون الجرائم، ولكن شكل الجريمة يختلف باختلاف خيال المجرم وباختلاف أصوله الاجتماعية والثقافية والسياسية والمذهبية لذا تظهر بعض الجرائم أو أغلبها أحياناً في صورة مدوّية وبعضها الآخر في صورة هادئة أو باردة وللدلالة على غياب الصلة بين مضمون الجريمة والمقاييس الاجتماعية والفكرية والسياسية، نسوق مثالاً بسيطاً لما حصل للعراقيين منذ أيام وما سيحصل، وهذا ما نخشاه، في قادم الأيام .
قد تتداعى كلمات الاستهجان حين لا تتطابق ووصف الجريمة أو المشهد، وقد يلتقط البعض ما في هذه الكلمات من مفارقات تأخذنا إلى ضفة لا نحبذ الاقتراب منها تعففاً أو يأساً . لمرات عديدة تساءلت مع نفسي: لماذا يقتلوننا بهذه الطريقة، ولماذا نُقتل بهذه الطريقة البشعة؟ وفي كل مرة أيضاً أعارض تقليدية طرح مثل هكذا سؤال قائلاً: والآن، ما هو دور الكاتب؟ ولكي لا نتبرأ من التقصير، علينا أن ننزع من تصوراتنا علامات التعجب مثلما نُحيل ما يختفي وراء علامات الاستفهام إلى أجوبة محتملة لا مفترضة لأن التاريخ يكذب الواقع، لتبقى الصورة على صواب خوفاً من الحقيقة والضمير ورمزية الأخلاق .
الكاتب الحقيقي لا يصلح للسكون ولا لترويض ذاته ولغته والتساؤل عن اشكالية دور الحقيقة، ولأنه أيضاً لم يُخْلَقْ إلا للكتابة عنها وبها ودائما يكون جاهزاً للاعتراف باللحظة التي تلتبس فيها الكلمة مع المشهد أو الحقيقة مع الضمير والأخلاق مع الموقف ومثلما أعتاد على هذا الالتباس، أعتاد أيضاً على الارتباك لا خوفاً من قول الحقيقة بل بحثاً عن أملٍ يحمل الصرخة للضحية وهي تواجه الموت أو المفخخات بلكنتها الطائفية والضحية باوجاعها العراقية، يا للمفارقة التي تخلق أسباب ألم لا نعتقد انه هبة بقدر ما هو واقع . هل بمقدور العراقي أن يشفى من هذا الوجع الذي لا شفاء منه، وهل بوسع أحد منا أن يأتلف مع هذا العراق المريض الذي يدفعنا كل لحظة إلى أن نختلف عليه مراراً أو نتباهى به؟ نحن نختلف في كل شئ ولكن هناك سر بسيط جداً يجعلنا نتفق، هذا السر أسمه عراق، يأتي أولاً على شكل انتماء وتالياً بصورة هّم، ولذلك نستطيع القول: جميل جداً أن يُعبر العراقي عن تفوقه على أحزانه الكبيرة والكثيرة وعن قدرته على المكابرة، فذلك سُمُوُ العراقي المدافع عن حرية وطنه أو عن معنى الكلمة حين يكتبها أو يقولها، وتبعاً لسلَّم الأولويات الكوني فسيكون علينا نحن القابعين في الجليد أن ننتظر موتنا وإلى أن تُحين هذه اللحظة المرجوّة الحتمية يترتب علينا أن نعمل شيئاً ما، كأن نحتج أو نقوم بعصيان مدني أو نكتب مقال خجول عن هكذا موت أو قصيدة ولكن من باب الرثاء هذه المرة، ولربما سنلتقي في نهاية المطاف ويقترب أحدنا من الآخر ليسأله: ما الذي فعلته للعراقيين وهم يموتون بالمفخخات، حينذاك سأبحث عن نافذة لأرمي من خلالها بنفسي وسيهمس بيّ صديقي القادم من بغداد قائلاً: لقد فات الآوان .