19 ديسمبر، 2024 7:25 م

تسهم المجلات المتخصصة في الدوريات برفد الحركة الثقافية والعلمية بمزيد من الموضوعات والدراسات والأفكار التي تاتي من مفكرين وعلماء وأساتذة متخصصين..وهذه المجلات حقيقة عبارة عن مؤلفات بموضوعات عدة ، فالعدد الواحد من اية مجلة يعتبر كتابا ومرجعا وموئلا ومصدرا ثرا للمعلومات المختلفة.

وهذه المجلات عادة ماتكون رصينة ومحكمة ، كتلك التي تصدرها بيت الحكمة في الدراسات السياسية والدينية والفلسفية والقانونية والتاريخية والاجتماعية .. ومجلة المجمع العلمي العراقي او المجلات الثقافية والأدبية التي تصدرها دوائر وزارة الثقافة او تلك التي تصدرها مراكز البحوث والدراسات او الجامعات ، وقد اسهم المجتمع المدني بهذا الجهد العلمي من خلال إصداره عددا من المجلات المتخصصة نذكر منها مجلة حوار التي تصدر عن معهد التقدم للسياسات الإنمائية ، وهي تعنى بقضايا التنمية وخيارات المستقبل في العراق. اذن أصبحت لدينا بديهية ان لا غنى لنا عن هذه الإصدارات بل انها مكملة للمشهد الثقافي والعلمي.

لقد صدر العدد (44) من المجلة التي واصلت الصدور على مدى تسع سنوات ، وحرص معهد التقدم الذي يصدر المجلة ان يضمنها دراسات وبحوث ومؤشرات واحصائيات ورؤى اقتصادية وسياسية فضلا عن نشاطات المعهد المتمثلة بنداوته وجلساته العلمية.. ففي العدد (44) الذي صدر في شباط 2015 نجد ان المشرف عليها ورئيس تحريرها الدكتور مهدي الحافظ ، يضع مؤشرات مهمة لبدايات الإصلاح المصرفي ، و هو يرى ان سياق البرنامج الحكومي الذي صدر قبل شهور عدة ، تضمن الإصلاح الاقتصادي كاحدى المهمات الرئيسة للتغيير المنشود في العراق . معززا رايه بقرارات لجنة الشؤون الاقتصادية التابعة لمجلس الوزراء ، لتعطي الامل بإمكانية اصلاح القطاع المصرفي وخصوصا تحقيق المهمات الهادفة لدعم المصارف الاهلية. فالقرارات حسب راي الحافظ تعبر عن مطلب وطني واقتصادي واسع ، ويرى في إعادة التوازن بين المصارف الحكومية والمصارف الاهلية مسالة جوهرية في الإصلاح الاقتصادي ، ويخرج الرجل على ضوء رؤيته للموضوع بتسع مؤشرات مهمة لايتسع المجال هنا لذكرها.

وفي نفس الموضوع تنشر المجلة دراسة للدكتور علي مرزا حول موازنة 2015 وتحديدها لسقف مبيعات الدولار في مزاد العملة ، مشخصا التبعات المحتملة للتطبيق . حيث أوضح مرزا انه بالإضافة الى تمويل تكاليف العمليات العسكرية ، فان اعداد الموازنة واجه ظروفا مالية غير مستقر نتيجة لانخفاض أسعار النفط وان هذا التحدي الذي واجهها في الاعداد سيرافقها أيضا في التنفيذ لصعوبة التعامل مع السيولة المالية في ضوء قلة العائدات النفطية

التي تُعد المورد الرئيس للميزانية السنوية للدولة ، اما التبعات المحتملة لتطبيق سقف مبيعات الدولار في مزاد العملة فان التطبيق سيطلق إشارة سيفسرها اغلب المتعاملين في السوق على ان السياستين المالية والنقدية غير ملتزمتين جديا بالحفاظ على مستوى مستقر للأسعار. وهذا ما سيؤدي فيما بعد الى توسع متزايد للفجوة بين سعر الصرف الرسمي ، وسعر صرف السوق ، ونتيجة لذلك ولبعض العوامل ، فان معدل التضخم سيتصاعد بشكل حاد وهذا ما يؤدي حسب راي الدكتور علي مرزه الى تقييد قدرة البنك المركزي والسياسات الاقتصادية عموما ، بما فيها السياسة المالية . ويرى الباحث ان اهم وسيلة للحفاظ على استقرار سعر صرف الدينار لدى البنك المركزي بالإضافة الى أدوات السياسة النقدية هي اشباع الطلب على العملة الأجنبية بسعر الصرف السائد.

وتنشر (الحوار) تعقيبا على دراسة الدكتور علي مرزة كتبه موفق حسن محمود المستشار في مصرف الإقليم التجاري للاستثمار والتمويل ، حيث يؤكد ان ازدواجية او تعددية أسعار الصرف سيحرم البنك المركزي احدى ادواته للحفاظ على الاستقرار النقدي ، وهو يرى في ختام تعقيبه انه لابد من القبول بانخفاض محسوب لسعر صرف الدينار ، ولابد من قبول نسبة للتضخم من جهة والعمل من جهة أخرى على تخفيض الاثار السلبية الناجمة عن انخفاض القوة الشرائية لذوي الدخل المحدود . الحوار نشرت أيضا في العدد (44) دراسة للخبير الاقتصادي الدكتور احمد ابريهي علي حول اقتصاد السكن وسياسات الإسكان وابعادها الكلية ، وهي مقاربة تحليلية لتشخيص محددات النشاط الاستثماري السكني في القطاع الحقيقي والترتيبات المؤسسية ، وفي هذا العدد يرى الدكتور احمد بريهي ان الوضع السكني ونوعية خدمات السكن لايمكن عزلها عن مستوى التطور بدلالة متوسط الدخل للفرد ، إضافة الى الإنتاجية والخصائص البنوية ، حيث تشكل المساكن اكثر من نصف ثروة الاسر في العالم إضافة الى كونها من اهم مقومات الترفيه والاستقرار الاجتماعي ، واساس المدنية والتحضر في حين وجد الدكتور سمير حسن ليلو ان تأثر سياسة الاقتصاد الريعي على مسار بناء الدولة المدنية الديمقراطية في العراق منذ عام 1921 كانت سلبية حيث لم تستطع كل النخب الحاكمة المتصدية للعملية السياسية في إرساء قواعد بناء الدولة المدنية الديمقراطية على أسس الحداثة وبدلا من ان يلعب الايراد النفطي دورا فاعلا في النهوض والتقدم باتجاه بناء الدولة المدنية اسوة بالدول المتحضرة ، كان عاملا مهما في زيادة حجم ودرجة الاستبداد والتسلط والطغيان من الحاكم في كل النظم السابقة ، ويخلص الرجل الى القول ان عملية بناء الديمقراطية والدولة المدنية الحديثة يتطلب وجود أحزاب سياسية ممثلة لمصالح وطموحات طبقات المجتمع كافة.

وفي دراسة أخرى نشرتها (الحوار) يعرض السيد مهدي محمد جواد الرحيم لازمة المصارف العراقية ، اذ يرى انها تمر بأزمة شديدة الخطورة على مستقبلها ، فقد وجهت محكمة النزاهة تهمة غسيل الأموال الى الغالبية العظمى من هذه المصارف ، وطالبت بمحاكمتها ممثلة برؤساء مجالس ادارتها ومدرائها المفوضين .. ويؤكد الباحث ان المشكلة تتعلق بالسياسة التي يتبعها البنك المركزي العراقي في مزاد بيع العملة الأجنبية ، لتمويل الراغبين باستيراد البضائع المختلفة والى المجهزين بصورة مباشرة ، والدفع النقدية المسبق ، وليس عن طريق

فتح الاعتمادات المستندية التي تعمل بها كل المصارف في العالم . ويضيف ان العراق هو الدولة الوحيدة التي تمول الاستيرادات عن طريق الحولات النقدية وليس أسلوب الاعتمادات المستندية.

ومادمنا نستعرض الجانب الاقتصادي ، لابد من المرور على الدراسة التاريخية المقارنة حول افاق الطاقة في العالم ، التي اعدها عطا عبد الوهاب ، والتي عرض فيها اهم التطورات التاريخية في أسواق النفط وقد اطرها الباحث بخمس حقب وهي: حقبة النمو المضطر بعد الحرب العالمية الثانية ، حقبة الاضطراب في الأسواق النفطية ، وحقبة الركود الاقتصادي ، وحقبة التسعينيات ، وحقبة بداية الالفية الثالثة ، ويتناول الباحث في دراسته تذبذب وتراجع أسعار النفط التي تعد مشكلة كبيرة لكثير من البلدان التي تحتاج الى موارد كبيرة يحققها ارتفاع سعر الخام لتمويل نفقاتها.

وفي هذا المجال أيضا يستعرض الدكتور وليد خدوري وهو خبير في الشؤون النفطية مجموعة مقالات منها احتجاجات الخبراء على الغاز الحجري ، والاستثمارات العربية في الطاقة والتي من المتوقع وصولها الى (685) بليون دولار حتى عام 2019 ، واعتبار ازمة تدهور النفط بنيوية ، ويتساءل في احدى مقالاته حول مدى استطاعة النفط العربي الموازنة بين الاستهلاك المحلي والتصدير ، ومحاولات إسرائيلية للتغلغل في قطاع الطاقة العربية ، وأسواق النفط في عام 2014 والاتفاق النفطي بين بغداد واربيل خطوة محلية على طريق يراه الباحث طويلا ، واوبك والرهان على استقرار السوق والسياسة البترولية الامريكية.

وبالعودة الى المقدمة التي عرضناها فان الحوار تضمن موضوعات أخرى غير الاقتصادية ، منها السياسية ومجموعة تقارير محلية ودولية ، إضافة الى عرض للندوات التي يقيمها المعهد ، ولعل ابرز الموضوعات التي لم ناتي على ذكرها هي محاضرة الدكتور عبد اللطيف جمال رشيد المستشار الاقدم لرئيس الجمهورية ووزير الموارد المائية السابق ، حول الامتيازات والحلول المستدامة لقطاع المياه في المنطقة العربية ، والدراسة السياسية التي نشرها الدكتور تيسير عبد الجبار الالوسي بعنوان ومضات واضاءات مفيدة ، تناول فيها موضوعة الطائفية السياسية ، مبتدئا بمدخل حول جذور الطائفية ومفهومها ، مستعرضا لتجربة الطائفية السياسية وممارساتها ، مبينا العلاقات بين الطائفية السياسية وحقوق المواطن ، وتعارض الطائفية السياسية و الوحدة الوطنية، موضحا اسلوب الطائفية السياسية وجوهر الفيدرالية ، فهو يقول : نفهمها في التقسيم والتشظي ، لا في الوحدة والتكافؤ ، وتوجهات الطائفية السياسية وإلغاء مبداء احترام الاخر. علما ان العدد غني بموضوعات أخرى لم نأت على ذكرها.

أحدث المقالات

أحدث المقالات