اقتنص فرصة زيارة السيد جيمس جيفري المبعوث الخاص للرئيس الامريكي الى اقليم كوردستان, ولقائه مع السيد نيجيرفان بارزاني رئيس اقليم كوردستان, للحديث عن مستقبل العلاقات الامريكية الكوردية في ظل الاوضاع السياسية الراهنة وابعاد الحوار الاستراتيجي الامريكي – العراقي المستقبلية.
يبدو ان امريكا وفي الوقت الضائع ادركت بأنه سحب قواتها من العراق ابان ادارة (باراك اوباما), خطأ سياسي اودى بالبلد الى الهاوية. لذلك لا تريد ان تقع مرة اخرى في نفس الخطأ, لا سيما بعد ان قرر الرئيس الامريكي (دونالد ترامب) سحب قوات بلده. ولكي تتخطى هذه الاخطاء لجأت الادارة الامريكية الجديدة الى ايجاد بديل, الا وهو اجراء الحوار الاستراتيجي الامريكي – العراقي و بحضور بارز لاقليم كوردستان.
الحوار الاستراتيجي الامريكي – العراقي ليس بالشيء الجديد في القاموس السياسي الامريكي, لانها سبق وقد اقامت امريكا الحوار الاستراتيجي مع كل من (تايوان, يابان وفليبين), وهي الان في خضم حوار مشابه مع الهند. وهذا النوع من الحوار المبني على مراعاة مصالح طرفي الحوار, له طابع شمولي ذات ابعاد مختلفة ولأمد بعيد, وقد يتمخض منه اتفاقيات سياسية واقتصادية وعسكرية وامنية, بل وحتى ثقافية.
السؤال الجوهري هو: ما مكانة اقليم كوردستان في هذا الحوار الاستراتيجي؟
قبيل سقوط نظام البعث كان هناك تنسيق وتحالف متين بين كل من امريكا و اقليم كوردستان, وكان لاقليم كوردستان مكانة رئيسية على الخريطة السياسية الامريكية التي رسمتها لمستقبل عراق مابعد صدام ونظامه. لكن الفارق الان هو, ان امريكا ومن خلال اشراك اقليم كوردستان في الحوار الاستراتيجي الامريكي – العراقي, ترمي الى تغير طبيعة علاقتها مع الاقليم وصياغة هذه العلاقة في اطار تعريف جديد ومغاير عن السابق. تأكيد المبعوث الخاص للرئيس الامريكي خلال لقائه مع السيد رئيس اقليم كوردستان على استعداد بلاده المستمر لمساعدة ومساندة اقليم كوردستان والعراق في التصدي للارهاب وانهاء مخاطر داعش بشكل جذري, اشارة واضحة الى متانة هذه العلاقة.
الجدير بالذكر ان علاقة امريكا واقليم كوردستان في الوقت الراهن في اوجها ويوما بعد يوم تنحى منحا ايجابيا و احسن, والسبب هو دور وفعالية اقليم كوردستان في المعادلات السياسية على مستوى العراق من جانب, ومستقبل المصالح الامريكية في العراق من جانب اخر. بمعنى اخر, تأتي هذه العلاقة المتينة بين الطرفين في وقت ان لامريكا مشروع سياسي لعراق ما بعد سحب قواته منها ولابد من ضمان نجاح مشروعها المرتبط بمصالحها السياسية ونفوذها في المنطقة عموما وفي العراق على وجه الخصوص.
امريكا لا تريد ان يسبب سحب قواتها الى حدوث فراغ في العراق, فراغ يؤدي الى عدم الاستقرار وبالتالي فتح مجال اكثر للتدخلات الاقليمية في شؤون البلد بحيث تنعكس سلبيا على مصالحها, لذلك تحاول جاهدا الى ان يكون هناك توازن بين اربيل وبغداد.
استجابة امريكا لاصرار السيد نيجيرفان بارزاني – رئيس اقليم كوردستان على ضرورة مشاركة اقليم كوردستان ككيان قانوني ودستوري ضمن العراق الفيدرالي في الحوار الاستراتيجي الامريكي – العراقي, اشارة واضحة الى حقيقة مهمة, وهي ان امريكا لا زالت وستبقى بحاجة الى اقليم كوردستان بأن يكون اقليما قويا, مبتغية وراء ذلك ضمان سلامة مصالحها في العراق, وهذه الاستراتيجية تكمن في نقطتين مهمتين, وهما:
أولا: تأكيد السفير الامريكي في بغداد خلال لقائه مع السيد نيجيرفان بارزاني قبل بضعة اشهر وبالحرف الواحد على ان ”امريكا تريد اقليم كوردستان قوي ضمن العراق الفدرالي“, دليل على وجود مخاوف لدى امريكا لمرحلة مابعد الانسحاب من استمرار عدم الاستقرار السياسي في العراق بغية اعادة السيادة للبلد, فأما الاستقرار السياسي بالدرجة الاولى مرهون بالحل الدستوري والجذري للمشاكل المتعلقة بين اربيل وبغداد.
ثانيا: تريد امريكا بأن تطمأن على ان العراق وبعد انسحاب قواتها منها, لا تنحرف عن المسار المخطط له, لا سيما فيما يخص المعادلات السياسية في الشرق الاوسط. أو بالأحرى, لا زالت لدى امريكا مخاوف على ان تتجه العراق نحو جبهة قد تتعارض سياساتها مع المصالح الامريكية في المنطقة. ويأتي تأكيد جيمس جيفري على ضرورة ضمان مصالح الاقليم وحفاظها ضمن الدستور العراقي من هذا المنطلق. حيث اشار المبعوث الخاص للرئيس الامريكي قبل سنة وعلى هامش المحادثات ذات الصلة بأبعاد اجراء الحوار الاستراتيجي الامريكي – العراقي مؤكدا ”على العراق ان تعي و تدرك, اذا ارادت ان يأخذ من الحوار الاستراتيجي درعا للانحراف والجري وراء اجندات اخرى, فأن لدى امريكا اقليم كوردستان وسوف نذهب الى اربيل“.
ويأتي تثمين كل من الامريكيين والاوربيين لدور السيد نيجيرفان بارزاني الايجابي في المعادلات السياسية على الصعيدين الكوردستاني والعراقي, نتيجة اصراره على الاخذ بالحوار كاهم وسيلة لحل المنازعات, كذلك تأثير جهوده المبذولة من اجل تحقيق وحدة الصف الكوردي في سوريا (ڕۆژئاوا), وتأكيده على انه لا يمكن وتحت اية ظروف كانت, ان تصبح العراق ساحة لتصفية حسابات القوى الاقليمية والعالمية المتصارعة في المنطقة, هذا اضافة الى اظهار نياته الحسنة واستعداده اللازم من اجل انجاح خطوات الحوار الاستراتيجي من اجل تقدم العراق وانعاشه من جديد شريطة ان تلتزم بغداد بالدستور في الحل الجذري للمشاكل العالقة بين اربيل وبغداد.