18 ديسمبر، 2024 8:43 م

الحمد لله انني بقيت حياً !

الحمد لله انني بقيت حياً !

أتذكرُ جيداً ومعي زملاء وأصدقاء أعزة يقرأون هذا المقال الآن ، كيف كان زملاؤنا طلبة الكلية من بغداد ومحافظات الوسط حين قُبلنا في كلية التربية الرياضية بجامعة بغداد في نهاية سبعينيات القرن الماضي كيف كان بعضهم يتهامس والبعض الآخر يبتسم وبعض الزميلات يستغربن أننا من مدينة ( الرُمادي ) وكيف وصلنا إلى بغداد معتقدين أننا أتينا من وسط الصحراء وأننا مازلنا نتنقل على الجمال ( البِعران ) !
الآن وفي ظل الأحداث التي يمر بها العراق توضحت أمور كثيرة لغالبية العراقيين من بينها أن الأنبار لا تبعد سوى أمتار عن بغداد وكربلاء والنجف وبابل ونينوى وصلاح الدين .. وأن الأنبار ظهيرها الخالد الرُمادي مدينة السنديان والسِدْر والكيصوم تسيطر مساحتها على أكثر من ثلث مساحة العراق .. ولا أُريد أن أذكّر ما تتمتع به الأنبار وعاصمتها المثلثة الرُمادي من ميزات تجعلها أعظم دولة وأعظم إقليم لو أراد أهلها ذلك إلا بإختصار شديد لاحقاً .. وما يهتف به بعض السياسيين من مطالب لتحويل الأنبار إلى رقعة شطرنج يتلاعب بها كيف يشاء .. فالأنبار وأهل العراق جميعاً وبعدهم العرب وبعد بعدهم العالم بأسره والأرض بأسرها لا يمكن أن يستقر إلا وأن تستقر ( الرُمادي ) ولا يمكن للعراق والعراقيين أن يهدأ لهم بال ويستمر الأمن والأمان إلا بعد أن يُعاقب من أساء لأهلنا في الرُمادي ( وأنا شاهدٌ مستمرٌ على ذلك ) بعد موجة النزوح الكبرى لهم والتي لم يشهد العالم لها مثيلاً بقسوتها وظلمها وتصدي جنود وشرطة هذه الدولة العجيبة لقوافل النساء والشيوخ والعجائز والأطفال .. ومطاردة وتهديد وإبتزاز الميليشيات لهم أينما حلّوا .. التفسيرات التي أطلقها بعض المسؤولين الوقحين وأقولها متمسكاً بهذا الوصف بأنَّ هؤلاء النازحين يمثلون ظاهرةً خطيرةً وعلى الدولة تطويقها والحد منها أمرٌ جعلَ العلاقة وبسبب هؤلاء الوقحين بين أهل الرُمادي ومن تصدى لهم مقطوعة ولا رجعة فيها ولأنني من أهل هذه المدينة فأقولُ بأننا ليس لنا ولعٌ بالإنتقام والثأر كما يعتقد الكثيرون !
بل نحنُ محترفون في التسامح ، لكنِّ النظر والتقييم والمحصلات لابد أن تُعزز بعمل فكيف يمكن لمسؤول أقْسَمَ قَسَماً لخدمة لشعب أن يتكلم بهذا المنطق !
من هم أهل الرُمادي كي تتصدى لهم الميليشيات لو لم تكن هناك مؤامرة دولية أصلاً هدفها تغيير المسار الديموغرافي لأهل الرُمادي وإستبدالهم بشرايين قومية وعرقية وأثنية جديدة .. هناك أدلة على ذلك سيتكفل المستقبل القريب جداً بكشفها .. قبل ذلك الّذين هاجروا ونزحوا من الرُمادي إلى بغداد ومحافظات أخرى لن يعود أغلبهم إلى المدينة وستبدأ عملية الإنصهار التلقائي كما حدث في جميع موجات النزوح والهجرة عبر التاريخ .. أما ما يتبقى من الرُمادي فسيجعلها عاصمة كبرى للعراق أو مركز العالم الإستراتيجي .. فالرُمادي
( المقصود الأنبار دائماً ) لديها خزين هائل من النفط والغاز لم يُفقد منه لتر أو متر واحد ( كما يحدث الآن في نفط الجنوب وبيعه في السوق السوداء بربع سعره وضياع وفقدان عشرات الحقول الكبرى جراء السيطرة الكويتية والإيرانية عليها والهيمنة المطلقة لبعض الأحزاب والكتل والرؤوس النافذة على هذه الآبار فضلاً على تهالك وقِدَم معدات التصدير والمشاكل المستمرة والمتفاقمة بين شركات التنقيب والتصدير الأجنبية والحكومة المركزية ) .. وأطول سكة حديد تتصل بشرق المتوسط وإمكانية إحياء خط قطار الشرق الذي ينطلق من برلين ويتوقف في جدة .. وفي الرُمادي ثلاث بحيرات واحدة كاملة وهي الحبانية ( داخل محيط المدينة ) وواحدة يوجد أكثر من نصفها في المدينة ( الثرثار) وأكثر من ثلث بحيرة ( الرزازة ) و24 معمل صناعي إستراتيجي بينها متفرد كالفوسفات والزجاج والسيراميك وعشرات المطارات وأطول خط سريع يربطها بوسط العراق وجنوبه وبمنفذ الوليد مع سوريا ومنفذ طريبيل مع الأردن .. ومنافذ حدودية مع ثلاث دول ، السعودية والأردن وسوريا .. وثروة زراعية هائلة معظمها يتواجد قريباً من حوض الفرات .. وأكبر سد إروائي في الشرق الأوسط ( سد القادسية ) وسدود مساعدة وعشرات السدود الطبيعية داخل البادية الغربية ونواظم ومحطات توليد طاقة كهرومائية ومنشآت للطاقة المتجددة ومئات المعابر والجسور الكبرى والتقاطعية وجامعتان تتوزع كلياتهما على مساحة المحافظة وتبدأ من القائم إلى ( أبو غريب ) .. وأكثر من مليوني نخلة وحقول ديمية للحنطة والشعير ومزارع لجميع أنواع الخضروات والفواكه ومدينة سياحية وحيدة في العراق ( الحبانية ) وطاقة بشرية لم تُستغل بشكلها الحقيقي لحد الآن بسبب الإحتلال العشائري للمدينة منذ عقود وظهور مسميات مناطقية أساءت إلى وحدة المدينة وتلاحم أهلها سببها الأساس مايسمى بالشيوخ وهم تَبعات إستعمارية توارثتها المدينة منذ الإحتلال العثماني للعراق والإحتلال البريطاني والإحتلال الأمريكي الذي كان أخطر الإحتلالات وما أفرزه من فروع وأجزاء تابعة لهؤلاء الشيوخ ونهبهم وتدميرهم وتخريبهم لثروات المحافظة ونقل صورة سلبية أمام العالم للواقع الثقافي والإجتماعي للرُمادي .. في الأسابيع الأخيرة من عمر الحرب تدافع أهلي في الرُمادي مهاجرين نحو أرضٍ إعتقدوها آمنة ما لبثت وأن تحولت إلى ساحة للتصفيات والمطاردات والتهديدات .. لكنِّ هذا لن ينفع فجميع المؤشرات تؤكد أنَّ العراقيين إذا أرادوا الخروج من هذه المحنة سالمين .. عليهم التصدي ومطاردة المناهضين للتواجد المؤقت لأهل الرُمادي .. لأنَّ العودة الأولى لأهلي في الرُمادي بعدما تحمّلوا ما تحمّلوا من ضيم وقتل وعدم قبول ممن كانوا يعتقدون أنهم أخوة لهم ستبدأ ببناء عاصمة جديدة للعراق إسمها الرُمادي ..