قال تعالى {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [العنكبوت : 36]
يكثر الحديث في المحافل المجتمعية ومواقع التواصل عن الحل لمعضلة اسمها العدالة والإنصاف في العراق والكل يبحث عن الحل كيف يكون ومتى يكون وعلى يد من .. وللأسف الشديد البعض الآن يعولون على عودة أميركا كمنقذ فيما تعلق آخرون بالجانب المضاد لها على اعتبار أثر الأحداث الماضية ووحدة البقاء أو المصير .. والمشكلة أن عنوان الحل اخذ يُفبرك على أن المسألة متعلقة بالسياسيين أو بطرف منهم.. فهل مشكلتنا هي مع هذه القوائم التي تحكم البلد فقط وهل الحل بأننا نوجه عمالتهم من طرف دولي لآخر!؟.
إن كل من يعول على إيجاد الحلول من الخارج إنما يعني توجيه عمالة البديل الذي يصل إلى دفة الحكم من دولة إلى دولة أو دول أخرى.. فلو غيرنا كل الوجوه لبقي الحال على ما هو عليه إن لم يكن أسوء.. لأن هذا يعني بالضرورة بيع البلد وثرواته ومصير أبناءه ودخوله مآسي وكوارث مقابل أجندات سياسية ومشاريع تحققها هذه الدولة أو تلك.. وليس في قوانين الدول صداقات وأخوة بل مصالح تبنى بأقذر الأيدلوجيات داخل دهاليز المخابرات التي تجردت عن الإنسانية بالتمام فالتعويل على الحل من الخارج هو تعويل على تلك الذئاب والوحوش الضارية.
ليس هذا هو المهم في ما نريد أن نبينه فأن الدخول فيما بين أضداد السياسة قد يجعل الإنسان طرفا في هذه المعترك البعيد عن الإسلام والإنسانية لكن يبقى النصح كفريضة عنوانها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ولهذا نقول.
كيف يمكن أن يكون الحل إذا كان القضاة في البلد كآلة مبرمجة بحسب رغبة من يديرها فهم سيف حاد على البسطاء قد صموا آذنهم وأسماعهم عن حيتان السرقات وكفنوا المدعي العام ورضوا بالمنح والعطاءات والمرتبات الكبيرة
وإذا كان شيوخ العشائر لا يهمهم سوى الواجهة والهدايا والزلفى من أصحاب المقامات من دولة الرئيس فما دون وكيف ما كان الثمن ولو على حساب تهميش المخلص والكفوء.
وإذا كان رجال الدين قد وضعوا أخلاقيات السماء ورسالات الأنبياء تحت قوائم حزبية وصبغوها بصبغة مذهبية وأخذ البعض منهم أجر جهاده بالدولارات وإذا كان الخطيب الحسيني قد أضاع فكر الإصلاح وأصبح همه أن تذرف دموع المستمعين كي يقبض في النهاية متنافساً مع غيره داخل حسينيات الأثرياء.
وإذا كان الإعلاميون لهم في كل حين اجتماع مع مدراء مؤسساتهم يملون عليهم ما ينبغي أن يتحدثوا به مع محللين وضُعوا لنفس الغرض وفق سوق الإرباح الإعلامي الذي هو ثمن لغسيل العقول
وإذا كان الموظفون في دوائر الدولة قد جعلوا من عقودها مكسبا فيرى المهندسُ المقاولَ مغنماً يبيع له ضميره ومهنيته
وإذا كانت أهم وظيفة إنسانية إلا وهي الطب قد تحول أربابها إلى تجار قساة قلوب يموت الإنسان إن لم يملك ثمن الدواء دون أن يحركوا ساكنا أو يرق لهم قلب
وإذا كانت المناهج الدراسية في وزارة اسمها التربية تتغير لأجل صفقات الطباعة وتجارة الكتب وآلاف الذين ينتمون لها من دكاترة وأساتذة تربويين قد بلعوا ألسنتهم
بعد هذا هل نلقي باللائمة على السياسيين فقط.. فهؤلاء مكانهم السياسة فكيفما انحطت بقية القطاعات أنحط قطاعهم معها فهم جزء من المجتمع لكن بفارق أنهم يديرون أمور البلد ولهذا يتحملون الجزء الأكبر.. والحديث يقول كيف ما تكونوا يولى عليكم. وكيف ما يكون البديل سيكون من سنخ الحالة لأنه من داخل نفس المجتمع فلا أمل بالتغيير مطلقاً إلا بتغيير الأنفس.
وإذا كان الحل قد رسمه الشارع المقدس بحكم أن ما من واقعة إلا ولله فيها حكم فمع هذا التخندق لا يمكن أن يعطي المرء أكثر من ضوابط كلية للخروج من هذا النفق المظلم إذ أن الحل سيعني تفكيك لكل تلك المنظومة التي صنعت داخل هذه البيئة الموبوءة والتي ارتبطت بها المصالح, فالمفروض أولاً قبل كل حل أن يحرر الإنسان نفسه لأن ما يحدث في الخارج هو انعكاس لما في داخل نفوس المجتمع
لهذا الحل ليس معجزة لكنه سهل ممتنع بسبب النفوس قال تعالى{ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } [الرعد : 11]