22 ديسمبر، 2024 11:53 م

الحل ليس يسيرا

الحل ليس يسيرا

أقولها بملء فمي وأظن أن ملايين الأفواه تقولها معي، وتضم صوتها إلي، أن نظام البعث كان أحد الاحتلالات التي مرت على العراق، بل أقساها، رغم أن احتلاله لم يدم غير ثلاثة عقود ونصف، اذا استثنينا السنين الخمس من مدة حكم أزلامه عقب الانقلاب الدموي الذي استشهد فيه الزعيم عبد الكريم قاسم.
وكنتيجة حتمية فقد ألقت هذه المدة ظلالها السيئة على المجتمع العراقي، كما أن أمدها كان كافيا لتنشئة جيلين ترعرعا خلالها على النهج المرسوم والسياسة المتبعة المفروضة من قبل الحاكم ونظامه وكذلك الحزب وأهدافه. ولما كان النظام حينها يتبع سياسة قمعية دكتاتورية عنصرية، علاوة على إقحامه شعبه حربا ضروسا غير مبررة، ثم قيامه بغزو دولة جارة، وماأفرزه فعله الأخير من تسليم البلاد الى أحكام حصار دولي، كل هذه المعطيات لايمكن ان تمر على أفراد المجتمع مرور الكرام، ولايعقل أن يتصف الجيلان اللذان خاضا مصاعب هذه الحقبة، بمواصفات المواطن السويسري مثلا.. او السويدي.. او الياباني. وما زاد الطين بلة.. ما آل اليه البلد من مآل بعد زوال ذاك النظام وشخوصه وحزبه. فكأن المارد ترك بعده حين هلك بعضا من أزلامه، لكي لاينقطع نسله، وكان له هذا، إذ لايمكن إنكار مدى فلاحهم ونجاحهم في إحياء نهجه وسيرته الى حد ما، على الرغم من مرور أكثر من عقد ونصف العقد على سقوطه، وماكان هذا ليتم لولا المتطبعين والمؤمنين تماما بأفكاره.
لكن هناك أمرا واقعا علينا جميعا الإذعان له، هو أن ليس كل من اندرج تحت سلم الوظيفة الحكومية إبان حكم النظام السابق وتدرج فيه، محسوبا على الأقزام والأزلام والورثة والأبناء البارين لرأس النظام او لحزبه، إذ أن كثيرا من الوظائف لاتعدو كونها مصدر رزق للموظف، تعينه على ديمومة حياته وقضاء مستلزمات أسرته، من مأكل وملبس ومسكن، وضروريات إتمام رسالته في الأبوة والإعالة، ولطالما كان الموظفون يحسبون أيامهم ليشطبون أخرى، بغية الوصول الى راس الشهر لنيل أتعابهم ليس إلا، ومن غير المنصف أخذ موظف يكد على عياله بجريرة موظف آخر استمات في تقديم خدماته للنظام، بكل مايملك من وسائل غير شريفة وغير نزيهة، اوموظف متلون اتخذه الحاكم الجائر مفكرا بلباس رجل دين، يصدر له من الفتاوى ما تبيح له ظلم العباد. كذلك من غير المقبول النظر الى شخص حتمت عليه (خبزته) العمل بمؤسسة تابعة للنظام، بذات النظرة الى شخص آخر جند نفسه بقيامه بوظيفة الحكيم والواعظ، وراح ينور للمقبور ونظامه مااسود من أفكار وآراء، او آخر سخره النظام ليكون مستشارا يدلي بمشورة سوء، يحلل له ماحرم الله والقانون والعرف والأخلاق والإنسانية، او جلادا انتقى بإرادته أن يكون الذراع الضاربة واليد المنفذة لبطش الحاكم، او قاضيا يخون قسمه وشرفه المهني، فيبرئ المجرم ويدين البريء (لعيون القائد)، او ضابطا نذر نفسه لتنفيذ أوامر سيده في قمع أبناء البلد، او إعدام نفر من المواطنين لمجرد إشارة من القائد الضرورة.
كل هؤلاء كانوا موظفين لكن، جنوا باختيارهم مهنهم هذه على مئات الآلاف من العراقيين، ما أذنبوا يوما سوى أنهم لم يكنوا الولاء للظالم، كما أن أولئك الموظفين ارتضوا لأنفسهم حياة الذل والعبودية التي لم تدم لهم طويلا، فأغلبهم انقلب عليهم النظام وتبددوا بين معدوم ومسجون ومشرد ومطارد ومنفي.
إن من تركات النظام البعثي هذه الوصمة التي شملت كثيرا من العراقيين، إذ كما يقول مثلنا (تساوت الگرعة وام الشعر) فالمنساقون مع خط البعث في مؤسسات الدولة، تركوا بصمة سيئة شملت الشرفاء الذين عاصروا تلك الحقبة، والذين باتوا بحكم تنسيبهم او تدرجهم الوظيفي تحت سقف واحد مع هؤلاء السيئين، واختلطت أوراق هؤلاء بهؤلاء، وشئنا أم أبينا الأمر ليس سهلا وليس حله بيسير.
[email protected]