19 ديسمبر، 2024 4:06 ص

في تخيل ما يورثه لنا الأحمر من أغراء تفيض عاطفة تكتنزها مشاعر اغلفة المجلات وممثلاث السينما وذلك التلوين المغري في شعاع اللون الدموي في طقس القبلة الفموية بين بطلة الفيلم رومي شنايدر وبطل الفيلم آلن ديلون ، وقتها تسري انهار العطر في عروقنا ونتخيل أننا تجاوزنا محنة فقر الاباء وركبنا مركبات الفضاء وطرنا مباشرة الى باريس ، وكانت مشاعرنا تفيض بذهول الاحمر حالما نخرج من بناية السينما الصيفي لندلف الى شارع الجمهورية ليصادفنا دكان حلويات يعرض في مقدمة بضاعته صينية من الحلقوم الاحمر الذي يثير فينا احمراره الرغبة بأكله كله وكأننا نأكل في شفتي الممثلة النمساوية شنايدر.

أبقت صورة الحلقوم الاحمر ذكرياتها ، وصار تناوله أو اقتناءه في امتعتنا يوم نعود من بيوتنا الى مدرستنا الغافية في حضن غابات القصب في أمكنة الأهوار بعض من طقوس قضاء الليل أن يكون السكر مائعا في فمكَ وانتَ تقرأ رواية أو ديوان شعر أو تستذكر مع زملاءك تلك اللحظة الرومانسية التي عاشتها الممثلة اليزابيث تايلور بين احضان ريتشارد بريتون وهم يجسدان شخصية كليوباترا ويوليوس قيصر في الفيلم الشهير كليوباترا.

وقتها يقول أحد المعلمين : أعطوني مزيداً من الحلقوم ليشعرني بالطاقة التي اتخيل فيها نفسي أنا القيصر.

نضحك ونقول : ولكن بدون كليوباترا.

يرد : ولهذا اريد أن اهاجر .

وقتها اكتشفت أن بعض ما تناوله في طفولتنا يشكل مؤثرا لما نتمناه ، وتلك هواجس تحدث عنها عالم جمالي فرنسي أسمه غاستون باشلار عندما بدأنا نقرأ كتبه الاولى ونصل الى قناعة أن اشياء صغيرة التي كنا نلوك بها ذات يوم بأمكانها ان تتحول الى غيمة وتأخذنا الى ما نتمناه .

لهذا لم يغب الحلقوم الاحمر عن تلك السهرات ، وفي اي سياحة صيفية لمعلم عندما تكون اسطنبول واحدة من محطاته فأن هديته لنا هو نصف كيلو من الحلقوم الاحمر فهو يؤكد أن البائع التركي أخبره ان هذا الحلقوم جعل سلاطين بني عثمان يمتلكون العالم بفحولتهم ولدى كل سلطان اكثر من مئة جارية مختلفة الجنسية ويقال أن سليمان القانوني كان يطارح عشرة منهن كل ليلة.

وعلى أثير هذه القصص صنعنا الاثارة في مسامع شغاتي ، وقال بحسرتهِ العالية : من الذي يرسل شغاتي الى بلاد الترك ليصبح سلطانا .؟

قلت ضاحكا : الحلقوم الاحمر .

فيرد :بروح ابوك استاذ هات لي يوم تذهب الى المدينة كيلو حلقوم أحمر . فأم مكسيم طالما تذكرني كل صباح أن الكيلو الاخير خلص من اسبوع.

نضحك ، ونقول : أنت تستفيد من الحلقوم فأما نحن فينطبق علينا المثل القائل : نديمه يمه.

يضحك ، ونضحك وتعبر الذكريات عبر اغتراب بعيد وفي البازار الكبير في منطقة سلطان احمد في اسطنبول حيث المحلات تعرض بأغراء مدهش بضاعتها من الحلقوم الأحمر فأتذكر الروح الطيبة لموظف الخدمة في مدرستنا السيد شاتي فأتمنى لو كان حيا لأرسلت له الان وزنةً من الحلقوم الاحمر ومعها تحيات السلطان سليمان….!

أحدث المقالات

أحدث المقالات