7 أبريل، 2024 9:09 ص
Search
Close this search box.

الحلاق المجاني

Facebook
Twitter
LinkedIn

قصة قصيرة عن تعاون الناس في الزمن الجميل عكس مايجري الان بين البلدان حيث خناجر الاخوان وشحة الاعوان وتغير الازمان

قرب منزله خلف مدرسة البنات القديمة كان نعمةيفترش الأرض امام  الباب هناك في تلك البيئة الامنة بعيدا عن عواء الكلاب وتشاجر الأطفال والرجال  ونزيف الدماء وضوضاء وصخب البلدة  ……....ارض معشبة تتوسطها  شجرة الصفصاف الطاعنة في السن والتي  احدودب ساقها….  هناك كان في انتظار طالبي العونالذين في أحيان كثير يمتنعون من الذهاب الى أصحاب المهن الماهرين والمتخصصين وذلك لمخاطر الوصول المعنوية لهم ولصعوبة اقناعهم بعسر الحال وقلة المال او لكون بيئة العمل غيرمريحة اوعدم تمكنهم من الانسجامومزاج الممتهنين في وقت المتطلب للأنجاز .

هناك كانت تجرى التجارب المهنية الناجحة من طرف رجال لايمتكلون سوى الفطرة وطيب السريرة في التحول الى حلاق او حداد اونجار او خباز قل ما شئت وتجري دون مكان جغرافي معتمد . اما نعمة ذلك الصديق الوفي الودود فكان عنده ماكنة حلاقة يدوية ومرأة بمقبض وصابون مع فرشاة حلاقة تقليدية و علبة معدنية للجلوس ومقص كانت كلها مخبأة في صندوق حديدي صغيرة  مقفل بقفل اخضر كخضرار كرمه وتعاونه كان  “نعمة “هناك متواجدا ليس للعمل بل لمساعدة عموم اصدقاءه ممن هم بحاجة الى خدمته فتراه……… يصيح  

” اهلا ابو فلان اواهلا أبو علان اراك مغبش و قادم لحلاقة الوجه “

فيجيبه مثلا أبو حميد ” نعم يا حبيبي ليس لنا غيرك من معين  لنا نحن المساكين والمقردون  فقد ارتفع سعر حلاقة الوجه الى اضعاف مضاعفة لاقدرة لنا على التحمل كما تعرف “

فطلب نعمة منه ان يجلس على المقعد المعدني وهما يتبادلان أنواع الحديث واللطائف والنوادر وما يرفقها من قهقهات واهات كل حسب سياقه المناسب وبدا الحلاق الهاوي بعمله المعتاد  . وسأل نعمة أبو حميد” لماذا لاتقوم انت بنفسك بحلاقة وجهك ” فأجاب أبو حميد اتعلم يا نعمة عندما أقوم بذلك فانني اجعل انهار الدم تغطي وجهي وهي يسيل من الأعلى الى الأسفل وكاننا في موسم   فيضان. وبعد ان يجف الدم  ويصبح وجهي مليئا بالبقع  وكأني ضحية حيوان مفترس وعندها اخيف اسرتي و اولادي واصبح مدعاة للضحك والتندر.

وليس كل احاديث الحلاق الهاوي و  المتبرع عتد النخوة مع اصدقاءه طالبي المساعدة ليست كلها تحوي اخبار عادية وسارة بل أحيانا بعض احداثهم مأساوية ومحزنةومقرفة . حيث ذات مرة عندما كان يقوم بحلاقة رأس صديق ضريرعسير الحال  وجد في مقدمة رأس  ذلك الرجل  فلعة بيضاء كبيرة وجره الفضول الى سؤاله ” ما هذا يا صديقي ” فاجاب الرجل : انه عندما أصيب بمرض خطيروعضال في رأسه و عيونه وقلب دنياه ظلاما منذ سنين مضت  عجز الأطباء عن تشخيص و معالجة المرض وذلك لقلة الخبرة والمعلرفة في ذلك الزمن الغابر مما اضطر الىالاستعانة باخر الغلاج وهو الكي بسيخ طويل اجمروحمر لونه ووضع على مكان الألم بالرأس فترك اثره بعد معاناة قاسية و طويلة وبعدها تلف العصب البصري وانقطع وأصيب الرجل بالعمى طيلة ما تبقى من حياته. وكان ذلك الرجل الضرير رجلا من خيرة الرجال تقوا وتديناوحبا  للاخرين ويعجز اللسان عن وصف اخلاقه وحسن ادبه.

كان نعمة وغيره في ذلك الزمن يستهدي بفطرته  الى ممارسة كل المهن تقريبا وكانت الاستعانة ببعضنا البعض من موجبات الحياة وكانت استعارة أدوات العمل من الأمور السائدة والرائجة وكانت الجغرافيا في خدمة الجميع ( تعمل حيث تحط) والتعاون الشعار السائد حيث  كان المثل آنذاك ولايزال  “قوم اللي تعاونت ما ذلت ولا افلست”. لكن كان الامر(الانجاز ) يتطلب وقتا . فالنجار المحترف مثلا يصنع الكرسي او السرير في وقت اقل من وقت فاعلي الخير وبجهد أيضا اقل ولكن كل الامر يتطلب مالا اكثر يقدم للمحترف وقد يتساوم عليه هذا الأخير ومن الصعب على الناس توفيره.

أه يا عسر الحال كم من المبدعين صنعت وكم من المحترفين المتحولين انتجت وكم من أبناء آدم افرحت وكما كان يمكن ان يعاني قليلو الحيلة لولا ذكاء وحيلة وفطرة  بعضنا ولولا تعاوننا لاصبحنا ساحة افتراس حيوانية. تفترسنا الحيتان الجائعة وتنهش لحومنا الكلاب السائبة.

دائما رياح الإرادة تسيير سفن الابداع وتقتلع أشجار المستحيل من جذورها و شمس البداهة و المعرفة والذكاء الفطري تبدد دائما ظلام الجهل وتنعش الرغبة  في  اقتحام  مجاهل المهن و العمل  وتوفر الزمن والجهد والمال. ومعونة صاحب او صديق بإمكانها المساعدة في صعود الجبال واجتياز الصحارى والوديان. الصداقة الحميمة والقرابة والانتساب بالإضافة الى حتمية  التناغم والانسجام  احينانا  تنقذ المستنجد من بئر الفقر المظلم  وتغني عن الاحتياج وتوفر ما يكفي لسد الاحتياجات اليومية. والصداقة الحقة واحيانا الانتساب العرقي ما هي الا أمور بمثابة الزورق الذي ينقل المستغيث من عنف الاحداث الى جرف الآمان.

نبذة عن الكاتب في سطور

اكاديمي وكاتب ومترجم عمل:

o اعلامي عراقي عمل في وكالة الانباء العراقية 75-80
o أستاذا للترجمة الإعلامية في مانجستر \ جامعة سلفورد المملكة المتحدة
o -أستاذا للتعليم العالي جامعة محمد الخامس\مدرسة الملك فهد العليا للترجمة – طنجة\المملكة المغربية
o برفسور في جامعة عجمان أ.ع.م
o برفسور الجامعة الامريكية في الشارقة
o مترجم محلف في الامارات والمغرب

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب