نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة كانت متوّقعة للكثير من المراقبين السياسيين , ولولا سيطرة ائتلاف رئيس الوزراء على جميع الحكومات المحلية في المحافظات عدا ميسان لكانت الهزيمة أشد وأقسى , والجهة الوحيدة التي كانت تراهن على تحقيق الفوز الكاسح هي قيادة نوري المالكي التي أدارت ملف المعركة الانتخابية في ائتلاف دولة القانون , وبكل تأكيد فإنّ هذه النتائج قد جائت بما لا تشتهي قيادة نوري المالكي .
وأبرز ما جائت به هذه النتائج هي خسارة ائتلاف رئيس الوزراء للاغلبية المطلقة في كل المحافظات التي كان يسيطر عليها , وبكل تأكيد فإنّ فقدان هذه الأغلبية قد اتاح لخصومه الفرصة لإزاحة ائتلافه عن حكومات هذه المحافظات , وكان من الأجدر أن تقرأ قيادة نوري المالكي هذا الواقع الجديد الذي فرزته صناديق الاقتراع , وأن تتخلى عن الغرور والغطرسة التي أصابت هذه القيادة بعد الانتخابات المحلية السابقة , وأن تعي جيدا أنّ بإمكان الخصوم تشكيل تحالف جديد يقصيهم عن تشكيل هذه الحكومات أو المشاركة فيها , خصوصا إذا أخذنا بنظر الاعتبار العلاقة المتشنجة مع كتلتي المواطن والأحرار .
لكن على ما يبدو أنّ القيادة المسؤولة عن إدارة هذا الملف قد أصيبت بالترّهل وفقدان القدرّة على اتخاذ القرار الصحيح , وإلا فهل فكرّت هذه القيادة أنّ بإمكان كتلتي المواطن والأحرار والتي حصلت على 118 مقعدا أن تمنعهم حتى من مجرد المشاركة في تشكيل هذه الحكومات المحلية ؟ .
فها هم الحكيم والصدر ينجحان في تشكيل ائتلاف جديد بينهما ويعلنان عن عزمهما بتشكيل الحكومات المحلية في المحافظات التي جرت فيها الانتخابات , ولا أدري ماذا ستفعل قيادة نوري المالكي الفذّة المكلّفة بإدارة هذا الملف ؟ فهل ستقوم بشراء أصوات الأعضاء بملايين الدولارات كما أشيع ؟ أم أنّها ستقر بهذا الفشل الذريع وتنتقل لصفوف المعارضة ؟ .
لكنّ المشكلة ليست بفقدانهم للحكومات المحلية فحسب , بل أنّ هذه الهزيمة ستكون لها آثار كبيرة على الانتخابات البرلمانية القادمة وربّما ستفتح هذه الحكومات الجديدة الكثير من ملفات الفساد على الحكومات السابقة وبالتالي فإنّ هذه الملفات لو فتحت , فإنها ستفتح بابا من أبواب جهنم على قيادات ائتلاف دولة القانون المحلية .
والحقيقة أنّ ائتلاف دولة القانون في وضع لا يحسد عليه , فالمشاكل تتوالى عليه من كل حدب وصوب , فالأخطاء المتراكمة والاعتماد على أنصاف السياسيين واشباه المتعلمين والمغرورين من قيادات الدعوة , كلها عوامل ساهمت في هذه الهزيمة .
ففي معظم البلدان الديمقراطية عندما تخسر الأحزاب السياسية الانتخابات وتفقد السلطة , فإنّ أول إجراء تقوم به هذه الأحزاب هو تغيير قيادات هذه الأحزاب والمجيئ بقيادات جديدة تحل محلها , لكّني لا أعتقد أنّ حزبا إسلاميا كحزب الدّعوة يمكن أن يقوم بمثل هذا الإجراء , لأنّ هذا الإجراء لا يقوم به المنتفعون والفاسدون والانتهازيون , ومشكلة الأحزاب الإسلامية جميعا أنّها تعجّ بأمثال هؤلاء , ومن يعتقد أنّ القادم الجديد سيكون أفضل من الذين سبقوه , فعليه بمراجعة حسباته وأفكاره , فالحقيقة المرّة إنهم من طينة واحدة .