18 ديسمبر، 2024 9:43 ص

الحكيم واطار المرجعية الناجح

الحكيم واطار المرجعية الناجح

تمر علينا في كل عام وفي السابع والعشرين من ربيع الأول، الذكرى السنوية لرحيل مرجع الطائفة السيد محسن الحكيم (أعلى الباري مقامه الشريف).. نعم لقد رحل في مثل هذا اليوم من عام 1390هــ، الأستاذ الذي أعطى العلم والعلماء على امتداد خمسين عاماً، من الفوائد والعلوم ما تتزلزل عن حمله الجبال، فتخرج على يديه مئات العلماء في مختلف الأبواب العلمية، فمنهم المجتهدون ومنهم الأساتذة ومنهم الخطباء.
لقد رحل الصوت الذي كان يستصرخ الناس إلى الحق والجهاد، ويكون سابقاً لهم في ساحة النزال، وهذا ما يشهد له التاريخ، فقد ذهب الإمام الحكيم (قدس) مع أستاذه المجاهد السيد محمد سعيد الحبوبي سنة 1332هـ، لمواجهة الغزو البريطاني للعراق.. فكان حقآ الشخصية الدينية بعد نجاح الثورة للتصدي للمرجعية، ليكون له قرار الفصل في إتخاذ القرارات المصيرية للأمة.
أصبحت المرجعية الدينية لها دورها في أوساط اتباع أهل البيت (عليهم وألهم السّلام) عندما أخذت البلاد الإسلامية تتعرض للنفوذ و الغزو الأجنبي، و تعرض الكيان السياسي الإسلامي لخطر الانحراف، وبعد ذلك لخطر الانهيار و الزوال و سقطت الدولة الإسلامية، الأمر الذي جعل المراجع و المجتهدين امام مسؤولية جديدة، و هي الدفاع عن الوجود الإسلامي، و من ثم العودة إلى الإسلام بعد انحسار النظام الإسلامي عن المجتمع، في مجال التطبيق الاجتماعي و حتى الفردي..
عاش الإمام الحكيم، هذه الفترة الحساسة من الأوضاع السياسية والاجتماعية، وقد تكونت الرؤية النظرية لديه، بعد الحرب العالمية الاولى ونتائجها، من سقوط الدولة الإسلامية، وقيام الحكومات الوطنية المرتبطة بعجلة الاستعمار العسكري، أو السياسي والثقافي.
كانت بدايات مرجعيته العامة بعد الحرب العالمية الثانية، وانقسام العالم إلى المعسكر الغربي و الشرقي، وظهور الحرب الباردة واشتداد أوارها، وما تبعها من الانقلابات العسكرية والاضطرابات العامة، وظهور التيارات الفكرية والثقافية المتطرفة والهدامة، و ظهور التيارات الماركسية و الاشتراكية و القومية و الوطنية.
كان على الإمام الحكيم أن يختار طريقه و منهجه و أسلوبه، في خضم هذا التلاطم السياسي و الثقافي و الاجتماعي، فاختار الإمام الحكيم أن يكون هذا الإطار، هو المرجعية الدينية.. الذي يجب أن يتحرك ضمنه، سواء على المستوي السياسي، أو الثقافي و الاجتماعي.
كان هذا الخيار صعبا للغاية، لأنه جاء بعد سلسلة من الانتكاسات في العمل الإسلامي المرجعي في العراق و إيران، البلدين المهمين المركزيين لدى اتباع أهل البيت.
سواء في حركة العلماء الدستورية المعروفة بحركة (المشروطة) في إيران، أم في حركة التحرر من الهيمنة الأجنبية في الحركة المعروفة ب(ثورة العشرين) سنة (1920 ميلادية) في العراق، للخلاص من الحكم الأجنبي الانكليزي، و ما تبع هاتين الحركتين من قتل و تشريد و مطاردة للعلماء و المراجع.
كذلك جاء هذا الخيار بعد تنفيذ المخطط الرهيب لعزل الإسلام وجميع مؤسساته، و منها الحوزة العلمية و العلماء عن المجتمع و الحياة، بحيث تحول الإسلام إلى مجرد تراث في المجتمع، يحضى بشيء من التقدير و التقديس و التكريم، من خلال المراسيم و الأعياد و الشعائر العامة.
تحولت المرجعية في أفضل صورها إلى جزء من هذا التراث، يكاد ينحصر في الرجوع إليها في العبادات و قضايا الأموات و بعض الأحوال الشخصية، بل كانت بعض الأوساط العامة تنظر إليها على انها شيء “متخلف” من هذا التراث..
بالرغم من أن المرجعية، تمثل في بعدها النظري، امتدادا لحركة النبوة و الإمامة، بشكل واقعي في الفترة الزمنية التي عاصرها رؤية الإمام الحكيم للمرجعية
لقد كان الإمام الحكيم ينظر إلى اطار المرجعية الدينية، من خلال إيجاد التكامل بين مجموعة من العناصر، يمكن تلخيصها في الأمور الثلاثة التالية: “المرجع، و الحوزة، و الأمة” مع الفهم الإسلامي لكل واحد منها، و تصور صحيح لدورها في التكامل، و العلاقة بينها في الارتباط و الأداء و بذلك يمكن من خلالها تحقيق الأهداف المطلوبة.